Tanbih Ghafilin
تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي
Investigator
يوسف علي بديوي
Publisher
دار ابن كثير
Edition Number
الثالثة
Publication Year
١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م
Publisher Location
دمشق - بيروت
قَدِ اقْتَصَرْتُ عَلَى هَذَا؟ فقَالَ: إِنِّي إِنَّمَا جَعَلْتُ الدُّنْيَا لِلْجَنَّةِ، وَأَنْتَ جَعَلْتَ الدُّنْيَا لِلْمَزْبَلَةِ، يَعْنِي تَأْكُلُ الطَّيِّبَاتِ فَتَصِيرُ إِلَى الْمَزْبَلَةِ، وَإِنِّي لَآكُلُ لِإِقَامَةِ الطَّاعَةِ لَعَلِّي أَصِيرُ إِلَى الْجَنَّةِ.
وَذُكِرَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْحَمَّامَ، فَمَنَعَهُ صَاحِبُ الْحَمَّامِ، وَقَالَ لَا تَدْخُلُ إِلَّا بِالْأُجْرَةِ، فَبَكَى إِبْرَاهِيمُ وَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِي أَنْ أَدْخُلَ بَيْتَ الشَّيَاطِينِ مَجَّانًا، فَكَيْفَ لِي بِدُخُولِ بَيْتِ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ مَجَّانًا.
وَذُكِرَ أَنَّ فِي بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَعْضِ أَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: يَابْنَ آدَمَ تَشْتَرِي النَّارَ بِثَمَنٍ غَالٍ، وَلَا تَشْتَرِي الْجَنَّةَ بِثَمَنٍ رَخِيصٍ.
وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ فَاسِقًا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ ضِيَافَةً لِلْفُسَّاقِ، فَرُبَّمَا يُنْفِقُ فِيهَا الْمِائَةَ أَوِ الْمِائَتَيْنِ وَيَخِفُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَهُوَ يَشْتَرِي النَّارَ بِثَمَنٍ غَالٍ، وَلَوْ أَنَّهُ اتَّخَذَ ضِيَافَةً لِأَجْلِ اللَّهِ تَعَالَى بِدِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ فَيَدْعُو إِلَيْهَا بَعْضَ الْمُحْتَاجِينَ لَثَقُلَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ ثَمَنَ الْجَنَّةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَتِ الْجَنَّةُ لَا يَدْخُلُ فِيهَا أَحَدٌ إِلَّا بِتَرْكِ جَمِيعِ مَا يُحِبُّ مِنَ الدُّنْيَا، لَكَانَ يَسِيرًا فِي جَانِبِهَا، وَلَوْ كَانَتِ النَّارُ لَا يَنْجُو مِنْهَا إِلَّا بِتَحَمُّلِ جَمِيعِ مَا يُكْرَهُ، لَكَانَ يَسِيرًا فِي جَانِبِهَا، فَكَيْفَ وَقَدْ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِتَرْكِ جُزْءٍ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ مِمَّا تُحِبُّ، وَقَدْ تَنْجُو مِنَ النَّارِ بِتَحَمُّلِ جُزْءٍ مِنْ أَلْفِ جُزْءٍ مِمَّا تَكْرَهُ.
قَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ الرَّازِيُّ: تَرْكُ الدُّنْيَا شَدِيدٌ، وَتَرْكُ الْجَنَّةِ أَشَدُّ مِنْهُ، وَإِنَّ مَهْرَ الْجَنَّةِ تَرْكُ الدُّنْيَا
٦٩ - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ﵁، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْجَنَّةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَتِ الْجَنَّةُ اللَّهُمَّ ادْخُلْهُ الْجَنَّةَ، وَمَنِ اسْتَجَارَ مِنَ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ النَّارُ اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنَ النَّارِ» فَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُجِيرَنَا مِنَ النَّارِ وَأَنْ يُدْخِلَنَا الْجَنَّةَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ سِوَى لِقَاءِ الْإِخْوَانِ وَاجْتِمَاعِهِمْ، لَكَانَ هَنِيئًا طَيِّبًا، فَكَيْفَ وَفِيهَا مَا فِيهَا مِنْ فُنُونِ الْكَرَامَاتِ.
1 / 82