فإن قيل: ها هنا دليل وهو الإجماع.
قلنا: الإجماع (حادث) بعد النبي ﷺ، والإباحة مستفادة بهذه الألفاظ في وقته.
٢١٦ - وأيضًا فإن عرف الناس وعاداتهم أن السيد لو قال لعبده: لا تدخل دار فلان، ولا تكلم فلانًا، ولا تغسل ثوبك، ثم قال (له): افعل جميع ذلك، أو قال لرجل: ادخل بستاني، وكل ثماري، واركب دابتي، اقتضى جميع هذه الإباحة ورفع الحظر دون الإيجاب، فدل على ما ذكرناه.
فإن قيل: لا نسلم هذا ونقول (إن) ذلك يقتضي الإيجاب.
قلنا: هذا مكابرة في العادات، لأنه لو اقتضى ذلك الوجوب لحسن توبيخه وعقوبته على تركه، وأحد لا يرتكب هذا.
والذي يوضح هذا أن الإنسان إنما ينهى عما تميل إليه نفسه وتشتهيه، فإذا قيل له بعد ذلك افعل لم يكن إيجابًا، لأن الإيجاب هو تكليف ما ينافي الطباع ولا تميل إليه (الأنفس)، فثبت أنه إباحة.
فإن قيل: (فالعرف ينقسم) في هذا بدليل أنه لو قال لعبده لا تقتل زيدًا. ثم قال له اقتله، فإنه يقتضي الإيجاب.