231

Tamhīd li-tārīkh al-falsafa al-islāmiyya

تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية

Genres

وأخرج عن هشام بن عبد الملك أنه قال لبنيه: «إياكم وأصحاب الكلام فإن أمرهم لا يئول إلى الرشاد.»

وأخرج عن جعفر بن محمد قال: «إذا بلغ الكلام إلى الله فأمسكوا.» وأخرج عنه قال: «تكلموا فيما دون العرش ولا تكلموا فيما فوق العرش، فإن قوما تكلموا في الله فتاهوا.»

وأخرج عن شعبة قال: «كان سفيان الثوري يبغض أهل الأهواء وينهي عن مجالستهم أشد النهي، وكان يقول: «عليكم بالأثر، وإياكم والكلام في ذات الله».»

وأخرج عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة قال: قال أبو حنيفة: «لعن الله عمرو بن عبيد؛ فإنه فتح للناس الطريق إلى الكلام فيما لا يعنيهم من الكلام.» قال: وكان أبو حنيفة يحثنا على الفقه وينهانا عن الكلام.

فالكلام ضد السكوت، والمتكلمون كانوا يقولون حيث ينبغي الصمت اقتداء بالصحابة والتابعين الذين سكتوا عن المسائل الاعتقادية لا يخوضون فيها. وفي «الكليات» لأبي البقاء: «واختيار محققي أهل السنة أن الكلام في الحقيقة مفهوم ينافي الخرس والسكوت ... والكلام عند أهل الكلام ما يضاد السكوت ...»

19

أما الثاني فيؤخذ مما نقله ابن عبد البر (المتوفى سنة 463ه/1070-1071م) في كتاب «مختصر جامع بيان العلم وفضله»: «وعن مصعب بن عبد الله الزبيري، قال: كان مالك بن أنس يقول: الكلام في الدين أكرهه، ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه، نحو الكلام في رأي جهم والقدر، وما أشبه ذلك، ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل.

قال أبو عمر: قد بين مالك - رحمه الله - أن الكلام فيما تحته عمل هو المباح عنده وعند أهل بلده، يعني العلماء منهم رضي الله عنهم، وأخبر أن الكلام في الدين نحو قول جهم والقدر، والذي قال مالك رحمه الله، عليه جماعة الفقهاء والعلماء قديما وحديثا من أهل الحديث والفتوى، وإنما خالف ذلك أهل البدع المعتزلة وسائر الفرق، وأما الجماعة فعلى ما قال مالك، رحمه الله، إلا أن يضطر أحد إلى الكلام فلا يسعه السكوت إذا طمع برد الباطل، وصرف صاحبه عن مذهبه، أو خشي ضلال عامة أو نحو هذا.»

20

واعتبار أن الدين هو شئون الاعتقادات لا شئون الأحكام العملية، يؤيده ما جاء في كتاب شرح أبي منصور الماتريدي (المتوفى سنة 332ه/943-944م أو 333ه/944-945م) على كتاب «الفقه الأكبر» المنسوب إلى أبي حنيفة: «قال أبو حنيفة، رضي الله عنه: «الفقه في الدين أفضل من الفقه في العلم»؛ لأن الفقه في الدين أصل والفقه في العلم فرع، وفضل الأصل على الفرع معلوم، قال الله تعالى:

Unknown page