Talkhis Sama Wa Calam

Averroes d. 595 AH
104

Talkhis Sama Wa Calam

تلخيص كتاب السماء والعالم

فأما الآراء التي حكاها عن القدماء في الثقيل والخفيف فهي ثلاثة: إحداها قول من جعل جوهر الثقيل والخفيف في قلة الاجزاء وكثرتها، وذلك أن من القدماء من ميز الثقيل والخفيف في قلة الأجزاء وكثرتها بأن قال أن الثقيل والخفيف مركبان من أجزاء هي واحدة بالصورة، إلا أن الثقيل هو المركب من أجزاء أكثر والخفيف هو المركب من أجزاء أقل، وهذا القول قاله أفلاطون في طيماوس، وذلك بمنزلة ما يقول القائل أن النقرة من الرصاص الكبيرة أثقل من الصغيرة. إلا أن قولهم هذا ليس هو في جميع الأشياء المتشابهة بمنزلة الرصاص الكبير مع الصغير وفي الأشياء غير المتشابهة بمنزلة الخشبة والرصاص. وإنما قالوا ذلك لأنهم كانوا يرون أن جميع الأشياء مركبة من أجزاء متشابهة، أعني واحدة بالصورة، وإن ظهرت مختلفة. قال: وقولهم ترده المشاهدة والعيان مع أن هذه العلة التي أعطوها ان سلمناها لهم كانت العلة للأثقل والأخف لا علة للثقيل والخفيف. فاما كيف ترد المشاهدة والعيان اللازم لهم عن هذا القول فعلى ما أقوله: وذلك أنا نرى النار أبدا خفيفة دائمة السلوك إلى فوق، قليلة كانت أو كثيرة، ونرى الأرض دائما ثقيلة دائمة الحركة إلى أسفل، قليلة كانت أو كثيرة، فلو كانت النار خفيفة لانها مركبة من مثلثات أقل، والأرض ثقيلة لأنها مركبة من مثلثات أكثر، للزم أن تكون النار الكثيرة تتحرك إلى أسفل والصغيرة إلى فوق، وذلك خلاف ما يظهر، فإن النار الكبيرة اسرع حركة إلى الفوق من النار الصغيرة. ومحال آخر أيضا وذلك أنه إن كان سبب الثقل والخفة كثرة المثلثات وقلتها لزم أن يكون قدر من الهواء أثقل من قدر من الماء، وذلك إذا كان في ذلك القدر من الهواء من المثلثات أكثر مما في ذلك القدر من الماء، وذلك خلاف ما يحس، فإن الهواء ليس يتحرك بالطبع إلى موضع الماء. قال: فهذا هو النحو من التعليل [الذي] علل [به] هؤلاء الثقيل والخفيف. قال: واما غيرهم من المتقدمين فانهم لم يرضوا بهذا التعليل ولا قنعوا بتوفية هذا السبب [ 44 ظ: ع]. قال: وإن كانوا أقدم في الزمان فإن قولهم جار على طريقة القدماء أكثر، يعني في جودة التمييز وكثرة الاستقصاء، واما أولائك فانهم وان كانوا محدثين فإن قولهم جار على طريقة القدماء اكثر، يعني في قلة الاستقصاء، لأنه يظهر منه بقرب خلاف المحسوس. وذلك أنه إن كانت الأشياء المركبة المتساوية في المقدار هي التي تتركب من أجزاء أول متساوية في العدد، وكان السبب في الثقل والخفة كثرة الاجزاء وقلتها، وكان يظهر أن بعض الأشياء المتساوية في المقدار أثقل من بعض، فبالواجب ما يوجب عن ذلك أن تكون الأشياء المتساوية غير متساوية. قال: ومن ركب الاجرام من السطوح، على ما يقوله هذا الرجل، ليس يمكنه أن يقول أن السبب في الثقيل والخفيف هو كبر الأجزاء التي تركب منها الثقيل وصغر الأجزاء الأول التي تركب منها الخفيف، على ما قال ذلك ناس من الطبيعيين. وذلك أنه ليس يمكن أن يقال أن سطحا أثقل من سطح وان كان أكبر منه. وأما الذين يركبون الأجسام من أجرام غير منقسمة فقد يمكنهم أن يضعوا هذا الوضع، وليس تلزمهم هذه الشناعة التي لزمت من قال أن علة الخفة