الجمهورية العراقية
وزارة الثقافة والإعلام
دار الرشيد للنشر
١٩٨٠
سلسلة المعاجم والفهارس
(٣٢)
1 / 1
تكملة المعاجم العربية
تأليف
رينهارت دوزي
الجزء الأول
نقله إلى العربية وعلق عليه
د. محمد سليم النعيمي
1 / 3
مقدمة الترجمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه الصادقين الطاهرين.
وبعد فهذا " تكملة المعاجم العربية " للمستشرق رينهارت دوزي، أقدم الجزء الاول منه بعد أن نقلته إلى العربية، وصححت أخطاءه، ووضحت غوامضه، وفصلت مجمله.
مؤلف المعجم:
هو رينهارت بيتر آن دوزي Reinhart Pieter Anne Dozy مستشرق هولندي من أسرة فرنسية الأصل بروتستانية المذهب، كان أسلافه في فرنسا يسمون آل دوزي "" dozy" وقد هاجروا من فرنسا إلى هولندة في منتصف القرن السابع عشر هربًا من الاضطهاد الديني، فادمجت أداة الإضافة الفرنسية " d " في الاسم عند استقرارهم في هولندة فأصبح اسمها دوزي " Dozy" وعرفت اسرته بحب الاستشراق وكانت لها بآل شولتنز، وهي أسرة أخرجت كثيرًا من العلماء، صلة نسب.
ولد رينهارت دوزي في ليدن عام ١٨٢٠ هـ (١٢٣٥ هـ) وقد بدأ يتعلم مباديء العربية في منزله ثم واصل دراستها في جامعة ليدن .. وقد حبب إليه أستاذه فايرس التعمق في دراستها ومعرفة غريبها ليستطيع أن يتفهم معاني الشعر الجاهلي. فانصرفت عنايته إليها واطلع على كثير من كتبها في الأدب والتاريخ، وقد عرف بالذكاء والجد والدأب على العمل في عهد الطلب وبعده. كانت جامعة ليدن قد طلبت إلى المستشرقين تأليف رسالة في ملابس العرب وخصصت جائزة لذلك، فتطوع لها وهو طالب لم يتجاوز الثانية والعشرين وأحرز الجائزة، ودفعه فوزه إلى الكتابة في المجلة الأسيوية فنشر فيها تاريخ بني زيان ملوك تلمسان نقلًا من المصادر العربية مع حواش وتعليقات قيمة.
وتزوج هولندية في عام ١٨٤٥ ورحل معها إلى ألمانيا لقضاء شهر الزواج (شهر العسل)، لكنه قضاه في مكتباتها، حيث عثر على الجزء الثالث من كتاب الذخيرة لابن بسام وقد دون في الفهرس أنه من تأليف المقرى، فاستأذن في حمله إلى ليدن. وتعرف في ألمانيا بهنريخ فلايشر (١٨٠١ - ١٨٨٨) وكان هذا أحد أئمة المستشرقين وأستاذًا في كلية ليبزج للدروس الشرقية، وقد ظل بعد ذلك وثيق الصلة به.
1 / 5
ورحل دوزي عام ١٨٤٥ إلى انجلترا، فنسخ الجزء الثاني من الذخيرة وبعض المخطوطات العربية النفيسة من مكتبة اكسفورد، وتعرف بعدد من المستشرقين فيها، ولما عاد إلى هولندة ولي إدارة مخطوطات مكتبة ليدن الشرقية فوضع فهرسين لها.
ثم عين أستاذًا للعربية في جامعة ليدن عام ١٨٥٠ فاستمر في كرسيه هذا حتى عام ١٨٧٨، فجعل منه أكبر دعاية لها. وعلى أثر ثورة ١٨٧٨ انتدب لتدريس التاريخ العام في الجامحة فأسف عليه المستشرقون. وكان دوزي إلى تضلعه باللغات السامية يحسن اليونانية ويكتب باللاتينية والهولندية والفرنسية والألمانية، ويعرف البرتغالية والاسبانية، ويوقع بالعربية " رنجرت دوزي " وتوفي عام ١٨٨٣ (١٣٠٠ هـ). ولقي دوزي شهرة واسعة عادت عليه بالعديد من الأوسمة الرفيعة وألقاب الشرف تقديرًا لخدماته العلمية، فقد انتخب عضوًا في الأكاديمية العلمية الملكية في امستردام وعضوًا في أكاديمية كوبنهاغن، وعين مراسلًا لأكاديمية العلوم في بطرسبورج، والمعهد الفرنسي في باريس، وأكاديمية التاريخ في مدريد، وعضوًا مشاركًا في الجمعية الاسيوية في باريس. ويراه أعلام المستشرقين أول فاتح للدراسات الأندلسية وتعد مؤلفاته فيها مرجعًا لتاريخ الأندلس وحضارته وثقافة جلتها في أحسن صورة على بعض هنات حققها من جاء بعده.
<رمز>أثاره:رمز>
ا- تاريخ بني زيان ملوك تلمسان. نقلًا من المصادر العربية مع حواش وتعليقات، نشر
في الجريدة الاسيوية سنة ١٨٤٤.
٢ - معجم في أسماء الملابس العربية في ٤٤٦ صفحة، طبع في أمستردام سنة ١٨٤٥.
٣ - شرح قصيدة ابن عبدون تأليف ابن بدرون، مع تحقيق وفهرس بالاسماء وعناوين الكتب المذكورة فيها مرتبة على حووف المعجم، طبع في ليدن عام ١٨٤٦ ومنتخبات منها نشرت عام ١٨٤٧ ثم تحقيق بعض أقسام من متنها، نشر عام ١٨٨٣.
٤ - كلام كتاب العرب في دولة بني عباد، وكان مجهولًا من قبل وقد استعان في إخراجه
بالذخيرة لابن بسام، طبع في ثلاثة أجزاء في ليدن (عام ١٨٤٧ حتى عام ١٨٦٣).
٥ - ملاحظات على بعض المخطوطات العربية في ٢٦٠ صفحة طبع في ليدن عام ١٨٤٧ - ١٨٥٠.
٦ - فهرس المخطوطات الشرقية في مكتبة جامعة ليدن، طبع في ليدن عام ١٨٥١.
٧ - المعجب في تلخيص أخبار المغرب لعبد الواحد المراكشي المولود في مراكش سنة ٥٨١ هـ، وهو تاريخ لدولة الموحدين، فرغ من إملائه سنة ٦٢١ هـ. وبآخره مقدمة باللغة الانجليزية بقلم دوزي تشتمل على ترجمة المؤلف، نشرته اللجنة الانجليزية للمطبوعات الشرقية، طبع في ليدن سنة ١٨٧٤ وأعيد طبعه ثانية في ليدن عام ١٨٨١، وقد نقله فانيان إلى الفرنسية وطبع في الجزائر سنة ١٨٩٣.
1 / 6
٨ - بعض الاسماء العربية، نشرت في الجريدة الاسيوية سنة ١٨٤٧.
٩ - أدب قشتالة وأمير الأمراء، طبع في ليدن سنة ١٨٤٨.
١٠ - البيان المغرب في أخبار المغرب لابن عذارى المراكشي (أبو عبد الله محمد المراكشي، نبغ في أواخر القرن السابع للهجرة) وهو كتاب في أخبار المغرب الأقصى والأوسط، عني دوزي بتحقيقه وصدره بمقدمة بالفرنسية، وله فيه تعليقات وشروح طبع الجزء الأول منه في ليدن سنة ١٨٤٨ والجزء الثاني سنة ١٨٤٩ - ١٨٥١، واختلطت بالجزء الأول قطع من نظم الجمان لابن القطان (المتوفى سنة ٦٢٧ هـ) وبالجزء الثاني قطع من تاريخ عريب (ابن سعد القرطبي) الكاتب، وهو ذيل لتاريخ الطبري ينتهي إلى سنة ٣٦٥ هـ.
