Tamhid Tarikh Falsafa Islamiyya
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
Genres
صلى الله عليه وسلم ، وجاء بعده عهد الخلفاء الراشدين من سنة 11ه/632م إلى 40ه/660م، وقد اتفق الصحابة في هذا العهد على استعمال القياس في الوقائع التي لا نص فيها من غير نكير من أحد منهم.
وفي هذا العهد أخذت تبدو الصورة الأولى للإجماع، بما كان يركن إليه الأئمة من مشاورة أهل الفتوى من الصحابة - وهم المعتبرون في انعقاد الإجماع، وكانوا قلة لا يتعذر تعرف الاتفاق بينهم.
117
ولم يكن يفتى من الصحابة إلا حملة القرآن الذين قرءوه وكتبوا وفهموا وجوه دلالته وعرفوا ناسخه ومنسوخه، وكانوا يسمون «القراء» لذلك، وتمييزا لهم عن سائر الصحابة بهذا الوصف الغريب في أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب.
ولم يكن الرأي في هذا الدور قد تعين معناه ولا تخصص، قال المرحوم الشيخ محمد الخضري بك في كتاب «تاريخ التشريع الإسلامي»: «بينا أنهم كانوا (أي الصحابة) يعمدون إلى الفتوى بالرأي، إن لم يكن هناك عندهم في الحادثة نص من القرآن والسنة، والرأي عندهم إنما كان للعمل بما يرونه مصلحة وأقرب إلى روح التشريع الإسلامي من غير نظر إلى أن يكون هناك أصل معين للحادثة أو لا يكون.
ألا ترى أن عمر حتم على محمد بن مسلمة أن يمر خليج جاره في أرضه لأنه ينفع الطرفين ولا يضر محمدا في شيء، وأفتى بوقوع الطلاق الثلاث مرة واحدة؛ لأن الناس قد استعجلوا أمرا كانت لهم فيه أناة، وحرم على من تزوج امرأة في عدتها أن يتزوج بها مرة أخرى بعد التفريق بينهما، زجرا له، والنظر في المصالح يختلف باختلاف الناظرين؛ لذلك نجد بعض المفتين في عصر عمر خالفوه فيما رأى، وهناك مسائل خالف فيها عمر أبا بكر وقضى بغير ما كان يقضي به، كما ذكرنا في ميراث الجد مع الأخوة. وفي التفضيل في العطاء، وكذلك هناك مسائل أفتى فيها علي بغير ما أفتى به غيره من إخوانه، فقد كان يخرج الزكاة عن أموال اليتامى الذين في حجره، وكان غيره يقول ليس على مال اليتيم زكاة.
وقد بينا أن الخلاف لم يكن في هذا العصر بالشيء الكثير؛ لأن أقضيتهم كانت بقدر ما ينزل من الحوادث، ولم تدون هذه الأقضية في عصرهم، فقد انتهى ذلك الدور والفقه هو نصوص القرآن الكريم والسنة الطاهرة المتبعة وما ارتضاه كبار الصحابة، مما رواه لهم غيرهم من الصحابة أو ما سمعوه هم، وقليل من الفتاوى صادرة عن آرائهم بعد الاجتهاد والبحث.
وأشهر المتصدرين للفتوى في هذا العصر الخلفاء الأربعة، وعبد الله بن مسعود، وأبو موسى الأشعري ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، والمكثرون منهم عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وزيد بن ثابت، وهذا في الفرائض خاصة.»
118
وفي كتاب «إعلام الموقعين» لابن قيم الجوزية: «وقال محمد بن جرير: لم يكن أحد له أصحاب معروفون حرروا فتياه ومذاهبه في الفقه غير ابن مسعود، وكان يترك مذهبه وقوله لقول عمر، وكان لا يكاد يخالفه في شيء من مذاهبه، ويرجع من قوله إلى قوله، وقال الشعبي كان عبد الله لا يقنت، وقال لو قنت عمر لقنت عبد الله.
Unknown page