Tamhid Tarikh Falsafa Islamiyya
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
Genres
وغزواته، قال: فاجتمعا يوما عنده وكان محمد بن إسحاق يحسده، لما كان يرى من المنصور من تفضيله وتقديمه واستشارته فيما ينوبه وينوب رعيته وقضاته وحكامه، وسأل أبا حنيفة عن مسألة أراد بها أن يغير المنصور عليه، فقال له: ما تقول يا أبا حنيفة في رجل حلف ألا يفعل كذا وكذا، أو أن يفعل كذا وكذا، ولم يقل: «إن شاء الله» موصولا باليمين، وقال ذلك بعدما فرغ من يمينه وسكت. فقال أبو حنيفة: لا ينفعه الاستثناء إذا كان مقطوعا من اليمين، وإنما ينفعه إذا كان موصولا به.
فقال: وكيف لا ينفعه وقد قال جد أمير المؤمنين الأكبر أبو العباس عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - إن استثناءه جائز ولو كان بعد سنة، واحتج بقوله عز وجل:
واذكر ربك إذا نسيت . فقال المنصور لمحمد بن إسحاق: أهكذا قال أبو العباس، صلوات الله عليه؟ قال: نعم، فالتفت إلي أبي حنيفة - رحمه الله - وقد علاه الغضب، فقال: تخالف أبا العباس؟ فقال أبو حنيفة: لم أخالف أبا العباس، ولقول أبي العباس عندي تأويل يخرج على الصحة، ولكن بلغني أن النبي
صلى الله عليه وسلم
قال: «من حلف على يمين واستثنى فلا حنث عليه.» وإنما وضعناه إذا كان موصولا باليمين، وهؤلاء لا يرون خلافتك؛ لهذا يحتجون بخبر أبي العباس.
فقال له المنصور: كيف ذلك؟ قال: لأنهم يقولون إنهم بايعوك حيث بايعوك تقية، وإن لهم الثنيا متى شاءوا يخرجون من بيعتك، ولا يبقى في أعناقهم من ذلك شيء. قال: هكذا؟ قال: نعم. فقال المنصور: خذوا هذا - يعني محمد بن إسحاق - فأخذ وجعل رداؤه في عنقه وحبسوه.»
183
وفي نسخة خطية من كتاب «طبقات الفقهاء» للقاضي شمس الدين العثماني الصفدي: «وكان الطوسي يكره أبا حنيفة، وهو يعرف ذلك؛ فدخل أبو حنيفة على المنصور وكثر الناس، فقال الطوسي: اليوم أقتل أبا حنيفة، فقال لأبي حنيفة: إن أمير المؤمنين يأمرنا بضرب عنق الرجل لا ندري ما هو، فهل لنا قتله؟ فقال: يا أبا العباس، أمير المؤمنين يأمر بالحق أو الباطل؟ فقال: بالحق، قال: اتبع الحق حيث كان ولا تسأل عنه، ثم قال لمن قرب منه: إن هذا أراد أن يوثقني فربطته.»
184
كان طبيعيا أن يجادل الشافعي عن أستاذه، وعن مذهب أستاذه، وقد نهض الشافعي لذلك قويا بعقله، قويا بعلمه، قويا بفصاحته، قويا بشباب في عنفوانه وحمية عربية، وقد رويت لنا نماذج من دفاع الشافعي عن مالك ومذهبه: «عن محمد بن الحكم قال: سمعت الشافعي يقول: قال لي محمد بن الحسن: صاحبنا أعلم من صاحبكم ، يعني أبا حنيفة ومالكا، وما كان على صاحبكم أن يتكلم، وما كان لصاحبنا أن يسكت، قال: فغضبت وقلت: نشدتك الله، من كان أعلم بسنة رسول الله
Unknown page