واستدرك دوزي على الكتاب المذكور وصحح بعض متنه مسخلصًا من نسخ خطية وجدها بمكتبة الاسكوريال بأسبانيا بتأليف سماه بما معناه " تصحيحات لنصوص البيان المغرب ولقطع من تاريخ عريب القرطبي وقطع من الحلة السيراء لابن الأبار " (٥٩٥ - ٦٥٨ هـ) طبع في ليدن سنة ١٨٨٣.
وقد نقله إلى الفرنسية فانيان واستدرك عليه في جزءين وطبع في الجزائر سنة ١٩٠١ - ١٩٥٤، ثم صححه ليفي بروفنسال وكولين، ونشر ليفي بروفنسال الجزء الثالث منه، طبع في باريس سنة ١٩٣٢ وفي ليدن ١٩٣٤.
١١ - تاريخ المسلمين في اسبانيا إلى فتح المرابطين لها، في أربعة أجزاء تتألف من ١٤١٠ صفحات يتناول الجزء الأول: الحروب الأهلية، والثاني: النصارى والمرتدين، والثالث: الخلفاء، والرابع: ملوك الطوائف، طبع في ليدن سنة ١٨٤٩ - ١٨٦١. وقد ترجمه إلى الاسبانية سانتياجو وطبع في مدريد سنة ١٩٢٠، وأعاد طبعه ليفي بروفنسال في ليدن ١٩٣٢ فأصبح مرجعًا، ونقل عنه الاستاذ كامل الكيلاني مع كتاب ملوك الطوائف.
١٢ - نظرات في تاريخ الإسلام، وبحوث في تاريخ اسبانيا وآدابها في العصر الوسيط في جزءين طبع مرات وكانت الطبعة الثالثة في ليدن ١٨٨١.
١٣ - فهرس المخطوطات الشرقية في المجمع الهولندي بامستردام، طبع في ليدن سنة ١٨٥١.
١٤ - ابن رشد وفلسفته في الرد على رينان، مقالة نشرت في الجريدة الاسيوية سنة ١٨٥٣.
١٥ - نفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب لأبي العباس المقرى (المتوفى سنة ١٠٤١ هـ)، حقق الجزءين الأول والثاني منه وهما نصف الكتاب بمعاونة دوجا وكريل درايت وطبعا في جزءين في ليدن سنة ١٨٦١ - ١٨٦٥. وقد صدر بمقدمة فرنسية ضافية في ترجمة المؤلف وقيمة كتابه. ومع الجزء الثاني فهرس فيه أسماء الرجال والكتب وملحوظات.
1 / 7
١٦ - تعليقات على رحلة ابن بطوطة لناشريها ديفربميري وسانجينتي، نشرت في حوليات جوتنجن عام ١٨٦٠.
١٧ - اسبانيا في عهد كارلوس الثالث سنة ١٨٥٨.
١٨ - مملكة غوناطة نشر في المجلة الشرقية الألمانية سنة ١٨٦٢.
١٩ - تاريخ الإسلام من فجره حتى عام ١٨٦٣، كتبه بالهولندية، وطبع في ليدن سنة ١٨٦٣، وقد نقله إلى الفرنسية شونين، وطبع في ليدن سنة ١٨٧٩.
٢٠ - ونشر بمعاونة دى غويه: الجزء الخاص بأفريقية والأندلس وأرض السودان من " نزهة المشتاق "، للشريف الإدريسي وسميا الكتاب صفة المغرب والسودان، ومعه مقدمة بالفرنسية، وفهرس الاسماء وشرح الكلمات الاصطلاحية الموجودة فيه، واعتمدا في تحقيقه على مخطوطة المكتبة الأهلية في باريس، طبع في ليدن سنة ١٨٦٦.
٢١ - تاريخ العرب السياسي والأدبي، منتخبات من جملة تواريخ ولا سيما من الحلة السيراء لابن الأبار، شارك معه فيه مرقص يوسف موللر وطبع في مونيخ سنة ١٨٦٦ - ١٨٧٦.
٢٢ - أتم معجم الألفاظ الاسبانية والبرتغالية من أصل عربي لانجلمان، طبع في ليدن سنة ١٨٦٩.
٢٣ - وكتب بحثًا عن عريب بن سعد الكاتب القرطبي، وربيع بن سعيد الأسقف، نشر في المجلة الشرقية الألمانية سنة ١٨٦٦.
٢٤ - دراسة لمقدمة ابن خلدون، التي نشرها دس سلان المتوفى سنة ١٨٧٩ وكان قد أتم بها ترجمة مقدمة ابن خلدون التي شرع بها كاترمير، في ثمانين صفحة نشرها في الجريدة الاسيوية.
٢٥ - رسالة إلى فليشر في الطبعة العربية لنفح الطيب نشرت في ليدن سنة ١٨٧١.
٢٦ - تقويم سنة ٩٦١ لقرطبة المنسوب إلى عريب بن سعد القرطبي وربيع بن زيد الأسقف، نشره مع ترجمة له باللغة اللاتينية وطبع في ليدن عام ١٨٧٣.
٢٧ - وأخيرًا معجمه في تكملة المعاجم العربية بالفرنسية في جزءين، طبع في ليدن سنة ١٨٧٧ - ١٧٨١، ثم في باريس سنة ١٩٢٧، ثم أعادت طبعه مكتبة لبنان مصورًا بالأوفيست في بيروت سنة ١٩٦٨.
٢٨ - ولعل له بحوثًا ومقالات أخرى تتناول الأمراء والمؤرخين والأدباء، وأصل الكلمات العربية والألفاظ الدخيلة عليها لم نوفق في العثور عليها في الصحف المختلفة لنشير إليها.
<رمز>المعجم:رمز>
يقول دوزي في مقدمته أن هذا المعجم كان حلم شبابه، وأنه خلاصة عمل أربعين سنة جمع
1 / 8
فيها مواده، وأن تنسيقه وتحريره اقتضاه ثماني سنوات من عمره قضاها في عمل دائب. وكان من همه أن يجمع فيه ما لم يرد في المعاجم العربية القديمة التي وقفت باللغة في حدود من الزمان والمكان معينة، فيثبت فيه الألفاظ الطارئة التي دعت إليها ضرورات التطور وفرضها تقدم الحضارة ورقي العلم، واستعملها مؤلفو العصور الوسيطة ومن جاء بعدهم من مؤرخين وقصاص وجغرافيين ونباتيين وأطباء وفلكيين وغيرهم مما أهملته المعاجم القديمة. وهو يرى أن مواد هذا المعجم لابد أن يبحث عنها في هذه المؤلفات وتستخرج منها، غير أنه وأن استمد الكثير من مواد معجمه من مجموعات الألفاظ التي ألحقها المستعربون فيما نشروه من كتب عربية مختلفة أو ترجموه إلى لغاتهم منها، كما استمدها من المعاجم العربية التي ألفها المستعربون، من عربية - لاتينية أو أسبانية أو إيطالية أو انجليزية أو فرنسية وما جاء من ألفاظ في كتب الرحالة الغربيين باللاتينية والفرنسية والانجليزية والألمانية. غير أنه لم يستوف ذكر كل الألفاظ التي فيها، وقد أهمل متعمدًا ألفاظ المتصوفة. ومصطلحات العلوم العربية والدينية، كما أهمل ذكر مصطلحات علوم الأوائل.
إن دوزي لم يرجع إلى المعاجم العربية القديمة ليتأكد من أن ألفاظ معجمه ليست موجودة فيها، وكان من أثر هذا أنه أثبت في معجمه كثيرًا من الألفاظ التي وردت في الكتب العربية المنشورة، وهي مذكورة في هذه المعاجم، وقد فسرها بمثل ما فسرت فيها معتمدًا في الكثير من ذلك على ما ذكره أدور لين من تفسير لها بالانجليزية في معجمه " مد القاموس ".
وقد ذكر في معجمه كثيرًا من الألفاظ العامية التي وجدها في المصادر التي اعتمد عليها من غير أن يشير إلى أنها من كلام العامة، بل إنه يحذف هذه الإشارة إذا وجدها مثبتة المصدر الذي ينقل عنه، ولذلك نرى أن فصيح اللغة يختلط بعاميتها من غير أن ينبه إلى عامية البلد الذي تستعمل فيه.
