مقدمة التحقيق
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[الأمور الثلاثة]
١- مؤلف الكتاب:
هو علي بن محمد بن أحمد بن موسى بن سعود الخزاعي- ويكنى أبا الحسن وأحيانا أبا السعود- من أسرة أندلسية عرفت بالفقه والعلم: فجدّ والده- أعني موسى بن سعود الفقيه- ولي القضاء بمدينة أدله بالأندلس في أوائل عهد الدولة النصرية، ثم خلفه على قضائها ابنه الفقيه أحمد بن موسى- جد المؤلف- غير أنه لأسباب لا ندريها غادر تلك البلدة وتحوّل إلى غرناطة عاصمة الدولة النصرية، فولّاه أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف الأحمر ثالث سلاطين بني نصر (٧٠١- ٧٠٨) الأشغال السلطانية، أي بعبارة أخرى جعله صاحب ديوان العساكر.
غير أن أحمد بن موسى جدّ لديه ما غرّبه عن الأندلس، فارتحل إلى برّ العدوة، واستقر بتلمسان ومعه ابنه محمد والد المؤلف، وتوفي أحمد الجد بتلمسان وبقي فيها ابنه محمد حيث لقي حظوة لدى أصحابها بني زيان، فعمل كاتبا لديهم ثم أصبح وزيرا في أيام السلطان أبي زيان محمد بن عثمان بن يغمراسن الزياني (٧٠٣- ٧٠٧)، ثم تقلد كتابة الأشغال السلطانية في ظل أبي تاشفين عبد الرحمن الزياني (٧١٨- ٧٣٦)، «وقد جمع محمد بين خطتي السيف والقلم، وكان رسوخ قدمه في الفروسية والعلم أثبت من علم» .
وفي تلمسان رزق بابنه عليّ سنة ٧١٠، فعلي كما يقول ابن القاضي:
«تلمساني المولد ... أندلسي الأب والسلف»؛ وقد خلف أباه في خدمة بني عبد الواد بتلمسان، فتولّى خطة الأشغال السلطانية لأمير المسلمين المتوكل على الله أبي سعيد عثمان بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن (٧٣٧- ٧٥٣) «فكان صدرا في تلك المحافل والنوادي» . غير أن عدم استقرار الأمور بتلمسان وتكرر المحاولات المتعارضة من لدن المرينيين تارة والزيانيين تارة أخرى لاحتياز المدينة، ربما حفز عليا إلى
1 / 7
مغادرتها، فتوجه إلى فاس حيث كلف بأعباء خطة الأشغال السلطانية- كما كان حاله في تلمسان- في أيام السلطان المريني أبي عنان فارس الملقب بالمتوكل على الله (٧٤٩- ٧٥٩) .
وبقي عليّ حتى آخر حياته في خدمة سلاطين بني مرين: ظل كاتب الأشغال السلطانية لأبي يحيى أبي بكر السعيد بالله (٧٥٩- ٧٦٠) ثم من بعده لأبي سالم إبراهيم (٧٦٠- ٧٦٢) في الوظيفة نفسها، وأضاف إليه أبو سالم كتابة العلامة أو «خطة القلم الأعلى»، وكان معاصرا ومزاملا لأبي القاسم ابن رضوان، صاحب كتاب الشهب اللامعة في السياسة، في بلاط ذلك السلطان، واستمر على ذلك في فترة حكم أبي زيان محمد المنتصر بالله (٧٦٣- ٧٦٧) وحكم أبي فارس عبد العزيز المستنصر بالله (٧٦٨- ٧٧٤) وحكم ابنه أبي زيان السعيد بالله (٧٧٤- ٧٧٦) .
تلقى علي دراسته في تلمسان فدرس على شيوخها وفي مقدمتهم العالم التلمساني الكبير أبو عبد الله ابن مرزوق (- ٧٨١) وله منه إجازة؛ ومن شيوخه أيضا محمد بن أبي بكر البلفيقي الشهير بابن الحاج (- ٧٧١) . وقد تنبه عبد الحيّ الكتاني إلى أن أخذ الخزاعي عن مثل هذين الشيخين- وهما يكادان يكونان من أقرانه ولداته في العمر- ربما دلّ على أنه «كان قليل الرواية أو إنما روى واستجاز في كبره» «١» .
ومهما يكن من شيء فإن نشأته الثقافية كانت تؤهله للكتابة في الديوان، فقد عرف بمهارته في الحساب، حتى قال فيه ابن الأحمر: «ومعرفته بالحساب تستغرق العقول، إذ أربت عن حد الحصر والمعقول» «٢» . وكان حسن التحصيل في الأدب والنحو واللغة، هذا إلى إلمام بفروع الفقه والحديث وقدرة على نظم الشعر؛ وقد أورد له ابن الأحمر قصيدة في مدح المتوكل على الله «٣»، وأورد له ابن القاضي مقطوعة قالها حين عثرت بموسى بن أبي عنان المريني فرسه؛ وكان أيضا معروفا بجودة الخطّ؛ وكل هذه الوسائل الثقافية أعدته ليكون صاحب الأشغال السلطانية، تلك «الوظيفة» التي تشبه أن تكون وراثية في أسرته، لأنها تعتمد كثيرا على الشؤون الحسابية؛ ولعله اعتمد
_________
(١) التراتيب الإدارية ١: ٢٩.
(٢) مستودع العلامة: ٦٤.
(٣) نثير الجمان: ٢٥١- ٢٥٣.
1 / 8
في اتقانها على والده قبل أي شيخ آخر، ولعله من أجل ذلك لم يتبحر في علم بعينه، ولم يكتب له البروز في اتجاه علميّ محدّد.
