93

لتوقف عن هذا القول حتى يرى هل يغرب أم لا يغرب ، وأما قوله في الشمس فيجب أن يتأكد الإنكار عليه لتأكد تكرار التجربة منه في الكواكب والقمر.

وهذه الأقوال كلها لو قدرت لأحد منا لأنكرها كل الإنكار فإن فيها غاية الحيرة وعدم الاستدلال ، فكيف تثبت لخليل الرحمن الذي أراه ملكوت السموات والأرض حتى كان يرى ويسمع صريف القلم (1) في اللوح المحفوظ؟ وكان يسمع خفقات قلبه من خشية الله على فرسخ؟ فإذا بطلت في حقه بل في حق العقلاء المستدلين هذه الأقوال لم يبق إلا أنه قالها من باب مقابلة الفاسد بالفاسد ليقيم الحجة على قومه في التغير بالأكوان الدالة على الحدوث ، ويعضد ذلك قوله لهم في الشمس : ( هذا ربي هذا أكبر ) [الأنعام : 6 / 78] يعني أكبر جرما وأبهر ضياء ، وأنفع لأهل الأرض ، من كل ما دونها من الكواكب ، وهي تتغير كتغيرها ، وليس بعدها ما ينتظر ( يا قوم إني بريء مما تشركون ) [الأنعام : 6 / 78] ، إلى قوله : ( وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ) [الأنعام : 6 / 80]. والبارئ تعالى يخبر أنه نادى قومه وناجاهم ، وحاجوه وحاجهم ، ورد عليهم. وهم يقولون إنه خرج من المغارة وحده ، واستدل وغلط وتحير وقال : هذا ربي في الكواكب الثلاثة ، فلو كان صغيرا كما زعموا لم يكن له قوم يناديهم ويحاجهم ويحاجونه ، ولو كان أيضا لم ير الكواكب إلا تلك الليلة كما زعموا ، لم يقل في الشمس على الإطلاق «هذا ربي هذا أكبر» ، مع تجويز طلوع أكبر منها فلولا ما رأى الكواكب قبل ذلك لم يقل : هذا أكبر.

وهذا جزاء من يتكلم في أمور الأنبياء عليهم السلام ، قبل أن يتمرن في علم ما يجب لهم ويستحيل عليهم.

Page 103