ولم يجر دوزي على نسق واحد في شرح معاني الألفاظ وتفسيرها، فبينا نراه حينًا يفصل كل التفصيل في تفسير بعض الألفاظ ويأتي بالنصوص المختلفة لذلك نراه حينًا آخر يوجز كل الإيجاز فيكون تفسيره لها مجملًا لا غناء فيه، وكثيرًا ما يكتفي بذكر ما يقابلها بالفرنسية وأحيانًا قليلة ما يقابلها باليونانية أو اللاتينية أو العبرية فقط، بل قد يكتفي بأن يفسر بعض الألفاظ بقوله: صنف من الطير، أو صنف من السمك، أو حيوان، أو نبات لا يزيد على ذلك شيئًا.
لقد وضع دوزي معجمه على نسق المعاجم الغربية فنسق ألفاظه على نسق حروف الهجاء العربية المألوف عندنا ورتبها حسب ترتيب الحروف فيها، لكنه خرج على هذا الترتيب حين تكون الألفاظ مضعفة العين واللام، فقد ذكر مثلًا: أفّ قبل افام .. الخ، وأم قبل أما وأماج .. الخ، وأنَّ قبل أنا وأنا غاليس .. الخ، وبحَّ قبل بحث .. الخ، وبخَّ قبل بخت .. الخ، وبدَّ قبل بدأ إلى آخره، وبرّ قبل برأ .. الخ، كما أنه رتب الأفعال على نسق ترتيبها في كتب القواعد التي وضعها الفرنجة للغة العربية، فهي مرتبة فيه كما يلي: ١ - فَعَل، ٢ - فعّل،
1 / 9
٣ - فاعل، ٤ - أفعل، ٥ - تفعل، ٦ - تفاعل، ٧ - انفعل، ٨ - افتعل، ٩ - افعلَّ، ١٠ - أستفعل هذا عن الفعل الثلاثي ومزيده. أما الفعل الرباعي المجرد ومزيده فقد ذكر: ١ - فعلل، ٢ - تفعلل. وقد اكفى في كل ذلك بذكر الأرقام الدالة عليها، ولم يذكر غير ذلك من الأفعال المزيدة. كما أنه لم يشر إلى أبواب الفعل الثلاثي المجرد وكثيرًا ما يختلط عليه الأمر في ذلك.
إن دوزي قد أنحى، في مقدمته، باللائمة على فريتاج (المتوفى ١٨٦١) لكثرة الأخطاء في معجمه العربي اللاتيني غير أن أخطاء دوزي في معجمه ليست بقليلة، وقد تسرب إليه الخطأ من المصادر التي نقل منها، وأن من هذه الأخطاء ما يؤاخذ عليه علامة مثله، فقد ذكر مثلًا لفظة " اطراسنا " بعد لفظة " أطمة " وقد وجدها في معجم المنصوري، ولو أنه فهم الشرح الذي ذكره المنصوري لعلم أنها تصحيف أطرا سنًا أو أطرى سنًا، وأنها مؤلفة من كلمتين: أطرا أو أطرى أفعل التفضيل من طرو أي صار غضًا أو طري أي كان غضًا لينًا، ومن " سنًا " ومعناه العمر تمييزًا لأطرا.
وذكر " أرنبة " نقلًا عن معجم بوشر وقد فسرت به بالفرنسية بما معناه " أربية " بالعربية، ولا ريب في أن " أرنبة " هذه تصحيف أريبة. ثم ذكر بعد ذلك " أرنمة = أرنبة " وفسرها بما معناه أربية أيضًا نقلًا عن معجم بوشر أيضًا وهذه مثل تلك تصحيف أربية أيضًا.
وذكر " بياب " في مادة باب وفسرها بما معناه صحراء نقلًا من كرتاس، وهي تصحيف يباب ومن حقها أن تذكر في حرف الياء لا في حرف الباء الموحدة لو أن دوزي تنبه إلى هذا التصحيف.
وهناك من الخطأ ما يعذر عليه دوزي، إذ لا يدركه إلا من كان ذا قدم راسخة في اللغة ولم يكن دوزي ليبعد منهم وإنما غلب عليه التاريخ، تاريخ الأندلس والغرب، وكان حجة فيهما. من ذلك مثلًا ذكره " بهماء " في مادة بهم نقلًا من نص جاء في كتاب الغرب في ذكر بلاد إفريقية والغرب لإبي عبيد البكري المتوفى سنة ٤٨٧ هـ الذي طبعه البارون دي سلان في الجزائر سنة ١٨٥٧ وهو " في بهماء تلك الصحارى "وترجمه دي سلان بما معناه " في ناحية مجهولة من هذه الصحراء ولم ترد " بهماء " في اللغة بهذا المعنى، وإنما هي تصحيف " يهماء "، ففي لسان العرب: " اليهماء مفازة لا ماء فيها ولا يسمع فيها صوت، وقال عمارة: الفلاة التي لا ماء فيها ولا علم، ولا يهتدى لطرقها ". وفي القاموس المحيط: " اليهماء الفلاة لا يهتدى فيها ". ثم إن ترجمة دى سلان العبارة إلى الفرنسية خطأ أيضًا. وذكر في نفس المادة لفظة " أبهم " نقلًا من معجم بوشر وقد فسر بما معناه الأبله أو البليد الشديد البلادة " وهو تصحيف " أيهم " ففي لسان العرب: والأيهم من لا عقل له ولا فهم، وكذلك في القاموس المحيط.
وكثيرًا ما يعترف دوزي بأنه لم يفهم معنى بعض النصوص التي ينقلها أو يقول إنه لم يتبين له وجه الصواب فيها، وهذه سمة العالم المتواضع. يدرك المرء أن معجمًا ضخمًا مثل معجم دوزي
1 / 10
يبلغ عدد صفحاته ١٧٢٨ صفحة في مجلدين ضخمين من الحجم الكبير لابد أن يتسرب إليه الخطأ وليس ذلك بضائره فالعصمة لله وحده، ولم تخل المعاجم من قبله ومن بعده من أخطاء. وقد اعترف دوزي بأن معجمه هذا لا يخلو من نقص وعيب.
لقد جعل دوزي من معجمه مرجعًا سهل المأخذ، يسير التنسيق، فمهد بذلك طريقًا جديدًا لتصنيف المعاجم العربية على حد قوله، وقد حمل صدوره في سنة ١٨٧١ المستعرب الانجليزي ستانلي لين بول على الإحجام عن إصدار الكتاب الثاني من " مد القاموس " أو " مد اللغة " لقريبه المستعرب الانجليزي أدور وليم لين (١٨٧٦) الذي كان يحوي مثل ما يحويه معجم دوزي من ألفاظ.
لقد أطلق دوزي على معجمه الاسم الفرنسي Suppliment aux Dictionnaires Arabes وقد ترجم هذا الاسم إلى العربية ترجمات مختلفة وجدنا منها: الملحق بالمعاجم العربية، وملحق بالعاجم العربية، وملحق المعاجم العربية، وذيل المعاجم العربية، وملحق وتكملة القواميس العربية، وتكملة المعاجم العربية. وقد رأينا أن نطلق على ترجمتتا لمعجم دوزي هذا الاسم الأخير "ْ تكملة المعاجم العربية " لا لأنه أفضل ترجمات الاسم الفرنسي بل لأنه أشهرها وأسيرها ولذلك أطلقته مكتبة لبنان اسمًا لطبعة الأوفسيت التي نشرتها سنة ١٩٦٩.
وبعد فقد مضى على صدور معجم دوزي نيف ومائة عام تطورت فيها الحضارة وتقدمت أسباب الحياة ونشأت فيها علوم وفنون فجدت لكل ذلك ألفاظ ومصطلحات لتفي بمطالبها وتعبر عنها، فأصبحت الحاجة ماسة إلى معجم جديد يسير المأخذ سهل التناول يجمع الألفاظ الطارئة التي لم ترد في المعاجم القديمة. وقد حاول الكثيرون أن ينهضوا بهذا العبء غير أنهم ما كادوا يبدأون به حتى ناؤوا وانقطعت بهم الطريق.