ذلك مبلغ ما نعرفه عن ثقافته؛ فأما ما يتعلق بأبرز صفاته فلم يميز منها مترجموه إلا أنه كان مبسوط الكفّ سخاء، فقال ابن الأحمر: «وقدمه في الكرماء أرسخ من أبي قبيس، وفضله ينسي فضل الأمير دبيس» «١» . وقال في موضع آخر: «وكفه بإرسال المواهب لم تكن جانحة إلى التقصير، ولا قيل لطول جودها: جدعت أنف الفضائل عن بخل يا قصير» «٢»؛ وأيد هذا تلميذه ابن السراج بقوله: «كثير الصدقة والإيثار، لم يكن في زمانه من يضاهيه فيها، فذا في طريقته» .
وقد عاش علي حتى ناهز الثمانين، إذ كانت وفاته يوم الأحد الخامس من ذي القعدة سنة ٧٨٩، ودفن من غده يوم الاثنين بمدينة فاس «٣» .
٢- كتاب تخريج الدلالات السمعية:
لم تكن الأعمال الديوانية ومشاغلها الكثيرة المتلاحقة تمنح علي بن محمد الخزاعي سعة من الوقت كي يتوفر على التأليف؛ ويبدو أنه أعفي من تلك الأعباء وهو في سن السادسة والستين أو قريبا من ذلك (أي حوالي ٧٧٦) إذ لا نسمع بعد وفاة السعيد أبي زيان أنه شغل أي منصب في الدولة. وهو يصرح في مقدمة «تخريج الدلالات» أنه كان يلتقط الفوائد ويقتنص الشوارد التي سيبني منها كتابه أيام عزلته عن العمل، وأنه استمرّ يجمع ويرتب ويبوب حتى انتهى من ذلك سنة ٧٨٦، وإذا به ينهي عملا طويلا شاقا يسميه «تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله ﷺ من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية» . وفي ربيع الأول
_________
(١) نثير الجمان: ٢٥٠.
(٢) مستودع العلامة: ٦٤.
(٣) ترجم له السراج في فهرسته وأخذ عنه، وابن القاضي في درة الحجال ٣: ٢٤٧- ٢٤٨ وجذوة الاقتباس: ٤٨٩ وابن الأحمر في نثير الجمان: ٢٤٩- ٢٥٣ ومستودع العلامة: ٦٢ وروضة النسرين: ٣١ وذكره ابن خلدون في التعريف: ٤٣ كما ذكرت سنة وفاته في وفيات الونشريسي: ١٣١ وفي لقط الفرائد: ٢٢٤. وانظر مقدمة التراتيب الإدارية ١: ٢٨- ٣٥؛ وقد ورد اسم جده الأعلى في كثير من المصادر بصيغة «مسعود»، والأرجح ما أورده معاصره ابن خلدون في التعريف «سعود» .
1 / 9
من ذلك العام تولّى السلطنة أبو فارس موسى بن المتوكل على الله المريني، فقدّم الخزاعي كتابه هدية إليه «جريا على العادة في إتحاف المملوك الخادم لمولاه القادم، وعملا على ما جاء عن النبي ﵇ من الحضّ على الهدية والأمر بها» .
ويختصر المؤلف السبب الذي حدا به إلى تأليف كتابه بأنه رأى كثيرا ممن لم ترسخ في المعارف قدمه، وليس له من أدوات الطالب إلّا مداده وقلمه، يظنون أن تولي الأعمال السلطانية بدعة، وأنها بدعة تجرّ على صاحبها الاثم، وأنه كان من الأجدر به الترفع عنها؛ وتبديدا لهذا الجهل جمع مادة كتابه ليثبت أن «العمالات الشرعية» ليست شيئا مستحدثا، وإنما هي خطط وجدت أيام الرسول، وتولاها كثير من الصحابة، فمن تولاها من بعد لم يخرج عن النهج المرضيّ، بل إنه ليحرز الشرف الكبير لأنه يجد نفسه واقفا في ركب صحابي جليل، وكذلك يقال أيضا في أصحاب الحرف والصنائع، فإن أي قارىء لهذا الكتاب سيجد الحقيقة الصادقة التي تزيل عن أصحاب الخطط وأصحاب الحرف وصمة البدعة.
ولعلّ هذا كله مستمدّ من واقع المؤلف، فإنه قضى معظم عمره في خطة سلطانية، وعلى ذلك كان أبوه وجده من قبل، وليس بمستبعد أن يكون قد واجه نقدا لانخراطه في سلك الدولة، ومصاحبته للسلطان، فإن النغمة المنفّرة عن مصاحبة السلطان التي ظهرت بظهور موجة زهدية في القرن الأول لم تكن- فيما يبدو- قد تبدّدت؛ وإن حاول كتاب السياسة- على مر الزمن- احتواءها بما رسموه من آيين وما سنّوه من رسوم في مصاحبة السلاطين.
