al-Taʾlif al-tahir fi siyam al-malik al-Zahir al-Qaʾim bi-Nusrat al-Haqq Abi Saʿid Jaqmaq
التأليف الطاهر في شيم الملك الظاهر القائم بنصرة الحقق أبي سعيد جقمق
Genres
18و
كما صبر أولوا العزم من الرسل فعجب الحاضرون من حسن خطابه واستحضاره هذه الآية في ذلك المحل • وكثير من شباب هذه الأمة كان أفضل من الشيوخ • كعبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي تقدمه عمر رضي الله عنه على مشايخ الصحابة كعتاب بن أسد وأطفال الصحابة • والتابعين • وأياس بن معوية • وتحدث لكم وغيرهم مما لا يحصى • لكن لما كان الغلب على الشيوخ التجارب والاطلاع على أحوال الدنيا بمرور الأيام وعلى الشباب زيادة الشهوة وغرور الصبا • وحدة النفس • مع قلة الممارسة والتفكر في عواقب الأمور • كما قيل روائح الجنة في الشباب • وقيل الشباب شعبة من الجنون • لا سيما إذا ساعد ذلك فراغ بال • وانتظام حال ووفور مال • كما قال أبو العتاهية • شعر • • إن الشباب والفراغ والجدة • مفسدة للمرء أي مفسدة • كان الجهل غالبا عليهم الأمن عصم الله تعالى • وحكم الناس في ذلك بالأغلب الكثير الوقوع • ولذلك حضر صلى الله عليه وسلم الشاب بالذكر لمزيد القيام بأمره فقال وشاب نشأ في عبادة الله • ولم يقل ورجل نشأ كما قال في غيره من السبعة فإذا وجد شاب مشغول بعبادة الله فذلك دليل على غزارة عقله وصحة فكره ووفور فهمه • وكمال فطنته • وإن كان كل من اعتكف على طاعة الله تعالى وعبادته صحيح الفعل • مستقيم الفكر لكن الشباب أعلى درجة وأرفع منزلة إذ يدل ذلك على أنه أكمل عقلا وأرجح لبا لدفعه من الصوارف عن ذلك • والدواعي إلى ارتكاب الشهوات • ما ليس مع الشيوخ • قال الأصمعي رحمه الله قلت لغلام حدث السن من أولاد العرب وقد حادثني فأعجبني وأمتعني بفصاحته وكياسته وكان فقيرا جدا أيسرك أن يكون لك مائة ألف درهم وأنك أحمق قال لا والله قلت ولم قال أخاف أن يجني علي حمقي جناية يذهب فيها مالي ويبقى علي حمقي فعجبت من
18ظ
كلامه وعقله وذكائه وذكر لي شيئا لم يجل في خاطري • لكن يسدل علي عقل الرجل ماشيا منها ميله إلى محاسن السئم • ومكارم الأخلاق • والتلبس بالخصائل الحميدة • ونفوره عن سفساف الأمور • وقال بعض الحكماء يعرف عقل الرجل بقلة سقطه من كلامه وأفعاله فقيل له فإن كان غائبا فقال بثلاثة أشياء برسوله • وكتابه وهديته فرسوله قائم مقام نفسه • وقد قيل • تخير إذا ما كنت في الأمر مرسلا • فمبلغ أراء الرجال رسولها • وكتابه يصف نطق لسانه • واللسان دليل على الفؤاد وقد قيل • إن الكلام لفي الفؤاد دائما • جعل اللسان على الفؤاد دليلا • وهديته عنوان تيمنه • وقد قيل • إن الهدايا على مقدار مهديها • فكمال هذه الأشياء يدل على كمال صاحبها ونقصانها يدل على النقص في عقله وقال بعض الأصوليين العقل يوزن بين الأدميين قيل محلة الرأس • وقيل القلب • وهو لعين البصيرة بمنزلة الشمس • والسراج للعين الباصرة • يعني كما أن العين تنظر المحسوسات في الظلمة بواسطة نور الشمس • والسراج كذلك البصيرة تدرك المعقولات في ظلمة الجهالات • بواسطة نور العقل • فلذلك سموه نورا • وقال بعض الحكماء العقل قوة للنفس الناطقة بها تدرك المفهومات الكلية • ثم بداية المقولات • نهاية المحسوسات • لأن الإنسان إذا رأى • بعينه شيئا أو سمع او شم أو لمس أو ذاق استدل بنور العقل من ذلك الشيء بواسطة تلك الحاسة على شيء آخر • مثلا إذا نظر بعينه إلى بناء رفيع • وقصر مشيد • استدل بنور عقله أن له بانيا لا محالة ذا حيوة وقدرة • علم أن سائر • أوصافه التي لا بد للبناء منها • ثم إذا نظر إلى السماء ورأى أحكامها ورفعتها وعظم هيأتها • واستنارة كواكبها • وسائر ما فيها من القدرة العجيبة • والحلة
19و
البديعة • استدل بنور عقله لا محالة على أنه لابد لها من صانع قديم • مدبر حكيم قادر عظيم • حي عليم • سميع بصير • وقيل العقل جوهر يدرك به الغائبات بالوسائط والمحسوسات بالمشاهدة • وقيل هو جوهر طهر بما القدس • وروح بروائح • الأنس • وأودع في قوالب بشرية • وأحداق إنسانية • كلها أضاء استنار مناهج • اليقين • وإذا أخفى أظلم خفي مدارج الدين وهو من عالم الملكوت كالشمس في عالم الملك • قال الإمام الأعظم أبو حنيفة رضي الله عنه لو لم يبعث بالله رسولا لوجب على العقلاء أن يعرفوا الله تعالى بعقولهم • قال الله تعالى أن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب • قال الإمام علم الهدي أبو منصور المازيدي رحمه الله المراد بالوجوب هنا