وقد عزمت أن أدلو بدلوي في الدلاء، فألفت معجمًا في ذلك هو حصاد عمل العمر كله، سميته " المزيد على المعاجم العربية " ودفعت مبيضة الجزء الأول منه إلى المجمع العلمي العراقي الذي قرر طبعه، عسى أن ينتفع به الناس.
نحمد الله ﷿ على أن وفقنا لهذا، وهيأ لنا من أمرنا رشدا، إنه نعم المولى ونعم النصير.
الأعظمية ١ محرم الحرام ١٣٩٧
٢٢ كانون الأول ١٩٧٦
محمد سليم النعيمي
1 / 11
المقدمة:
إن اللغة العربية الفصحى، لغة الشعر القديم ولغة القرآن والحديث، لم تعش إلا نحوا من مائتي سنة. ففي نهاية القرن الأول الهجري، وقبل أن يكون للعرب أدب جديد، أصاب اللغة كثير من التغيير أخذ يزداد شيئا فشيئا. وقد كان هذا نتيجة الفتوحات السريعة، فتوحات تشبه المعجزات فتحها المسلمون أتباع الرسول. فلم تبق العربية لغة العرب وحدهم، وإنما أصبحت لغة البلدان المفتوحة، وقد كان لمخالطة الشعوب المغلوبة التي بدأت تتكلم اللغة العربية وتلحن في كلامها، أثر في العرب أنفسهم. فقد أهملوا إعراب الكلام، واستعملوا الكلمات بمعان محرفة عن معانيها، واستعاروا من الشعوب المغلوبة، من أهل الشام، ومن الفرس، ومن الأقباط، والبربر، والأسبان والأتراك كثيرا من الألفاظ والعبارات. إن هذا الاختلاط لم يكن السبب الوحيد، بل لم يكن السبب الرئيس لتغير اللغة وإنما يجب أن نفتش عنه في الحالة الجديدة التي صار إليها الفاتحون أنفسهم. لقد كانوا قبل الفتح بدوا أو من سكان القرى الصغيرة يحيون حياة بسيطة، فوجدوا أنفسهم بعد الفتح قد انتقلوا إلى عالم كل شيء فيه جديد عليهم، وجدوا أنفسهم في أحضان مدن كبيرة تسود فيها حياة الترف والبذخ، وتزخر بالحضارات القديمة، حضارة الروم والفرس، ولم يمض عليهم غير قليل، ونقول هذا إنصافا لهم، حتى أخذوا يتعلمون من رعاياهم الجدد، فبدءوا يدرسون بحماسة وشوق الفنون والعلوم التي كانت غريبة عنهم، فحدث تغيير كامل في أفكارهم وفي عاداتهم، وكان لابد أن تتأثر لغتهم بهذا الانتقال الفجائي من حياة بدوية نصف بربرية إلى حضارة ناعمة يسود فيها الترف. لقد افتقرت لغتهم من ناحية واغتنت من ناحية أخرى، فقد أهمل فيها هذا الفيض الزائد من الكلمات التي تزدحم بها العربية الفصحى، ولعل هذا المهمل منها كان ثلث اللغة، وهي كلمات تعبر عن الأفكار البدوية إذا صح هذا القول، مع العلم أن الكثير منها لم يكن شائع الاستعمال في أي زمان. وقد وضعوا مقابل ذلك، تساعدهم عبقرية لغتهم، ألفاظا جديدة للتعبير عن الأشياء والأفكار التي كانوا يجهلونها من قبل، أو غيروا في معاني الكلمات القديمة. وقد حصل هذا التغيير في البلدان التي كان يسود فيها العرب ولكن على درجات مختلفة. ثم تجزأت الإمبراطورية العربية، وقد ساعد هذا التجزؤ من غير شك على الإسراع في نشوء اللهجات المحلية حتى أصبح لكل إقليم لغته الخاصة.
ولم يحصل هذا التغيير دون أن يلاقي مقاومة عنيفة من الحريصين على صفاء اللغة وصحتها، وأعني بهم النحاة، واللغويين، والمتكلمين، والفقهاء، الذين لم يقبلوا أن يدرسوا لغة أخرى غير اللغة الفصحى، أنهم وقد أنكروا طبيعة الأشياء ولم يفهموا ولم يريدوا أن
1 / 13
يفهموا أن كل شيء في هذا العالم عرضة للتغير، وأن اللغات تتغير بمثل ما تتغير الأفكار، وإنها تخضع لسلطان المجتمع الذي يتكلمها، وأثر الكتاب الذين يصطنعونها، أقول انهم أرادوا أن تبقى العربية كما هي فلا تتغير وأن تخلد لغة كتاب الله، ولم يكن لديهم غير الإزراء بالألفاظ الجديدة التي وضعها معاصروهم والاستهانة بها. ولكي يحولوا دون فساد اللغة، وتدنيس قدسيتها، فقد كانت اللغة عندهم شيئا مقدسا، فقد أكثروا من وضع القواعد وتأليف المعاجم، وكتابة الرسائل اللاذعة، جرحوا فيها الأغلاط الشائعة، وجعلوا من الأخطاء التي يرتكبها الخاصة بل العامة سخرية الساخر، وأضحوكة الناس، وأرشدوا إلى ما يقال وما لا يقال.
ويجب أن نعترف أن جهودهم لم تذهب سدى، فإنهم وإن لم يستطيعوا أن يمنعوا تغير اللغة، فقد استطاعوا إلى حد ما أن يؤخروا ذلك ويحصروه في حدود ضيقة، فلم تنشأ عند العرب بفضلهم، وبفضل دراسة القرآن، التي كانت أساس الثقافة الإسلامية، لغات أخرى، كما نشأت اللغات الرومانية من اللغة اللاتينية، ولا تزال لغة الكتابة حتى أيامنا هذه قريبة من اللغة القديمة من حيث التزامها بقواعد اللغة على الأقل، على الرغم مما أصاب لغة الكلام من تغيير كبير. غير أنهم مع ذلك لم يستطيعوا أن يوقفوا السير الطبيعي للأشياء. فإن كثيرا من الكتاب كانوا يصطنعون دون تردد لغة العامة ويعلنون ذلك للناس. فالمقدسي، وهو رحالة من أهل القرن العاشر الميلادي، يقول إنه يكتب عادة بلغة أهل الشام لغة إقليمه، وإنه لكي يحافظ على اللون المحلي، يستخدم في وصفه لكل إقليم، وفي وصفه لوطنه، ما يمكن فهمه ولاسيما في اختيار الكلمات. وإن تعجب فعجب أن الملتزمين بنقاء اللغة وصفائها يصطنعون من غير أن يشعروا الألفاظ الجديدة المولدة، وهم غالبا ما يفسرون في معاجمهم الألفاظ الفصحى بألفاظ مولدة، وإن بعض مشهوري النحاة في الأندلس كانوا يعلمون اللغة الفصحى القديمة بعامية البلد، فما أصدق ما يقال من أن العملي لا يستجيب دائما للنظري.