وقد قسم الخزاعي كتابه في عشرة أجزاء: ثمانية منها في العمالات وواحد في الحرف والصناعات وباب ختامي، وانقسمت الأجزاء العشرة في ١٧٨ بابا، وتبدو دقة المؤلف في هذا الترتيب الذي سار عليه في كتابه، في الأجزاء والأبواب والفوائد، وتوزيعه للمادة في مواضعها، وعدم تورطه في التكرار سهوا، وتكراره لبعض المعلومات عمدا لأنها قد تقع في غير باب واحد؛ وتتجلى دقته في الإحالة على مصادره، وفي ذكر قائمة منها في آخر فصل من فصول كتابه، بحيث نقول إن الخزاعيّ يحترم النصّ ويعامله بأمانة؛ وقد جعل منهجه في كتابه أن يتحدث عن الخطة أو عن جانب منها في فصل من الفصول معتمدا على ما جاء في كتب الحديث بخاصة، ثم
1 / 10
يعقد فصلا تاليا للترجمة لمن تولوا تلك الخطة معتمدا في ذلك كتاب الاستيعاب لابن عبد البر في الأغلب، وكثيرا ما يؤيد تراجم الاستيعاب بالإحالة على سيرة ابن هشام، ثم إنه يبين ما يحتاجه القارىء من فوائد لغوية، ومراجعه في هذه الناحية كثيرة في طليعتها الصحاح للجوهري والمحكم لابن سيده وديوان الأدب للفارابي وكتب الأفعال والمخصص لابن سيده ... الخ تلك المصادر؛ فإذا كان الأمر يتعلق بشرح ألفاظ الأحاديث أحال على المشارق للقاضي عياض وعلى غيره مما يتصل بهذا الباب، وأحيانا يورد فقرة بعنوان «تنبيه» تحتوي فائدة خارجة عن نطاق اللغة، أو تكون بمثابة إحالة إلى ما مرّ أو ما سيأتي بيانه. وبهذا التخطيط الدقيق للكتاب لم يبق المؤلّف مجالا للمحقق، إلا مجالا ضيقا، في الشرح والتوضيح، ولكنه يكلف المحقق جهدا بالغا في تتبع المصادر المعتمدة، والمقارنة والتأكد من مدى الصحة في المنقولات. وربما أخذ على المؤلف إسرافه في تتبع المعاجم اللغوية، فهو يعتمد عددا من المعجمات في تفسير مادة واحدة، مع أن واحدا منها كان يغني عن سائرها؛ ولشغفه بالإكثار من المراجع تراه يقطع النقل عن هذا المصدر ويبدأ النقل عن مصدر آخر، ولو استمرّ في نقله عن الأوّل لجاء بشرح واف بالمراد. وأنت تعجب أحيانا لماذا يعتمد «ديوان الأدب» في شرح «كفر» بمعنى غطّى ولا يعتمد المحكم أو الصحاح، ويجعل اعتماده على واحد منها مطردا إلى أن يستكشف زيادة مهمة في معجم آخر. على أن هذا بعد كل ذلك إنما يعدّ عيبا لا ضرر فيه، وإن كان مرهقا للمحقق.
وقد أفاد المؤلف كثيرا من خبرته في توليه ديوان العساكر مدة طويلة، ولذلك جاء الجزء الخامس وهو في العمالات الجهادية من أكبر الأجزاء إذ احتوى من الأبواب على خمسة وأربعين جمعت جميع الجوانب المتصلة بمهمات الحرب. وتعدّ الأجزاء:
الرابع في العمالات الأحكامية، والسادس في العمالات الجبائية من أهم الأبواب مع الخامس في تبيان «تركيب» الدولة في عهد الرسول والخلفاء الراشدين. أما الباب الخاص بالحرف والصناعات (وهو التاسع) فإنه مكمّل لتصور المجتمع الإسلامي بالإضافة إلى تصوّر بناء الدولة، ولكنه خارج عن غرض المؤلف في إزالة البدعة التي تلصق بأصحاب الخطط السلطانية، فلا أحد يقول إن بيع الطعام أو القيام بالنسج أو البناء أو الصيد أو الطبخ بدعة، وهذه الحرف لم تبدأ على عهد الرسول، وإنما هي حصيلة الحاجة والاجتماع الإنسانيين، نعم كان يمكن القول بأن بعض الحرف
1 / 11
أحيطت بدعوى المهانة كالحجامة والحياكة وغيرهما، ثم يقف المؤلف مدافعا عن مثل هذه الحرف بما يورده من أحاديث وآثار؛ كذلك فإن من السذاجة أن يقف المرء ليجيب: هل كان في عصر الرسول خياطون، وهل كانت الخياطة بدعة؛ أقول:
لم يقصد المؤلف شيئا من ذلك- فيما أعتقد- وإنما رأى أنه يستكمل ضروب النشاط في مجتمع العهد النبوي إذا هو عرّف بهذه الحرف والصنائع وبمن كان يتولاها.