الأولوية يعني لكان إقرارهم بوجوده أولي من إنكارهم وتوحيدهم إياه أولى من أشركهم معه غيره لا الوجوب الذي يترتب عليه الثواب والعقاب كما هو مذهب المعتزلة • وعلى كل تقدير فلا شك إن العقل هو من حجج الله تعالى على خلقه • وأجمع المتكلمون على أن الدليل على وجود الصانع القديم تعالى وتقدس هو العقل فقط • وأما الدليل على وحدانيته فقد اشترك فيه العقل والنقل • وأما الأحكام الشرعية فدليل ثبوتها النقل فقط وقد يساعده العقل بشيء يستنيط به وقد لا يدرك وجه الحكمة فيه فما يسعه إلا الانقياد والتسليم وقد ذكرت لك ذلك مستوف في شرح السلك الفريد فليطالع • قال أفريدون العاقل محبوب حتى إلى عدوه والجاهل بغيض حتى إلى والده • قيل عداوة العاقل خير من صداقة الجاهل وحسبك أن الله تعلى لم يخاطب إلا أولى الألباب • وقال بعض الحكماء اعتبر الرجال بأفعالهم وعقولهم • لا بأجسامهم وأشكالهم • قال صالح ابن عبد القدوس شعر •
19ظ
• ولين يعادي عاقلا خير له من أن يكون له صديق أحمق • وإذا ثبت ما قررناه فلينظر المتأمل إلى سيرة مولانا السلطان خلد الله تعالى سلطانه ومبدأ أمره • وكيف نشأ من بين أقرانه • في عبادة الله تعلى وطاعته • متلبسا بجميع ما ذكر وما يذكر من مكارم الشيم • ومحاسن الأخلاق • فهل خرج غير معني قوله صلى الله عليه وسلم على ما رواه ابن الدرداء رضي الله عنه • قال النبي صلى الله عليه وسلم يا عويمر ازدد عقلا • تزدد من ربك قربا • قلت يابي6 أنت وأمي ومن لي بالعقل قال اجتنب محارم الله • وأد فرائض الله • تكن عاقلا • ثم تنقل بصالح الاعمال تزدد في الدنيا عقلا • وتزدد من ربك قربا • وعليه عزا • وهل خرج عن ذاته الشريفة ما ذكره الإمام أمير المؤمنين على كرم الله وجهه من هذه الأخلاق شيء وهو قوله شعر • إن المكارم أخلاق مطهرة • والعلم ثالثها والحلم رابعها • والمر سابعها والصبر ثامنها • والنفس تعلم أني لا أصدقها • والعين تعلم من عيني محدثها • فالعقل أولها والدين ثانيها • • والجود خامسها والعرف سادسها • • والشكر تاسعها واللين عاشرها • • ولست أرشد إلا حين أعصيها • • إن كان من خرجها أو من أعاديها • قد استوفينا بحمد الله تعالى في هذا الفصل في العقل وفضله الذي هو مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ما فيه مقنع وقد اعقبنا ذلك بفصل نذكر فيه حسن الخلق مفصلة • وقد اسرنا إلى ذلك في أول الفصل في العقل ولكن الشيء إذا تكرر تقرر • وإذا تقرر تحرر • والله أعلم بالصواب • • فصل في حسن الخلق وفضله •
20و
اعلم أن حسن التصوير • وجمال الشكل • هو مطلوب عامة الناس • فإنهم مقصورون على ظاهر الخلقة • وبصائرهم قاصرة عن إدراك المعاني التي هي من خواص الإنسان ومطلوبه منه وكمال الإنسان وحقيقته في باب الخلق أتم وأكمل • فإن الله سبحانه وتعالى خلق أكثر الناس • وأما من حسن خلقة فقليل • وامتياز العوام عن البهائم بتسوية الخلق • وامتياز الخواص عن العوام بتسوية الخلق • وأيضا فإن تباين الأخلاق كتباين الصور • وكما لا تتشابه الصورتان إلا نادرا • فكذلك السيرتان لا تتشابهان إلا نادرا • وهذا مما يدل على كمال القدرة • وإلا كان دليل العجز • تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا • وقل ما توجه صورة حسنة • إلا وكان فيها فعال حسنة • ولهذا قال صلى الله عليه وسلم اطلبوا الخير عند حسان الوجوه • وسئل أفلاطون أي شيء من أفعال الناس أشبه بأفعال الله تعالى قال الإحسان إلى الناس • وحسن الخلق نعمة عظيمة لا يضعها الله تعالى إلى فيمن أحبه من خواص عباده • وفيمن اصطفاه من خيرة خلقه ولذلك من الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بها دون سائر النعم فقال عن من قائل وإنك لعلى خلق عظيم • قال أنس رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا مع أنه كان أجملهم خلقا أيضا • وروى جابر رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم على من تحرم النار على كل هين لين سهل قريب • وروى بن مسعود رضي الله عنه • قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل فكلمه فأرعد فقال هون عليك فإني لست بملك ولا جبار إنما أن من امرأة من قريش كانت تأكل القديد • قال الله سبحانه وتعالى وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن أن الشيطان ينزع بينهم • وقال تعالى ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ثم قال وما يلقاه إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا
Unknown page