ومع ذلك فقد كان الملتزمون بنقاء اللغة وصفائها يتمسكون باللغة الفصحى ما تيسر لهم ذلك، فقد قيدوا كلماتها دون غيرها وشرحوها في معاجمهم الكثيرة، وهي في غالبها معاجم كبيرة بمجلدات ضخمة، ومعاجمهم هذه هي أصول المعاجم التي ظهرت في أوربا، فهذه الأخيرة لم تصنف بعد بحث في الكتب المصنفة وفحصها وجرد ما فيها من كلمات، بل إن مصنفيها حذو في تصنيفها حذو مصنفي المعاجم المشارقة ونهجهم في التصنيف حذو النعل بالنعل، وهذا النهج هو الذي غلب على معجم جوليوس، وهو مصنف رائع بالقياس إلى العصر الذي صنف فيه، كما غلب هذا النهج على معجم فريتاج الذي حل محله، وهو وان لم يستوف ما كان ينتظر من معجم صنف بعد مرور قرنين على معجم جوليوس، فقد أسدى أيادي كثيرة، بعد أن بلغ سعر معجم جوليوس ثمنا باهظا. وأخيرًا غلب هذا النهج على معجم لين، وهو معجم يتمثل فيه الصبر والجلد على العمل، وسعة العلم، والتدقيق والنقد السديد، وقد بلغ من الإتقان أقصى ما يمكن
1 / 14
تصوره لمعجم عربي يحذو في تصنيفه حذو معاجم المشارقة تماما، ولا يكاد يجاوزها إلا قليلا، بحيث يمكن أن يقال إنه لن يكون معجم أفضل منه صنف على هذا النهج.
ولما كانت اللغة الفصحى أصل اللغات المحلية التي حلت محلها فقد كان لابد من هذه المعاجم للذين يدرسون مصنفات المؤلفين العرب في القرون الوسطى، وهي مصنفات تهمنا كثيرا مثل مصنفات المؤرخين، والجغرافيين، والقصاص، والنباتيين، والأطباء، والفلكيين وغيرهم، غير ان هذه المعاجم لم تكن تكفي الدارسين، فقد كان ينقصها كثير من الألفاظ والمعاني، فقد أقصى لين من معجمه كل الألفاظ والعبارات غير الفصيحة إلا فيما ندر، كما يعترف هو بذلك. وفريتاج يذكر منها أكثر مما ذكر لين، غير إنه لم يبحث عنها بحثا منسقا في أي كتاب حتى في الكتب التي قام بنشرها، فهو لم يوفق إلى جمع هذا الصنف من الألفاظ والعبارات فبرهن على فقده روح البحث والنقد. فهو مثلا لم يقرأ كتاب ألف ليلة وليلة، كما يشهد على ذلك معجمه، ولكنه التقط من هنا وهناك كيف ما اتفق له مجموعات من الألفاظ العويصة التي أضافها «هابيشت» إلى الأجزاء المختلفة من طبعته لهذه القصص، وقد برهن فليشر بصورة تدل على الذكاء وبعد النظر كما تدل على سعة العلم، على إن هذه المجموعات تضطرب فيها الأغلاط وتكثر فيها الأوهام، غير أن فريتاج لم ينتبه إليها ولم يتشكك فيها، بل نستطيع أن نقول إنه كثيرا ما كان يحاول أن ينقل منها أغرب المزاعم وأكثرها سخفا وأبعدها عن الصواب، تاركا منها ما قد يكون أقرب إلى الصواب.
ولابد إذًا من أن يصنف معجم يجمع الألفاظ والعبارات التي لم يستعملها العرب في لغتهم الفصحى قديمًا. غير أن الأدب العربي واللغة العربية من السعة والثراء بحيث لابد أن تنقضي سنون كثيرة، بل ربما قرون قبل أن يشرع في تصنيف مثل هذا المعجم. يقول لين، وهو الخبير بلا منازع،: «إن معجما للعربية غير الفصحى لا يمكن أن ينهض بجمعه وتصنيفه إلا عدد كبير من العلماء المنتشرين في مختلف مدن أوربا التي فيها مكتبات تزخر بالمخطوطات العربية، ومثلهم من العلماء في مختلف أقطار آسيا وأفريقية، يستمدون بعض مادتهم من الكتب، ويستفيدون بعضها من المعارف التي يستطيع العرب وحدهم معرفتها، ولابد لهم من جماعة كبيرة من المساعدين المتخصصين في العلوم الإسلامية». إن الفكرة في ذاتها جميلة جليلة. غير أنها فكرة سهل تصورها صعب تحقيقها، إذ كيف يتسنى أن يشارك في أمر عسير عمله، طويل أمده عدد من العلماء في ثلاث قارات من قارات الارض، والمستشرقون منهم في أوربا، وهم مبعثرون في مدنها، كل واحد منهم منصرف إلى مشاغله الخاصة، والمشارقة منهم لم يألفوا أساليبنا العلمية؟ ثم من يرغب في أن ينهض بأعباء عمل لا يرغب فيه أحد فيقوم بتأليف وتحرير مثل هذا المصنف، لأن تأليفه وتحريره لابد أن يعهد به إلى رجل واحد؟ وهل يستطيع مؤلفه أن يطمئن إلى كفاءة مساعديه وسداد عملهم؟ وهل يوفق إلى تحقيق الانسجام بين هذا العدد الكبير من
1 / 15
الأشخاص الذين ربما كان لكل واحد منهم فهم خاص ورأي مختلف؟ ألا يكون مثل هذا المصنف العالي، في نهاية المطاف، مجموعة مختلطة مشوشة، وكومة من المواد مشوهة، بدل أن يكون معجما لغويا حسن الترتيب جيد التنسيق؟ إنني أخشى هذا، وأرى على كل حال أن الزمن لم يحن بعد للشروع في مثل هذا العمل.
ومع ذلك فإن كثيرا من التعليقات والشروح والحواشي قد تهيأت منذ أكثر من قرن من غير أن تؤلف وتنشر، فقد كان لابد لكل مستشرق مستغرب أن يكمل معجمه بتعليقاته وحواشيه التي يتوصل إليها لاستعماله الشخصي، وفي مكتبتنا كثير من المعاجم فيها مثل هذه التعليقات والحواشي وفي طليعتها معجم جوليوس لمالكه جان جاك شلتنز وهو ابن اليوت شلتنز، الذي درس علم اللاهوت واللغات الشرقية في جامعتنا من سنة ١٨٤٩ حتى سنة ١٧٧٨ سنة وفاته. وقد منعته مشاغله الكثر من القيام بأعباء وظائفه الثلاث ولاسيما النزاعات المذهبية المؤسفة التي سادت عصره فشارك فيها مشاركة ذات أثر، من أن ينشر شيئا من البحوث في الدراسات الأدبية، غير إنه على رغم هذا كان أعلم أهل زمانه في هذا الفرع من الدراسات، ولا يمكن أن يقارن به إلا رايسك وحده. وقد قرأ من الكتب العربية، وقلمه بيده يعلق ويشرح، أكثر مما قرأ أبوه واضع أسس الدراسات الشرقية، وأكثر مما قرأ ابنه هنري - اليوت الذي خلفه في كرسي الأستاذية فشغله بجدارة وامتياز. ومما يؤسف له أن التعليقات والشروح الكثيرة التي كان يكتبها يوما بعد يوم على هامش معجم جوليوس هي من التشويش والفوضى بحيث يصعب أن تجد طريقك فيها، ولا ريب إنها لم تكن كذلك لشولتنز الذي كتبها دائما وإنما هي كذلك لنا، ومما يدعو إلى الأسى أن شولتنز لم يرتبها ولم ينشرها، ولو إنه فعل لساعدت في أيامه على تقدم فقه اللغة العربية ومعرفة مفرداتها، فقد يجد المرء فيها أحيانا شرحا وتفسيرا لكثير من معضلات اللغة التي توقف أمامها بعد ذلك كبار المستشرقين حائرين مثل سلفستر دي ساسي.
وهناك مجموعة أخرى من الحواشي والتعليقات أكبر من الأولى، وهي التي جمعها العالم الجليل كاترمير، ليستفيد منها في وضع معجم في اللغات الشرقية الثلاثة العربية - الفارسية - التركية الذي أراد نشره في أثناء سنة ١٨٣٨ ولكنه لم ينشر حتى الآن، وقصاصات هذا المعجم موجودة الآن في مكتبة ميونيخ، وكل الذين قرءوا كتب هذا العالم واثقون سلفا من أن ما في
1 / 16
هذه القصاصات من الشروح والتعليقات لا مثيل له في الثراء والعمق، فان أحدا غيره لم يقرأ من كتب المصنفين المشارقة لجمع المفردات اللغوية ما قرأه هو، وهي تحتوي على كثير من الألفاظ الكهنوتية من أصول إغريقية وقبطية، وهي وإن كانت أسهل تناولا من تعليقات وحواشي شولتنز، لأن كل قصاصة لا تحتوي إلا على شاهد واحد، فإنها مع الأسف لم تصنف ولم ترتب، وغالبا ما تكون الألفاظ قد قيدت غير إنها لم تشرح ولم تفسر. وكثير منها لابد من مقارنة نصوصها بنصوص المخطوطات التي نقلت منها، وهي مخطوطات في المكتبة الوطنية بباريس، وهذا يعني أن تنسيق هذه التعليقات والحواشي، إذا أراد أن يقوم به أحد، لا يمكن القيام به إلا في باريس.