إن الايحاء الذي يستمده قارىء «تخريج الدلالات» بأن المؤلف في النهاية ينتهي إلى «إجلال» ضروب الممارسات التي تحدّث عنها، لأنها مورست في عهد الرسول، يجب ألا يقلل من شأن الكتاب، فالكتاب حلقة في سلسلة من كتب معاصرة تحدثت عنها في غير هذا الموطن: منها مقدمة ابن خلدون ورسائل لسان الدين ابن الخطيب في السياسة والشهب اللامعة لابن رضوان وواسطة السلوك لأبي حمّو- وربما ظهر غيرها- وكل تلك الكتب صورة لتفتح العبقرية المغربية تحت أضواء التاريخ، لتمثل تنظيرا وتطبيقا لفكر سياسي أصيل، وظهور هذه الكتب في عصر واحد، يومىء إلى جيشان فكريّ خاصّ؛ فإذا كان ابن خلدون يستمد من مفهومه للتطوّر آراءه في الدولة وفي السياسة، وإذا كان ابن رضوان يستعيد النهج الأخلاقي التطبيقي في سياسة الدول، وإذا كان أبو حمو يعتمد التجربة الواقعية «الوصولية» مسلكا لتسويغ طموحه، فإن الخزاعي يوحي لأول وهلة بالعودة إلى الأصول: كل هذا الذي نراه من نظم أقرّه الإسلام منذ البداية، ولذلك فنحن في تطبيقه لا نخرج عن ما رسمه ذلك الدين. ولقد يفهم من موقف الخزاعي أنه لا يؤمن بالتطور، ولكن ذلك غير صحيح، فإن إيمانه الضمني بالتطور هو الذي يدفعه للبحث عن الحقائق في بدايات نشأتها في ظل الإسلام. وإن اتكاءه على الحديث الصحيح- بعد القرآن- يدلّ على أنه كان يؤمن بأن نواة كل نظام موجودة في أقوال الرسول وأفعاله. ومهمته أن يقتنص الأخبار ويقيدها، فيحدثنا مثلا أن الجيش في زمن الرسول كان يتألف من ميمنة وميسرة وقلب وساقة ومقدمة، ويبهرك بهذا الخبر الذي يجد سنده في السير والأحاديث، وتلك هي غايته، ولا دخل له بأي تغيير حدث في نظام الجيش بعد ذلك، وهل كان ذلك التغيير مما يقره الرسول لو شاهده؛ وهو يحدثنا بأن الشفاء كانت في زمن عمر تتولى الإشراف على السوق، أي تؤدي وظيفة المحتسب، ولكنه لا يتساءل أبدا عن مدى ما يمكن أن تتولاه المرأة من خطط، وهل تستطيع أن تتجاوز وظيفة المحتسب إلى غيرها من
1 / 12
الوظائف؛ ذلك أيضا من طبيعة الدقة في منهجه، فإنه لو استسلم إلى مثل هذه الحوافز لخرج كثيرا عن الدائرة التي رسمها لكتابه.
وقد لفت هذا الكتاب نظر رفاعة الطهطاوي- لصلته بتفكيره في نظام الدولة- فلخصه، ثم نال إعجاب عالم مغربي هو الشيخ عبد الحي الكتاني، فعلّق عليه وأضاف إلى أجزائه وفصوله في كتابه التراتيب الإدارية، وكان أكثر جهده استكثارا وإلحاقات، وإلا فإن الخزاعيّ كان كثير الاستقصاء والتدقيق، والفرق بينه وبين الكتاني هو الفرق بين مكتبتين، يغترف منها كل واحد منهما، بحسب ما تيسر لديه من مصادر.
٣- تحقيق الكتاب:
اعتمدت في تحقيق تخريج الدلالات على النسخ الآتية:
(١) نسخة الخزانة الملكية رقم (١٣٩٧) ورمزها (م) وتقع في ١٢٠ ورقة (أو ٢٤٠ صفحة) وتشتمل على جميع الكتاب، ومسطرتها ١٧ ١٠ وعدد السطور في الصفحة الواحدة ٣٣ سطرا، ومعدل الكلمات في السطر الواحد ١٧ كلمة، والخط مغربي دقيق واضح؛ وهي نسخة حسنة الضبط يقل فيها الخطأ والوهم والسقط، إلا أنّ السطور العليا من صفحاتها قد طمست أو طمس بعضها أو بعض جوانبها، ولولا ذلك لحسن اتخاذها «أما» معتمدة؛ وهي في جزء واحد، ولكن جاء على هامش الصفحة (١٢٢) ما يفيد أن الكتاب كان في سفرين وأن السفر الأول ينتهي عند آخر الباب الخامس عشر من الجزء الخامس الخاص بالعمالات الجهادية، ويبدأ السفر الثاني بالباب السادس عشر من ذلك الجزء وعنوانه (في المسرج) . ويبدو أنها قرئت على نسخة عليها خط المؤلف «١» وفيها بخطه إلحاقات وزيادات، فهي على هذا تمثل الكتاب في صورته الكاملة كما أراده مؤلفه. وكان الفراغ من نسخها أواخر ربيع الثاني من عام ٨٧٦ أي بعد حوالي تسعين سنة من تاريخ تأليف الكتاب.
(٢) نسخة الخزانة العامة بالرباط رقم (١٨٢٨) ورمزها (ط) وتقع في قسمين يتضمن الأول منهما ١٦١ ورقة والثاني ١٩١ ورقة، وينتهي الأول عند آخر الباب السابع عشر من الجزء الخامس عشر من الكتاب (أي يزيد بابين على القسمة في النسخة السابقة)
_________
(١) لفظة «المؤلف» قد طمس وسطها في المخطوطة.
1 / 13
ومسطرتها ١٣ ٧، ٧ وفي كل صفحة ٢١ سطرا ومعدل الكلمات في السطر الواحد ٨ كلمات، والنسخة كاملة لا نقص فيها وخطها نسخي مشرقي واضح، ولكن الأخطاء من قبيل السقط والوهم والتصحيف كثيرة، ويبدو من خطها أنها حديثة النسخ نسبيا، وعلى الصفحة الأولى منها ثلاثة تملكات يفيد أحدها أنها نقلت عن نسخة قديمة كانت بحوزة رفاعة بك الطهطاوي؛ وأن رفاعة اهتم بالكتاب فاختصره في كتابه «نهاية الايجاز»، «ولا علم عبد الحي [يعني الكتاني] بذلك، إلا بعد أن ألف كتابه التراتيب الإدارية» «١» . وكاتب هذا التعليق هو أحمد بن الصديق، ويبدو أنه هو نفسه الذي كتب كثيرا من التعليقات على هوامش النسخة بخط مغربي حديث، وبعض تعليقاته مفيد، غير أن أكثرها مشحون بالغضب والحنق على المؤلف، وسبب ذلك الغضب أمران: الإكثار من الفوائد اللغوية وشرح ألفاظ لا تحتاج شرحا، وهو في سورة غضبه يعزو ذلك إلى أن المؤلف لم يكن «عربيا»، والثاني حشده لتراجم الصحابة؛ ويصيب الشيخ الكتانيّ جانب من غضبه حين يقول: «وقد ادعى الشيخ عبد الحي الكتاني أنه لا توجد منه (أي من الكتاب) نسخة إلا بتونس، وهو باطل» .