والثقل هي كثرة الأجزاء وقلتها. وذلك أن لأصحاب هذا الرأي أن يقولوا انما كان الأصغر أثقل من الأعظم في كثير من الأشياء لأن ذلك الأصغر مركب من أجزاء أعظم والأعظم مركب من أجزاء أصغر، وانهم وان لم يمكنهم أن يعطوا سبب ذلك في المركبات، أعني ان يكون الأصغر هو الأثقل، فقد يمكنهم أن يعطوا ذلك في البسائط التي [منها] تركب الجسم. فهذه جملة ما يقوله في الرد على أفلاطون في اعطاء سبب الثقيل والخفيف وقلة الاسطقسات والحذق الذي في المذهب. وأما ⎤ المذهب ⎡ الثاني الذي هو أشد اقناعا من هذا فهو رأي ديمقريطس ولوقش، وذلك أنهم كانوا يقولون أن علة الثقل والخفة مبثوت في الاجرام، يعنون أن الخلاء هو الذي يحرك الاجرام إلى فوق والملاء إلى اسفل. قالوا وبذلك أمكن أن تظهر بعض الاجرام أعظم وهي أخف لأن عظم جرمها انما هو من كثرة الخلاء الذي يدخلها لا من قبل كثرة الملاء. فعلى هذا لا يمتنع أن تكون الاجرام متساوية في الاجزاء وبعضها أخف من بعض. ولأن هذا القول لا يلزمه المحال الذي لزم ذلك القول الآخر، كان هذا القول أشد اقناعا. ولما ذكر هذا الرأي وأنه أشد اقناعا من الآخر، شرع في معاندته. وقوة ما يستعمله في ذلك هو ما أقول: وذلك أنه إن كان كل جرم يوجد فيه خلاء مبتوت، وكان الخلاء علة الخفة والملاء علة الثقل فلا يخلو حدهم للخفيف على هذا الرأي من وجوه أربعة: إما أن يحدد بأنه الذي فيه خلاء كثير والثقل ضد هذا. وإما أنه الذي فيه ملاء قليل والثقل ضد هذا، وإما أنه الذي فيه خلاء كثير وملاء قليل، أعني أن يحدوا القلة والكثرة في الخلاء والملاء في الجسم الواحد بالإضافة إلى الجسم [الآخر] لا باضافة الخلاء الذي فيه إلى الملاء الذي فيه والثقل ضد هذا. واما ان يحدوه بنسبة الخفيف فيه إلى الثقيل، اعني في الجسم الواحد بعينه حتى يكون الخفيف ما كان الخلاء فيه أكثر من الملاء بنسبة محدودة والثقل ضد هذا. فاما أن حدوا الخفيف بأنه الذي فيه خلاء كثير لزمهم أن تكون أرض ما أخف من نار ما، وذلك أنه إذا كان في جزء ما من النار مشار إليه مقدار ما من الخلاء أمكن أن نأخذ أرضا كثيرة حتى يكون فيها من الخلاء ما هو أكثر مما هو في ذلك الجزء من النار فيلزم أن تكون تلك الأرض متحركة إلى فوق. واما ان حدوه بأنه الذي فيه ملاء قليل أمكن أن نأخذ أيضا نارا كثيرة فيها ملاء أكثر مما في أرض صغيرة فيلزم في تلك النار أن تتحرك إلى أسفل. واما ان حدوا الخفيف بأنه الذي فيه خلاء كثير وملاء قليل فقد يلزمهم أن يعود الثقيل لا ثقيلا ولا خفيفا، وكذلك الخفيف يعود لا ثقيلا ولا خفيفا. لأنا إذا أخذنا جرمين أحدهما فيه من الخلاء أكثر مما في الآخر وفيه من الملاء أقل مما في الآخر فقد يلزم أن يكون أحدهما خفيفا، وهو الذي فيه من الخلاء أكثر ومن الملاء أقل، والآخر ثقيلا، فإذا ضاعفنا [ 45 و: ع ] الجرم الذي وضعناه خفيفا صار فيه من الماء أكثر مما في الجرم الثقيل وكذلك من الخلاء فيلزم أن يكون ثقيلا ولا خفيفا بحسب حدهم وان يكون خفيفا وثقيلا بحسب الحدين البسيطين، وذلك كله مستحيل. واما أن يضع الثقيل والخفيف نسبة الخلاء فيه إلى الملاء فانهم يتخلصون من هذه الشناعات، إلا أنه يلزمهم محال آخر وهو أن لا تكون النار الكثيرة أسرع من النار اليسيرة، وذلك