أليس مما يؤسف له أن تعليقات مثل هؤلاء العلماء وغيرهم ممن لم نذكرهم وحواشيهم، وهي ثمرة جهود طويلة وقراءات كثيرة قد ذهبت من العلم ضياعا، وهذا مصير كل الحواشي والتعليقات التي لا يقوم كاتبوها بترتيبها وتحريرها بأنفسهم، فإن غيرهم لا يستطيع أن يعمل ذلك، وإن استطاعه فقد لا يحسن عمله. إذ أن ترتيب تحرير تعليقات وحواشي الآخرين عمل لا يستريح إليه أحد وغالبا ما يكون مستحيلا.
وقد دفعتني هذه الاعتبارات بل جرأتني فرأيت أنني قد أخرج مصنفا مفيدا إذا ما رتبت تعليقاتي اللغوية ونسقتها ونشرتها، وهي تعليقات جمعتها أثناء قراءاتي طوال أكثر من ثلاثين سنة، وعلى الرغم من ثقتي بأنني لن أوفق في تصنيف معجم يتسم بالكمال، فقد قمت بتصنيف هذا المعجم، وإنني في كثير من المواضيع التي وجدت أن من الأفضل التوسع فيها، قد تركت ذلك حين رأيت أن فريتاج أو أن لين قد أحسنا شرحها، إلا فيما ندر، محاولا أن أكمل ما جاء فيهما مستمدا من مصادر عديدة قد أشرت إليها.
وأذكر قبل كل شيء ثلاثة معاجم ألفت في أسبانيا في القرون الوسطى: أقدمها المعجم اللاتيني - العربي الذي تتضمنه مخطوطة ليدن رقم ٢٣١، وقد رمزت إليه بحرف ل. وقد تملكه سكاليجر الذي تسلمه من غليوم بوستل، وقد أفاد منه كتابه:
1 / 17
Thesaurus Linguoe Arabicoe (وهو مؤلف لم ينشر غير أن في مكتبتنا نسخته الأصلية، مخطوطة رقم ٢١٢). كما أفاد منه معاصره وصديقه رافلنجوس في تأليف معجمه Lexicon Arabicum (ليدن ١٦١٣). ويرى هذا الأخير (انظر مقدمته) إنه قد ألف قبل نهاية سني المائة الثامنة بقليل، فيكون على هذا قد ألف في أواخر القرن الثامن الميلادي، وهذا زعم لا فائدة من دحضه وتفنيده، غير أن سكاليجر أقل مبالغة منه فهو يقول إنه ألف قبل أواخر القرن العاشر بقليل. غير أن المخطوطة لابد أن تكون أحدث تاريخا من أواخر القرن العاشر، لأن قسما منها مكتوب على رق، وقسما منها مكتوب على ورق من القطن، وأغلب ورقها من النوع الآخر، ونحن نعلم إنه لا توجد قبل القرن الحادي عشر الميلادي كتب مكتوبة على ورق من القطن. وأرى أن المخطوطة من مخطوطات القرن الثاني عشر الميلادي، وهذا ما يراه أيضا عالمان خبيران من علماء قراءة الخطوط القديمة هما «رايت» من كمبرج، و«كاراباسك» من فينة.
وهي ليست بالنسخة الأصلية، بل نسخة منقولة ليست بالجيدة، والنسخة الأصلية ليس أقدم منها بكثير إذا حكمنا عليها بما فيها من عربية، لقد صنفت في أسبانيا ويدل على ذلك ويؤكده ما فيها من ألفاظ كثيرة مأخوذة من أصول لاتينية وعربية، وكما يدل عليه عدد قليل من الكلمات الأسبانية جاءت في آخرها تذكر ألوان الخيل المختلفة، واسم مؤلف هذا المعجم مجهول، وهناك ما يحمل على الظن إنه يهودي لأنا نجد في آخر الكتاب أسماء عربية وعبرية للأحجار الكريمة، مكتوبة بالعربية، كما نجد أسماء لاتينية وعربية للكواكب والبروج مع ترجمتها العبرية مكتوبة بخط عبري، غير أن حبر هذه الأخيرة حبر مختلف وربما كتبها غير الناسخ الأول، غير أن هناك ما يناقض هذا ويدل على إنه كان نصرانيا، وذلك إنه يقول في مادة " grece quem nos" subdiaconum dicimus: ippodiaconus فيمكن لذلك أن نول مع سيمونيه إنه كان من نصارى الأندلس أو إنه كان يهوديا قد تنصر.
والألفاظ اللاتينية في هذا المعجم خليط عجيب من الكلمات القديمة التي لا يوجد إلا عند فارون Varron وغيره من قدماء اللغويين (وأشك أن المؤلف قد فهمها كلها) وألفاظ من عصور اللاتينية الأولى، وهو لا يذكر في كثير من الأحيان مقابلها العربي، ويكثر فيه الخلط والغلط، فكلمة مثلا وهي vervex وقد ترجمها بكلمة كيس، والصواب كبش، وفي مادة sterto تجد: أخور، وأعطس. والكلمة العربية الأولى يمكن أن تعني sterto أي يشخر، وينخر. غير أن الكلمة الثانية أي أعطس فتعني sternuo أو sternuto. وفي مادة sciasis تجد: خرقة النسا، وهو خطأ صوابه: عرق النسا. وتجد أيضا أن الألفاظ اللاتينية لا علاقة لها
1 / 18
بالمعنى العربي الذي يذكره، فمثلا: plagiarius (vel plagiator، abilelator، seductor) يقابلها فيه: خلاق ثم جارح، وصواب معناها: غاد، مضلل، ولابد أن نشير إلى أن «ثم» في هذا المعجم تدل دائمًا على أن الكلمة اللاتينية تدل أيضًا على معنى غير المعنى الذي قبلها، في حين أن معنى الكلمة العربية جارح (هو الذي يجرح) ليس هذه الكلمة اللاتينية التي ذكرها بل كلمة أخرى مشتقة من: plaga (وقد تقدمت كلمة plaga) هذه وترجمتها: جرحة ثم ناحية (أي جرح ثم: ناحية، منطقة)، ولم أستطع أن أدرك علاقة الكلمة العربية الأولى بكلمة plagiarius ونجد أحيانا أن الكلمات في قد حرفت تحريفا فلا ندري ما هي، مثل: fervidus: نَرِيق، و fetosa متباعة، حاملة.
وكتابة المصنف للألفاظ اللاتينية كتابة عجيبة، فهو يخلط دوما بين حرف: b و v وهذا يتفق على الأقل مع عادة الأسبان في لفظهم، كما يخلط بين: é و i، وبين o و u (فيكتب in quu بدل in quo) إلى غير ذلك، وهو يكره أشد الكراهة الحرف h فيحذفه أو يثبته كما يشاء له الهوى. أما حالات الإعراب والإفراد والتثنية والجمع، فانه يذكر الكلمات في هذه الحالات تارة مرفوعة، وأخري منصوبة، وثالثة مجرورة، وتارة مفردة وتارة بصيغة التثنية أو الجمع. ويحذف الحرف والحرف m من الكلمتين um، us دون رمز للاختصار. وفي الكلمات العربية يذكر في أكثر الأحيان علامات الإعراب في أواخرها، غير إنه يخلط بين الحروف المتقاربة المخارج مثال الذال والظاء فيقول: (كثرة الانعاذ: Satiriasis) وبين الزاء والثاء فيقول: (عامر الأرض وحارز: Colonus)، وبين السين والصاد فيقول: (سَرَّارة: (Cicala) Cicada) .