وفي آخر الكتاب عبارة توهم أن في النسخة نقصا إذا جاءت على النحو التالي: «قد انتهى إلى ها هنا ما وجد من كتاب تخريج الدلالات السمعية ...» فكتب المعلق إلى جانب ذلك: «هذه العبارة توهم أن الكتاب غير كامل، وذلك باطل وجهل من كاتبه ...»، وعلى ما في هذا التعليق من حدة غاضبة فإنه صحيح، إذ أن المؤلف رسم فهرست كتابه في أوله رسما دقيقا، فإذا انتهى القارىء إلى آخره وجد أن الكتاب مكتمل لا نقص فيه بحسب ذلك الفهرست.
(٣) نسخة محفوظة بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم (١٢٠٣) جعلت رمزها (ر) وعلى الورقة الأولى أنها تمثل السفر السادس من الدلالات السمعية (وتبدأ على الورقة التالية بالجزء الثامن «في سائر العمالات وفيه عشرة أبواب») فهذه النسخة لا تتضمن إلا الأجزاء الثلاثة الأخيرة من الكتاب؛ وهي في الأصل نسخة حبسها أمير المؤمنين محمد بن عبد الله بن اسماعيل الشريف الحسني على خزانة جامع الأشراف من الحضرة المراكشية وذلك في السادس من ذي الحجة سنة ١١٩٤ هـ. وقد كان هذا السفر
_________
(١) انظر أيضا التراتيب الإدارية ١: ٣٦.
1 / 14
السادس مكملا لنسخة كاملة، فقد معظمها، إذ جاء في آخره «انتهى السفر السادس وبه تم جميع كتاب الدلالات السمعية»؛ ومما يلفت النظر في هذه النسخة كما في النسخة السابقة أنها لم تختم بدعاء من المؤلف نفسه، ولعلّ هذا هو الذي جعل ناسخ النسخة (ط) يقول: «قد انتهى إلى ها هنا ما وجد ...» .
وتضم النسخة (ر) ١٩٦ ورقة (أو ٣٩٢ صفحة) ومسطرتها ١٣ ٨ وعدد الأسطر في الصفحة الواحدة عشرة، ومعدل الكلمات في السطر الواحد ٦ كلمات، وذلك لأنها مكتوبة بخط مغربي جميل كبير محلىّ بالعطفات والمدّات التي يتميز بها الخط الكوفي، وهي نسخة متقنة حقا لولا تفشي الحبر في بعض السطور أو بعض الصفحات بحيث تصبح قراءتها عسيرة. وهي من حيث الضبط تقع وسطا بين النسختين السابقتين.
وقد لقي الكتاب شيئا من الاهتمام في العصر الحديث- كما قدمت- وكان شغف عبد الحيّ الكتاني بطلبه، مما جعله- حسب تصويره- يلاحق التعقب لمواطن وجوده حتى حصل على نسخة منه محفوظة بمكتبة جامع الزيتونة رقم (٧٥٧٢) من تحبيس المشير أحمد باشا بتاريخ ١٢٥٦؛ استخرجها سنة ١٣٣٩ هـ بمعاونة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور قاضي تونس حينئذ، واستثار الكتاب إعجاب الكتاني- كما تقدم- فجعله قاعدة لمؤلفه «التراتيب الإدارية» وأضاف إليه مستعينا بمصادر لم يطلع عليها الخزاعي إما على سبيل البسط والإكثار من الأمثلة، وإما على سبيل الاستدراك، مميزا في كل موضع نصّ الخزاعي من إضافاته؛ وقد طبع التراتيب الإدارية في جزءين سنة ١٣٤٦ بالرباط. ولا ريب في أن ما أضافه الكتاني مفيد في معظمه، وإن كان في جوانب منه تزيد لا يخفى. إلا أن النسخة التي اطلع عليها تنقص الجزء العاشر- وهو الجزء الختامي- من الكتاب؛ وعن هذه النسخة ظهرت الطبعة التونسية، ناقصة كذلك، ثم استكملت من بعد، بعد العثور على ما يسدّ النقص في الكتاب.
وحصلت على تلك الطبعة- في شكلها الكامل- بعون من الصديق الأكرم الأستاذ الحاج الحبيب اللمسي، الذي كان يحسّ أن الكتاب بحاجة إلى تحقيق علميّ، لأنّ الطبعة التونسية، على ما بذل فيها من جهد، لم تكن محققة على نحو يوثّق الكتاب ويذيله بالفوائد والتعليقات الموضحة؛ وقد نقل إليّ الحاج الحبيب ما يجول في خاطره من إعجاب بالكتاب وضرورة تحقيقه؛ ولم ألبث بعد قراءة الكتاب من مشاركته في
1 / 15
الأمرين؛ فالكتاب في فكرته الرئيسية يعد محاولة جليلة تستحق التقدير، وخاصة للجهد الذي بذله المؤلف في وضع خطته وتنفيذها، وهو أيضا بحاجة إلى تحقيق، ولكن كيف الحصول على نسخ منه؟
هنا وجدت لدى الصديق الأستاذ العالم الأديب محمد باحنيني الوزير المكلف بالشؤون الثقافية- سابقا- كلّ عون مخلص إذ تفضل مبادرا فوضع تحت تصرفي النسخ الثلاث التي تقدّم وصفها، وعليها تمّ اعتمادي في التحقيق.
