al-Taʾlif al-tahir fi siyam al-malik al-Zahir al-Qaʾim bi-Nusrat al-Haqq Abi Saʿid Jaqmaq
التأليف الطاهر في شيم الملك الظاهر القائم بنصرة الحقق أبي سعيد جقمق
Genres
على كل أحد شكر الله تعالي على هذه الأيام السعيدة • وأيضا قصدت تذكر الخواطر الشريفة السلطانية زاد الله عدلها • وأدام فضلها • بأداء شكر ما انعم الله تعالي عليها من هذه الأوصاف السعيدة • والأخلاق الحميدة • الجامعة لسعادتي الدنيا والآخرة • التي قلما تجمع في هذا العصر في شخص واحد • وان كان مولانا السلطان خلد الله أيامه لم ينس حق الله تعالي فيها • ولكن قال الله تعالي وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين • ولو لم يكن ذكرها أمرا عظيما وهي نعمة جسيمة ما ذكر الله تعالي بها نبيه صلي الله عليه وسلم حيث قال وإنك لعلى خلق عظيم • وأيضا جعلت هذا التأليف السعيدا نموذجا دستورا لمن يطالعه من الملوك والسلاطين ليتأدبوا بآدابه ويدخل كل منهم الي ما وليه من بابه • فيقتفوا أثاره • وينظروا كيف رفع على أمر الشريعة منارة • وجعل لباس الحق شعاره ودثاره • ونصر الله ورسوله فجعل الله أعداء أنصاره • ولنذكر أولا النفس وماهيتها ثم نسرد أوصافها إذا لا بد من معرفة الموصوف أولا ثم بيان صفاته ثانيا لان الحكم علي الشي فرع تصوره ورسمت هذا التأليف الشريف • بالتأليف الطاهر في شيم الملك الظاهر القائم بنصرة الحق • ابي سعيد جقمق • ورتبته على فصول ليكون مقاصده للمطالع أقرب الي الحصول • والله الموفق المعين • اياه اعبد واياه استعين •
الفصل الأول في ذكر النفس وماهيتها وما ذكره حكماء الإسلام وغيرهم فيها قال الله تعالي يأيتها النفس المطمئنة ارجعي الي ربك راضية مرضيه فادخلي في عبادي وادخلي جنتي • وقال تعالي ونفس ما سواها فألهمها فجورها وتقواها وقال تعالي وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا
13ظ
تبصرون • وقال تعلي سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم • وقال تعلي ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم الي غير ذلك من الآيات الشريفة • وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم أعدي عدوك نفسك التي بين جنبيك • وقال عليه الصلاة والسلام من عرف نفسه فقد عرف ربه • قد أكثر الناس من حكماء الإسلام والفلاسفة الكلام على حقيقة النفس وانواعها وفي انها جسم او جسماني او مجرد او مركب وهذا لا يهمنا وليس الغرض في هذا الكتاب تطويل الكلام ولكن اذكر القول مختصرا مفيدا مبينا إن شاء الله تعالي • اعلم ان حقيقة نفس الإنسان لطيفة روحانية ربانية لها تعلق بقلبه وقالبه الجسماني وهي المدركة العالمة العارفة بها يتكلم الإنسان وتبصر العين • وتسمع الأذن • وتبطش اليد • وتمشي الرجل • إلى غير ذلك • وهي المخاطبة والعاتبة • والمسابة والعاقبة • والمطلوبة والمطالبة • ويطلق عليها لفظ القلب تارة ولفظ الروح أخرى ولفظ العقل أيضا • وبن آدم هو المخصوص بهذه النفس دون سائر الحيوانات وان كان يطلق على الجميع ان لها نفس لكن هذه النفس يقال لها الناطقة أي المدركة • واختلف أيضا بل تحيرت الألباب في كيفية تعلقها بالبدن وما يعلم وجه تلك العلاقة الا بالكشف • وهذه النفس لما كثرت صفاتها • وتضادت نعوتها • تخالفت أوصافها حتى أن بعض حكماء الإسلام • وقدماء الفلاسفة نوعوها • قال أفلاطون أنواع النفس ثلاثة ناطقة • وشهوانية وغضبية فالناطقة مسكنها الدماغ • والشهوانية مسكنها الكبد • والغضبية مسكنها القلب • فأية نفس منها غلبت أختيها ردتهما إلى صفاتها كالعناصر الأربعة وقال بعض حكماء الإسلام هما روح ونفس فطبع النفس طبع النار في جوهرها وإليها ينسب كل طبع لئيم كالجهل • والغضب • والحدة • واللؤم •
14و
والسفة • والملال • والترف • والطيش • والحمية • والشهوة • واللجاج • والمرآة • والجفاء • الحسد والكبر • والحقد • والبخل • والحرص • والكذب • والخيانة • والجبن • وسائر الأخلاق الذميمة كالنار في إحراقها • واستشاطتها • وحدتها • وشهوتها • وجفوتها • ودخانها • ولهيبها • وشررها • واغلائها • وحرارتها • وإهلاكها • وإعدامها • وأكلها ما تجده • والحركة • وطلب العلو إلى غير ذلك وطبع الروح طبع الماء في جوهره وإليه ينسب كل خلق كريم من الحياة • والحلم • والعلم • والصبر • والتؤدة والاحتمال • والتربية • والرواء • والسكون • والجود والبذل والرضا • والعفة • والشكر • واللين كالماء في سلاسته وسهولته ورقته • ولينه • وانقياده • والميل إلى الجانب الوطيء إلى غير ذلك فأيتهما قويت وغلبت انقادت لها الأخرى حتى تصير على طبعها كالروح والبدن فان