أن النسبة فيها واحدة، أعني نسبة الخلاء إلى الملاء، ومثل ذلك يعرض في الأرض بيعنه، أعني ألا تكون >في< الأرض الكبيرة أسرع من الصغيرة، وإذا امتنعت هذه الوجوه كلها فمحال أن يكون الخلاء والملاء علة الثقيل والخفيف. قال: وقد يلزمهم إذا كان الخلاء هو سبب الحركة إلى فوق أن يكون الخلاء من شأنه أن يتحرك إلى فوق، فإن هم سلموا ذلك وقالوا أن الخلاء متحرك إلى فوق والملاء إلى أسفل لزمهم أن يعطوا سبب تحرك ذلك الخلاء إلى فوق والملاء إلى أسفل، وان يوفوا السبب الذي من أجله كانت هاتان الطبيعتان لا تفترق احداهما من الأخرى في شيء من الأجسام، مع أن أحدهما من شأنه أن يتحرك إلى فوق والآخر إلى أسفل. وأيضا ان أنزلنا أن الخلاء متحرك لزم أن يكون للخلاء موضع أو يكون للموضع موضع ليس بموضع، فهم لا يقدرون أن يوفوا علة حركة الخلاء، ولا يمكنهم أن يقولوا أنه غير متحرك مع أنهم يضعونه علة الحركة. فهذه هي المحالات التي تلزم من علل الثقيل والخفيف بالخلاء والملاء. واما المذهب الثالث مذهب من جعل علة الثقيل والخفيف صغر الاجرام أو كبرها، وذلك أن هؤلاء قالوا أن الاجزاء الأول التي تركب منها الخفيف أصغر من الاجزاء الأول التي تركب منها الثقيل، ورأى هؤلاء شبيه برأي أهل المذهب الأول في أنهم انما تكلموا من الثقيل والخفيف في الذي يقال بإضافة لا في الثقيل المطلق والخفيف المطلق، وذلك أن كل من لم يعط في سبب ذلك طبيعتين متضادتين بالماهية والصورة وانما جعل سبب ذلك من قبل الأقل والأكثر لم يقدر أن يقول في علة الثقيل المطلق والخفيف المطلق، ولهذا كان قول أصحاب الخلاء والملاء أفضل في هذا المعنى من أقوال غيرهم، لأنهم يقدرون أن يقولوا في الثقيل المطلق والخفيف المطلق، وذلك أن من الخلاء والملاء يأتي إذا عللوا هاتين الطبيعتين المتضادتين بعلل متضادة، إلا أن هؤلاء أيضا لا يمكنهم أن يقولوا في الأثقل والأخف قولا جيدا، كما لا يمكن أولائك أن يقولوا في الثقيل المطلق والخفيف المطلق قولا مقنعا، وقول الذين صيروا علة الثقيل والخفيف صغر الاجزاء الأول وكبرها أجود وأقنع من الذين صيروا علة ذلك كثرة الاجزاء وقلتها، كما قلنا، إذ كان لهؤلاء إذا اعترض عليهم بوجود بعض الأجسام البسائط أكثر وأخف قالوا ان التي هي أخف مركبة من أجزاء صغار، وان كانت أكثر، والتي هي أثقل هي مركبة من أجزاء كبار وان كانت أقل. واما من جعل سبب ذلك القلة والكثرة فقط فليس يمكنه أن يتخلص من هذا الشك، إلا أنه قد يلزم هؤلاء إذا تؤمل الأمر ما لزم أهل القول وذلك أنه إذا كانت طبيعة الأجزاء الصغيرة والكبيرة واحدة لزم ان تكون الاسطقسات كلها من طبيعة واحدة وانما تختلف بالأقل والأكثر، وإذا كان ذلك كذلك فلا يكون هنالك خفيف مطلق ولا ثقيل مطلق، ويلزم أن تكون الأجزاء الصغار إذا اجتمع منها ما هو مساو للكبار ان يكون فعلها واحدا فيعرض من ذلك أن تكون النار الكثيرة أثقل من الماء اليسير والأرض اليسيرة. فقد تبين من هذا فساد جميع الآراء التي قالها الأولون في الثقيل والخفيف. قال: وناس من القدماء أقروا بوجود الخلاء، إلا أنهم كانوا لم يتكلموا في الثقيل والخفيف بشيء شبه فيثاغورش وانبادقليس، ومنهم من تكلم في ذلك وهم الذين قصصنا آرائهم آنفا.

Page 352