وفي هذه الأثناء ظهرت طبعة للكتاب بمصر سنة ١٩٨١ قام بتحقيقها فضيلة الأستاذ الشيخ أحمد محمد أبو سلامة من علماء الأزهر الشريف، وقد بذل فيها جهدا طيبا، وحاول مراجعة معظم النقول على مصادرها؛ وزود الكتاب بتعليقات مفيدة، ولا يعيب هذه الطبعة إلا كثرة ما فيها من أخطاء مطبعية. وكنت قد قطعت شوطا بعيدا في التحقيق فاستشرت الحاج اللمسي في التوقف، لأني لا أحبّ هذا اللون من تكرار الجهود في العمل على إخراج كتاب ما، فكان من رأيه أنّ لكل محقق طريقته ومنهجه، وأنه يحسّ بأمرين يعدهما هامين:
أولهما: أن هذا الكتاب تونسيّ مغربيّ، ويجب أن تضطلع دار الغرب الإسلامي بنشره وتهتم بإخراجه على صورة مرضية تمام الرضى إكمالا لما لقي من اهتمام التونسيين والمغاربة من قبل.
وثانيهما: أن محقق الطبعة المصرية- مع الاحترام لجهوده- لم يذكر على أية نسخة اعتمد، ولا من أين حصل عليها، وتحقيق الكتاب على ثلاث نسخ أمر يكفل للعمل مزيدا من الدقة.
ولقد وجدتني أقبل هذا التعليل من الحاج اللمسي بعد تردد، فأكمل ما بدأته، رغم كلّ ما كلفني ذلك من وقت في المقارنة والتدقيق؛ غير أني نهجت في تحقيق هذا الكتاب نهجا مخالفا بعض الشيء لما اتبعته في معظم ما حققته من كتب، نزولا على ما تحكم به طبيعة الكتاب نفسه؛ فالخزاعي إذا نقل نصا ذكر مصدره، ولهذا فاني بعد المقارنة بين النسخ الخطية قمت بالمقارنة بين النص المنقول والأصل المنقول عنه، ودوّنت رقم الجزء والصفحة من الأصل في صلب المتن؛ مثلا: ديوان الأدب (٣:
١٩٤)؛ المشارق (١: ٢٣٦- ٢٤٧) وتركت الحواشي للتعريف ببعض الأعلام، ولمقارنة
1 / 16
النسخ، وللخلاف بين ما ينقله المؤلف وبين ما جاء في المصدر الأصلي، ولتخريج الشعر وما أشبه ذلك. ولما كانت السيرة والاستيعاب المصدرين الكبيرين اللذين استقى منهما المؤلف مادته التاريخية فإني لم أحاول التوسع في التخريج بحيث أحيل القارىء على كتب السيرة وعلى مصادر تراجم الصحابة، إلا إذا اقتضى الأمر ذلك.
إنني أعلم أن المادة المنقولة في الاستيعاب لها ما يشبهها في أسد الغابة والإصابة وأحيانا في طبقات ابن سعد، وأن المادة لدى ابن إسحاق قد توجد في مغازي الواقدي وعيون الأثر وسيرة ابن كثير و... إلى غير ذلك من كتب السيرة، ولكني أعتقد أن قارىء هذا الكتاب ليس بحاجة إلى مثل هذا التزيد في التخريج، فهذه كتب معروفة مشهورة، ومن السهل الرجوع إليها إن احتيج إلى ذلك. كذلك فإن المؤلف يعتمد في الأحاديث على الصحاح الستة، وهو قد يذكر في مكان ما واحدا منها ويكون الحديث الذي يورده مذكورا في واحد أو اثنين أو أكثر من الكتب الستة، فأكتفي بتدقيق الحديث على المصدر المذكور.
وقد راجعت كلّ النصوص على المصادر المطبوعة، المتيسرة لديّ، وفي بعض الأحيان لم أدرج إلى جانب المصدر رقم الجزء والصفحة إما لأنه أعياني العثور على النص بعد البحث الطويل، وإما لأنني لم أستطع الحصول على هذا المصدر أو ذاك، وإما لأن المصدر ما يزال مخطوطا، أو لا تزال بعض أجزائه قيد الطبع.
وإلى ها هنا أسكت عن القول المباح لأدع للقارىء حقّ الاستقلال بالإفادة من الكتاب، والحكم على جهد المؤلف فيه، مقدما شكري الجزيل لكلّ من مدّ إليّ يد العون لدى العمل في إخراج هذا الكتاب.
بيروت في تموز (يوليه) ١٩٨٤.