وربما كانت أغلاط هذا المعجم أو بعضها من أغلاط الناسخ، وقد ترشدنا نسخة أخرى منه إلى ذلك. ومن المهم أن نجد نسخة أخرى منه، ويزيد في أهمية العثور عليها أن من العسير قراءة هذه النسخة، يقول العالم الجليل سكاليجر وهو الخبير بقراءة المخطوطات اللاتينية: «إن من الصعب قراءة كتابتها» وأن الرطوبة قد أتلفتها حتى أصبحت بعض كلماتها غير مقروءة، بل إن منها ما انمحى وزال مع الورق، وهو ورق رديء جدا. وقد عفى القدم على نصف كل صحيفة في بداية المخطوطة. وقد أفاد دوكانج أيضا من معجم (glaosarium Arabico- Latinum) وكان عليه أن يقول Latino - Arabicum. وقد وجدت بمقارنة بعض المواد التي نقلها دوكانج منه مع ما في مخطوطتنا إنه نفس المعجم مع اختلاف يسير، فما يذكره دوكانج مثلا في مادتي: mulco و pestillum في معجمه العربي موجود أيضا في معجمنا. وفي مادة Cimentarius نجد عنده نقلا من نفس المصدر: qui disponit fundamentum وهو نفس ما في معجمنا مع هذا التغيير اليسير fundamenta وفي مادتي: artabularius
1 / 19
و sacis وهما مادتان موجودتان في المعجمين ذكر دوكانج المعنيين: " Craticula" clyster وهما غير موجودين في معجمنا. فأين وجدت هذه المخطوطة؟ أن دوكانج لا يقول أين وجدها. والبحث الذي قامت به المكتبة الوطنية في باريس عن ذلك بطلب مني كان عديم الجدوى، فلم تذكر هذه المخطوطة في المخطوطات الشرقية ولا في المخطوطات اللاتينية، ويقول (ليوبولد دي ليل): أن دوكانج لم يذكر أن المخطوطة كانت في مكتبة الملك، وهذا في رأيه يوحي بالشك في أنها قد وجدت فيها في يوم من الأيام. فعسى أن يعثر عليها في مكان آخر؟.
وسيرى القارئ إن ما جنيته من ثمار هذا المعجم أقل بكثير مما جنيته من ثمار المعجمين الآخرين الذين سأتحدث عنهما، ولكنهما مع ذلك ثمار كثيرة.
ومعجم آخر عربي - لاتيني ولاتيني - عربي، هو الذي أشرت إليه بالرمز voc فوك، وهو معجم أكما مادة، وأصح صحة، وقد عني شياباريلي به عناية كبيرة فنشره في فلورنسا سنة ١٨٧٤ معتمدا على مخطوطة مكتبة ريكارديانا. لقد صنف هذا المعجم في شرقي الأندلس (أسبانيا) في قطلونيا أو في مملكة اشبيلية. وربما كان مصنفه الأخ المبشر رايمون مارتان، وهو من علماء اللاهوت المشهورين والفلاسفة والمستشرقين في قطلونيا، وقد بذل جهده في العمل على ردة المسلمين إلى النصرانية، وهلك بعد سنة ١٢٨٦ ميلادية بقليل، وقد صنف هذا المعجم، على كل حال، في حياته في النصف الثاني من القرن الثالث عشر للميلاد، ويرى بعض العلماء إنه أقدم تاريخ، غير أن ذكر كلمة طاهرية في مادة fiala منه تعارض هذا الرأي، لأن هذا النوع من الآنية قد سمي باسم الملك الطاهر بيبرس الذي تولى الملك من سنة ١٢٦٠ حتى سنة ١٢٧٧ للميلاد، وقد كان يستعمله على مائدته، ويبدو لي أن مخطوطة ريكادانيا، وهي ليست المخطوطة الأصلية، إنما هي من مخطوطات أواخر القرن الثالث عشر للميلاد، إذا حكمنا عليها من شكل خطها.
1 / 20
إن الصعوبة الكبرى للإفادة من هذا المعجم تكمن في أن معاني الكلمات المشتقة من صيغ الأفعال، وهي مذكورة فيه، لم تشرح ولم تفسر في مختلف المواد، فضلا عن أن الكلمات القطلونية المذكورة في حاشية كل صحيفة تحتاج في الغالب إلى تصحيح، وقد اكتفي حين أكون في ريب من الأمر، ولكيلا أورط القراء المستعربين في الخطأ، أن أشير إلى أن هذه الصيغة توجد في المادة الفلانية.
والمعجم الثالث هو المعجم الذي صنفه الأب بدرو دي ألكالا في غرناطة وطبعه فيها سنة ١٥٠٥م بأمر من فرديناند دي تالافيرا أول أسقف في غرناطة، وكان يريد به تيسير ردة المسلمين إلى النصرانية بعد أن تم الاستيلاء على مدينتهم غرناطة، وهذا المعجم، من غير ريب، أغنى هذه المعاجم، غير أن قراءته قد أرهقتني وتطلبت مني وقتا طويلا. وكانت العقبات التي كان علي أن أذللها كثيرة العدد والضروب، فقد قدم المصنف قبل كل شيء الأسبانية على العربية، ولم يكن من اليسير أن أقلب أو أعكس، إذا صح هذا التعبير وضع كل هذا المعجم، ثم أن كثيرا من الألفاظ الأسبانية المذكورة فيه قد أدركها الهرم فلم تعد تستعمل أو أنها غيرت معانيها، ثم إن المصنف يقول في إهدائه الكتاب إلى الأسقف إنه قد اعتمد فيما يتصل بالكلمات القسطلونية على المعجم الأسباني - اللاتيني تأليف انطونيو دى نبريجا (اولبريكسا كما يكتبها)، فكان علي أن أرجع إلى هذا المعجم قبل كل شيء، وقد رجعت إليه دوما وتبنيت المعاني التي يذكرها، وهي تختلف في غالبها عن المعاني التي تذكرها المعاجم الحديثة. وقد أفادني في ذلك المعجم الأسباني - الفرنسي - الإيطالي القديم لمصنفه جروم فيكتور (جنيف ١٦٠٩، كولونيا ١٦٣٧) فائدة كبيرة. غير أن الأب دى ألكالا قد أضاف، كما يقول، كلمات ليست موجودة في معجم نبريجا، وهذا الكلمات وهي كثيرة كثرة لا يتوقعها أحد، قد يحار أمام بعضها المرء، فمنها كلمات لم تعد معروفة في أسبانيا حتى في غرناطة نفسها. وعقبة أخرى تصادفك فيه هي أن الكلمات العربية قد طبعت فيه بالحروف القسطلانية وليست بالحروف العربية المعروفة، وأن بعض الحروف ذات المخرج الواحد قد كتبت بصورة واحدة. وأخيرا فان عددا من الكلمات فيه كانت أمامي أشبه بالألغاز والأحاجي، حتى استطعت أن أجد أغلبها بعد سنوات عدة في معجم آخر أو كتاب لمؤلف آخر، ولذلك فإن ثبت (قائمة) الكلمات المشكوك فيها وكان ثبتا طويلا قد تقلص شيئا بعد شيء، ومع ذلك فقد بقي منها أكثر مما توقعته، وسأذكر هذه الكلمات في الملحق، عسى أن يستطيع بعض الناس في يوم ما تفسيرها أو تصحيح ما في بعضها من أخطاء في الطباعة، فإن مثل هذه الاخطاء، على قلتها نسبيا، يقع عليها المرء حينا بعد حين في معجم الأب بدرو دى ألكالا.
