115

وهذا أوسع في عذر موسى عليه السلام ، إذ لم يكن مشروعا له عند ما قتله ، وإن كان قد التزم شريعة يوسف عليه السلام على وجه من الوجوه ، فتخرج له على الوجه المتقدم.

وأما قولكم : إن الله تعالى عاتبه عند المناجاة على قتل القبطي فباطل ، وإنما عدد ربه تعالى عليه في ذلك المقام الكريم نعمه السالفة عليه وآلاءه العميمة في قوله تعالى : ( إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى أن اقذفيه في التابوت ) [طه : 20 / 38 39] إلى قوله تعالى : ( واصطنعتك لنفسي ) [طه : 20 / 41] ثم ذكر له من جملتها كيف نجاه من كيد فرعون ، وغم كان في قلبه من أجل طلبه إياه حين فر بنفسه منه.

ولو عاتبه ربه على ذلك لخرج له مخرج ما قدمناه من عتاب الله تعالى لأنبيائه على بعض المباحات ، من غير أن يلحق بهم ذنب ولا عتب.

وأما قوله عليه السلام لفرعون : ( فعلتها إذا وأنا من الضالين ) فيعني به : أنه كان عند ما قتله من الغافلين الغير مكلفين (1)، فكأنه يقول له : فعلتها قبل إلزام التكليف ، وإذ كنت غير مكلف فلا تثريب علي ، فإنه لا يقع الذنب والطاعة إلا بعد ثبوت الأمر والنهي ، والدليل على أن ضلال الأنبياء غفلة لا جهل قوله تعالى لنبينا عليه السلام (2): ( ووجدك ضالا فهدى ) [الضحى : 93 / 7] يعني غافلا عن الشريعة

وقال قوم : ضالا : أي لم تكن تدري القرآن والشرائع فهداك الله إلى القرآن ، وشرائع الإسلام ، وهو معنى قوله تعالى : ( ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ).

وقال قوم : أي في قوم ضلال ، فهداك إلى إرشادهم.

ورويت وجوه أخرى كثيرة (القرطبي 20 / 96 99).

Page 125