إحسان عباس
1 / 17
تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله ﷺ من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية لعلي بن محمد ابن سعود الخزاعي
1 / 19
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
مقدمة المؤلف
يقول عبيد الله الفقير إليه، الغنيّ به عمن سواه، عليّ بن محمد بن أحمد بن موسى بن سعود، وفقه الله لما يحبه ويرضاه:
الحمد لله الذي خلق الخلق من غير افتقار إليهم وبسط الرزق جودا منه عليهم، وبعث فيهم رسلا منهم، أقاموا لهم على وجوده ووحدانيته، سبحانه، أوضح حجّة، وحملوهم في الإيمان به وامتثال أوامره ونواهيه على أفسح محجّة، لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ (النساء: ١٦٥) وخصنا منهم بأعظمهم قدرا، وأرفعهم ذكرا، أولهم في الجلالة، وآخرهم في الرسالة، مسكة الختام، ولبنة التمام، سيدنا ومولانا محمد نبيه الكريم، الرءوف بالمؤمنين الرحيم، فأدّى، ﷺ، أمانة ما حمّل، وبلغ ما عليه أنزل، وأرشد ونصح، وبين وأوضح، وأكّد الفرائض وسنّ السنن، وسلك بأمته المباركة- التي كانت خير أمة أخرجت للناس- أقوم طريق وأهدى سنن، وشرع لهم، ﷺ، ولايات وأعمالا، وولّى عليها ممن ارتضاه من الصحابة، رضوان الله عليهم، أمراء وعمّالا، ليتعاونوا على البرّ والتقوى، ويتمسكوا من طاعة الله- ﷿ وطاعة رسوله- ﵇ وأولي الأمر منهم بالسبب الأمتن الأقوى. قال الله ﷿: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (النساء: ٥٩) .
وقال رسول الله ﷺ مما خرجه مسلم (٢: ٨٥) رحمه الله تعالى: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني. صلى الله عليه أتم صلاة، وأعظمها،
1 / 21
وأفضلها وأكرمها، وعلى آله المطهرين، وأصحابه المتخيرين، وسلم عليه وعليهم إلى يوم الدين.
وبعد فإني لما رأيت كثيرا ممن لم ترسخ في المعارف قدمه، وليس لديه من أدوات الطالب إلا مداده وقلمه، يحسبون من دفع إلى النظر في كثير من تلك الأعمال في هذا الأوان مبتدعا لا متبعا ومتوغلا في خطة دنيّة، ليس عاملا في عمالة سنية، استخرت الله ﷿ أن أجمع ما تأدى إليّ علمه من تلك العمالات في كتاب يضم نشرها، ويبين لجاهليها أمرها، فيعترف الجاهل، وينصف المتحامل، فألفت هذا الكتاب وسميته: تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله ﷺ من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية.
وذكرت في كل عمالة منها من ولاه رسول الله ﷺ عليها من الصحابة ليعلم ذلك من يليها الآن، فيشكر الله ﷿ على أن استعمله في عمل شرعي كان يتولاه صاحب من أصحاب النبي ﷺ، وأقامه في ذلك مقامه، ويجتهد في إقامة الحق فيه، بما يوجبه الشرع ويقتضيه، فيكون قد أحيا سنة، وأحرز حسنة. وإني لأرجو بما تحملته من التعب في جمع هذا التأليف، حتى أثبتّ لجميع ما تضمنه من الحرف والصنايع والعمالات التنويه والتشريف، بالنسبة الشرعية، والتنزيه عن الظنّة السيئة البدعية، اغتناما للأجر الجزيل عند الله ﷿ بفضله ورحمته في الأخرى، واجتناء الشكر الجميل وبقاء الذكر الطويل من أربابه في الدنيا إن شاء الله تعالى. وضمنته فوائد في شرح جملة من الألفاظ اللغوية الواردة فيها، وضبطت ما أشكل منها، وعرفت بالمواضع التي نقلت منها جميع ما اشتمل عليه من كتب العلماء رحمهم الله تعالى ليقف عليها هنا لك من تطمح نفسه لذلك، فأبرأ من عهدة النقل، وأسلم من تبعة النقد. وكنت أشتغل باقتناص شوارده من مكامنها، والتقاط فوائده من أماكنها، أيام عزلتي عن العمل، وعطلتي عن الشّغل. فما زلت أؤلف وأصنف، وأبوب وأرتب، وأصحح وأنقح، حتى طلع
1 / 22
في رياض الإفادة زهره، وسطع في أفق الإجادة بدره، وذلك في أوائل ست وثمانين وسبعمائة، فجمعت على فريدته يد الضنين، ومنعت خريدته من لمح العيون.
ولما منّ الله تعالى على هذا الصقع الغربي بقدوم مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله أبي فارس موسى بن مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله أبي عنان فارس ابن موالينا الخلفاء الراشدين أسود العرين وملوك بني مرين، أيده الله تعالى ورضي عنهم، أهديته لمقامهم الكريم أسماه الله تعالى جريا على العادة في إتحاف المملوك الخادم لمولاه القادم، وعملا على ما جاء عن النبي ﵇ من الحضّ على الهدية والأمر بها، وأملا فيما أخبر به- وخبره الحقّ ووعده الصدق- من اقتناء المحبة بسببها. قال ﷺ: تهادوا تحابّوا.
وقال: تهادوا تزدادوا حبّا. ذكره القاضي محمد بن سلامة في كتاب «الشهاب» .
فرضاهم أعزهم الله غاية السّول، ونهاية المأمول، خلّد الله تعالى ملكهم، وجعل البسيطة ملكهم، بمنّه وفضله.
[صور مجملة لاجزاء الكتاب وابوابه وفصوله]
وهو ينقسم إلى عشرة أجزاء فيها مائة وثمانية وسبعون بابا تشتمل على مائة وست وخمسين خطة من العمالات والحرف والصناعات.