لقد أعاد طبع هذا المعجم الأب باتريسيو دي لاتور، حين أصبح نادر الوجود غالي الثمن، وقد عاش هذا الأب فترة طويلة في مراكش، وترهب في دير الاسكوريال سنة ١٨٠٥ للميلاد، وتم طبع المعجم في ذلك الحين تقريبا، غير أن كل نسخة قد تلفت في حرب نابليون الأول، ولم يبق منها إلا نسخة واحدة تصل في كلماتها إلى كلمة (ofrecimiento)، وهي لا تزال محفوظة في
1 / 21
مكتبة الاسكوريال ومعها المخطوطة الأصلية كاملة، ويقول سيمونيه الذي فحص هذه النسخة أن باتريسيو دي لاتور قد كتب الكلمات بحروف عربية، غير إنه قد غير في معجم الكالا تغييرا كبيرا وحذف منه كثيرا من الكلمات، ونقول، استنادا إلى الخلاصات التي تفضل سيمونه الأستاذ بغرناطة فأرسلها إلي منه، أن دى لاتور قد كتب كثيرا من الكلمات المشكوك فيها، وليس كلها، كتابة صحيحة، ولابد لي من أن أصارح القارئ إنه حين يتصل الأمر بلهجة غرناطة سنة ١٥٠٠ للميلاد وهي تبتعد كثيرا عن لهجة مراكش الحديثة التي يتقنها دي لاتور اتقانا لا مراء فيه، فإني لا أثق فيما يقوله ثقة كبيرة.
ولابد أن أشير أيضا إلى أني حين أنقل من معجم مخطوطة ليدن ومن معجم الأب دى الكالا فإنني أكتب الكلمات اللاتينية والكلمات الأسبانية اللاتي تذكر في مقابل الكلمات العربية، أكتبها كما جاءت فيهما ولا أغير فيها شيئا، ذلك لكي يستطيع القاري أن يجدها فيهما، أما حين يتصل الأمر بمعجم فلورنسا فلم يكن هذا ضروريا، لأن القسم الأول منه يقوم مقام الفهرس للكلمات.
ومعجم آخر يختلف في طبيعته عما ذكرت أفدت منه أيضا، وهو المعجم الذي طبعه بطرس البستاني في بيروت سنة ١٨٧٠ باسم محيط المحيط، إنه مجموع جيد ألفه اعتمادا على بعض المعاجم القديمة، وأضاف إليه عددا كبيرا من الكلمات المولدة والمعاني الجديدة، كما أضاف إليه عدا من اللهجة السورية (من كلام العامة)، لقد قبلت هذه الكلمات في معجمي، غير أني وجدتني مضطرا إلى أن أرفض قبول أكثر الكلمات التي تتصل بالعلوم الإسلامية القديمة التي أورد المؤلف عددا كبيرا منها، وذلك أولا: لأن تعريفاتها ليست دائما من الوضوح بحيث يمكن فهمها دون الرجوع إلى كتب عربية أخرى شرحت فيها هذه الكلمات شرحا وافيا. وثانيا: لان هذه الكلمات غامضة حين لا يحسن المرء العلم الذي تعود إليه، وإنني أعترف أخيرا كما اعترف فريتاج، إن معرفتي بهذه العلوم ضئيلة، وأوافقه على أن حياة الإنسان لا تكفي ليفقهها ويتبحر فيها في نفس الوقت الذي يريد أن يفقه فيه اللغة العربية، فلا يتطلب مني ولا ممن هو مثلي من المنصرفين إلى التاريخ أن يعرف هذه العلوم، فضلا عن أني أخشى أن أفقد عقلي لو أني استغرقت في دراسة بعض أصناف هذه الكلمات كمصطلحات الصوفية الغامضة مثلا، إنه عمل أتركه راضي النفس إلى آخرين.
ولابد من الحكمة والحذر حين مراجعة محيط المحيط، فان المصنف يذكر في الغالب أفعالا بصيغة الماضي حين لا يذكر الجوهري ولا الفيروزآبادي منها إلا المصدر أو اسم الفاعل أو اسم المفعول، وربما كان ذلك لأنها الصيغ الوحيدة المستعملة منها. وهذا مثال لا يجدر أن يحذى حذوه، ثم إنه أكثر النقل من فريتاج الذي لم يبدأ بذكره، إن لم تخني الذاكرة، إلا
1 / 22
في حرف اللام، فنقل منه كثيرا من أغلاطه. ثم إن معرفته بأصول الكلمات الأجنبية تقوم على الخلط والغلط، فهو يخلط الفارسية بالتركية بل حتى بالفرنسية، فهو يرى أن كلمة أباجور التي شاع استعمالها في اللغة السورية فارسية الأصل.
ثم صدرت بعد ذلك معاجم كبيرة ومعاجم صغيرة للغة الحدية مثل معجم باجني، وبوشر، وهمبرت، وهلو، ورولاند دي بسي، ودومبى، وشربونو، وغيرها. وهي كلها مفيدة لمعرفة لغة القرون الوسطى، غير أن استخدامها أمر عسير لأنها عادة مرتبة حسب الأبجدية الفرنسية ولذلك لابد من قلبها إذا صح هذا التعبير وترتيبها حسب الأبجدية العربية. وأكبر هذه المعاجم هو المعجم الفرنسي - العربي لمؤلفه اليوسي بوشر المصري، وقد صححه وزاد فيه كوسان دي برسيفال، وقد طلب كاترمير من السيد جوويل أن يصنع له فهرسا فصنعه سنة ١٨٥٢، رتب فيه الكلمات العربية حسب الحروف الهجائية يليها أرقام الصفحات التي توجد فيها. وهذا المعجم الكبير موجود الآن في مكتبة ميونيخ، وقد استعرته منها ونسخت ما فيه أنا والسيد دي غويه، وقد تطلب منا هذا فترة طويلة من الزمن وجلدا على العمل ويقظة مستمرة نظرا إلى عدد الكلمات الكثيرة التي يحتويها. ثم خصصت عدة أصياف قضيتها في الريف لتحقيق نصوصه، وتقييد الألفاظ والمعاني التي لم يذكرها فريتاج في معجمه. وهكذا تهيأت لي مادة هذا المعجم قبل أن أبدأ بكتابته وتحريره، ففي مثل هذا العمل الطويل الذي قد تفتر فيه الهمة كان من الممكن أن يكون جوويل قد أغفل كلمة أو أخطأ في النقل. (وقد وقعت على بعض ذلك فصححتها في نسختي. وهي لذلك أصح من نسخة الأصل). غير أني أستطيع القول إنه أحسن العمل وأتقنه وأنا شاكر له صنيعه، فلولاه لما استطعت الاستفادة من هذا المعجم إلا في حالات قليلة، تشبه استفادتي من معجم برجرن ومعجم مارسيل وغيرهما، وذلك لقلة صبري.
وإن آسف فآسف لأني لم أستطع الاستفادة من معجم آخر من هذا النوع، وهو المعجم العملي العربي - الفرنسي الذي صنفه «بوسيير» رئيس التراجمة في الجيش الجزائري، وقد أصدره في الجزائر سنة ١٨٧١، وهو معجم سهل التناول، إذ تتقدم فيه الكلمة العربية على الكلمة الفرنسية، وهو من المصنفات الجليلة التي لم تحرز من الشهرة ما تستحقه، فلم أعلم بوجوده في الوقت المناسب، فقد كنت قد أكملت تصنيف معجمي، وتقدم طبعه حين أخبرني السيد سيمونه بوجوده. وأعتقد إنه لم يعرف بوجوده إلا صدفة، وإنه لم يره أيضا. ولذلك فقد تأخر الوقت لكي ادخل في معجمي «التكملة» هذا ما يحتوي عليه ذلك المعجم من مفيد وجديد، وهو أفضل المعاجم العربية - الفرنسية الحديثة، غير أني رجعت إليه مرات كثيرة، وقارنت ما فيه بما في نسخة معجمي هذا قبل أن أدفعها إلى المطبعة، وقد اقتبست منه كثيرا.
وربما كان خوفي من أن يظهر معجمي هذا بمظهر معجم للغة العربية الحديثة هو الذي منعن
1 / 23