الروح من عالم ظلماني كثيف أرضي فأيهما غلب على صاحبه جذبه إلى أفقه ومركزه • قال الله تعالى لعيسى عليه الصلاة والسلام إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وقال تعالى في حق ادريس عليه الصلاة والسلام ورفعناه مكانا عليا وقال تعالى في حق بلعم بن باعورا ولو شئنا لدفعناه بها ولكنه اخلد إلى الأرض واتبع هواه • الأنبياء عليهم الصلاة والسلام صارت أجسادهم أرواحا والكفار صارت أرواحهم أجسادا • وقال سهل رحمه الله الأنفس ثلاثة لوامة وهي العقل • وأمارة وهي الشهوة • ومطمئنة وهي الإيمان • وقال بعضهم الأنفس أربعة أمارة وهي نفس الكافر • ولوامة وهي نفس العصاة وملهمة وهي نفس المخلصين • ومطمئنة وهي نفس الأنبياء والأولياء والمؤمنين فعلى قول أفلاطون وسهل ومن بينهما تجمع الأنفس في شخص واحد وعلى القول الرابع لا • والحق ما ذكر لولا من إن النفس واحدة وبحسب تكثر صفاتها
14ظ
كثرت اسماؤها • وبحسب تنوع صفاتها نوعوها تنزيلا للتنويع في الصفات • منزلة التنويع في الذات • قال الله تعالى ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه • والدليل على أنها واحدة فقط وإنما تتعدد باعتبار تخالف صفاته أنك تقول هذا نفسه كريمة • وهذا نفسه لئيمة • ونفس هذا مطمئنة • ونفس هذا أمارة • ونفس شريفة • ونفس دنية إلى غير ذلك • أي يوصف نفسه تارة بالشرف وتارة بالدناءة قال الله تعالى ونفس وما سواها • فألهمها فجورها وتقواها • قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها • أي قد ربح وانجح من أرشدها إلى الحق • وزينها بالأوصاف المحمودة • وقد خسر من أضلها بإيقاعها في مخاليب3 الوصاف المذمومة • وقد علم من هذا أن الإنسان هو عبارة عن هذه النفس التي ذكرناها • وإنه من ذكي نفسه فقد أفلح • ومن دنسها فقد خاب • وتزكية النفس معرفتها • وبمعرفتها يعرف الإنسان ربه • وكيفية معرفة النفس في الظاهر • أن يعرف أنها كانت عدما فوجدت • فيعرف موجدها ويعرفها بالمخلوقية • فيعرف ربه بالخالقية • ويعرفها بالمرزوقية • فيعرف ربه بالرازقية • ويعرفها بالعابدية • فيعرف ربه بالمعبودية ويعرفها بالعجز فيعرف ربه بالقدرة • ويعرفها بصفات النقص • فيعرف ربه بصفات الكمال • وهلم جرا في صفات العبد وصفات الرب • ومن جهل قدر نفسه فهو لقدر غيره أجهل • وإذا تحقق الإنسان من صفات نفسه • وصفات ربه ما ذكرنا فقد اطمأنت نفسه • وإذا اطمأنت النفس زكت وبالعكس • وكثيرا ما كان يدعوا صلى الله عليه وسلم اللهم اجعل نفسي مطمئنة تؤمن بلقائك وتقنع بعطائك • وترضى بقضائك • وهذا هو أصل الدين • ولا شك أن مولانا السلطان نور الله بصيرته • وطيب سره وسريرته • من أعلى من عرف نفسه وزكاها • أو هو ملتبس بهذه الأوصاف السعيدة كلها وكل الخلق
15و
تشاهد هذا فلا يحتاج إلى دليل لأنه في الظاهر محسوس • ومن الدليل أيضا على معرفة مولانا السلطان بنفسه الشريفة ما أخبر به عنه الأخص من خواصه وعقد واسطتهم سيدنا ومولانا العبد الفقير إلى الله تعالى • ذخر المنقطعين والغرباء • مربي العلماء • والفضلاء • الخير المحض • والبر البحت • مولانا شمس الملة والدين الكاتب • عظم الله تعالى شأنه قال، قال لي مولانا السلطان خلد الله تعالى أيامه كنت أقرأ القرآن العظيم ليلة من الليالي فبلغت إلى قوله تعالى حكاية عن نوح عليه الصلاة والسلام ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك فقال أي مولانا السلطان فلما انتهيت إلى هذه الآية فتفكرت في معنى هذه الآية الكريمة وتأملت ثم رجعت إلى نفسي وقلت هذا نوح عليه الصلاة والسلام وولده من صلبه على قول لم تنفعه أبوته ولا نبوته وقد نفاه الله تعالى عنه وأبعده عن أن يكون من أهله وبين ذلك بقوله عز وجل أنه عمل غير صالح هذا معنى قوله عز وجل فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتسألون ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام من ابطأ به عمله لم يسرع به نسبه ومعنى قول الشاعر • • لعمرك ما الإنسان إلا بن دينه • فلا تترك التقوى اتكالا على النسب • • فقد رفع الإسلام سلمان فارس • وقد وضع الشرك الدني أبا لهب • انظر كيف وافق فكره الشريف كلام الله عز وجل وكلام رسوله عليه السلام وكلام الشاهد الحكيم • وأنا اخرجني الله تعالى من صلب كافر وقد سبقت فواصل نعمه في أزل الأزال4 أن نقلني من بلاد الشرك إلى ديار الإسلام • وكساني خلع التوحيد • وتوجني بتاج الإيمان • وعصمني من غالب العاصي • ورزقني جانبا من العلم • وحفظ كتابه الكريم • ثم لم يتركني بهذا فقط بل خولني في أنواع النعم التي لا يمكنني حصرها ولا إحصاء
Unknown page