الجزء الأول في الخلافة والوزارة وما ينضاف إلى ذلك وفيه سبعة أبواب الأول: في ذكر خليفة رسول الله ﷺ الثاني: في الوزير الثالث: في صاحب السّر الرابع: في الآذان وهو الحاجب الخامس: في الخادم السادس: في صاحب الوساد السابع: في صاحب النعلين
1 / 23
الجزء الثاني في العمالات الفقهية، وأعمال العبادات وما ينضاف إليها من عمالات المسجد، وعمالات آلات الطهارة وما يقرب منها، وفي الإمارة على الحج وما يتصل بها وفيه خمسة وعشرون بابا الأول: في معلم القرآن الثاني: في معلم الكتابة الثالث: في المفقّه في الدين الرابع: في اتخاذ الدار ينزلها القراء، ويتخرج منه اتخاذ المدارس الخامس: في المفتي السادس: في عابر الرؤيا السابع: في إمام صلاة الفريضة الثامن: في إمام صلاة القيام في رمضان التاسع: في المؤذن العاشر: في الموقت الحادي عشر: في صاحب الخمرة الثاني عشر: في صاحب العنزة الثالث عشر: في المسرج الرابع عشر: في المجمّر الخامس عشر: في الذي يقمّ المسجد أي يكنسه السادس عشر: في الذي يشتدّ على الناس في الصلاة في الجماعة السابع عشر: في الذي يمنع الناس من اللّغط والمنازعة في المسجد الثامن عشر: في صاحب الطّهور التاسع عشر: في صاحب السواك
1 / 24
العشرون: في صاحب الكرسي الحادي والعشرون: في الساقي الثاني والعشرون: في الإمارة على الحج الثالث والعشرون: في صاحب البدن الرابع والعشرون: في حاجب البيت الخامس والعشرون: في ذكر السّقاية الجزء الثالث في العمالات الكتابية وما يشبهها وما ينضاف إليها وفيه ثلاثة عشر بابا الأول: في كتّاب الوحي الثاني: في كتّاب الرسائل والإقطاع الثالث: في كتّاب العهود والصلح الرابع: في صاحب الخاتم الخامس: في الرسول السادس: في حامل الكتاب السابع: في الترجمان الذي يترجم كتب أهل الكتاب.
ويكتب إليهم بخطهم ولسانهم الثامن: في الشاعر التاسع: في الخطيب في غير الصلوات العاشر: في كاتب الجيش الحادي عشر: في العرفاء الثاني عشر: في المنادي وهو الذي يدعو الناس وقت العرض الثالث عشر: في المحاسب.
1 / 25
الجزء الرابع في ذكر العمالات الأحكامية وما ينضاف إليها وفيه سبعة عشر بابا الأول: في الإمارة العامة على النواحي الثاني: في القاضي الثالث: في صاحب المظالم الرابع: في قاضي المناكح الخامس: في الشاهد وكاتب الشروط السادس: في فارض المواريث السابع: في فارض النفقات الثامن: في الوكيل يوكله الإمام في غير الأمور المالية التاسع: في البصير في البناء العاشر: في القسّام الحادي عشر: في المحتسب الثاني عشر: في المنادي الثالث عشر: في صاحب العسس في المدينة الرابع عشر: في الرجل يتولى حراسة أبواب المدينة في وقت الهرج الخامس عشر: في الرجل يكون ربيئة لأهل المدينة في زمن الهرج السادس عشر: في السّجان السابع عشر: في مقيم الحدود الجزء الخامس في ذكر العمالات الجهادية وما يتشعب منها وما يتصل بها وفيه خمسة وأربعون بابا الأول: في الإمارة على الجهاد الثاني: في المستخلف على الحضرة إذا خرج الإمام للغزو
1 / 26
الثالث: في الذي يستخلفه الإمام على أهله إذا سافر الرابع: في المستنفر الخامس: في حامل اللواء السادس: في قسم الجيش إلى خمسة أقسام، وكون الإمام في القلب من تلك الأقسام السابع: في الرجل يقيمه الإمام يوم لقاء العدو بمكانه من قلب الجيش، ويلبس الإمام لأمته، ويلبس هو لأمة الإمام حياطة على الإمام الثامن: في صاحب المقدمة التاسع: في صاحب الميمنة العاشر: في صاحب الميسرة الحادي عشر: في صاحب الساقة الثاني عشر: في المقدم على الرّماة الثالث عشر: في المقدم على الرّجّالة الرابع عشر: في الوازع الخامس عشر: في صاحب الخيل السادس عشر: في المسرج السابع عشر: في الذي يأخذ بالركاب عند الركوب، وذكر ما جاء في ضم ثياب الفارس في سرجه عند ركوبه الثامن عشر: في الرجل يركب خيل الإمام يسابق بها التاسع عشر: في صاحب الراحلة العشرون: في صاحب البغلة الحادي والعشرون: في القائد الثاني والعشرون: في الحادي الثالث والعشرون: في صاحب السلاح
1 / 27
الرابع والعشرون: في حامل الحربة الخامس والعشرون: في حامل السيف السادس والعشرون: في الصّيقل السابع والعشرون: في الدليل الثامن والعشرون: في مسهل الطريق التاسع والعشرون: في صاحب المظلّة الموفي ثلاثين: في صاحب الثّقل الحادي والثلاثون: في الأمين على الحرم الثاني والثلاثون: في الحارس الثالث والثلاثون: في المتجسس الرابع والثلاثون: في الرجل يتّخذ في دار الحرب ليكتب بالأخبار منها إلى الإمام الخامس والثلاثون: في المخذّل السادس والثلاثون: في صانع السفن السابع والثلاثون: في المستعمل فيها الثامن والثلاثون: في صانع المنجنيق التاسع والثلاثون: في الرامي بالمنجنيق الأربعون: في صنعة الدبابات الحادي والأربعون: في قاطعي الشجر الثاني والأربعون: في حفر الخندق الثالث والأربعون: في صاحب المغانم الرابع والأربعون: في صاحب الخمس الخامس والأربعون: في المبشر بالفتح، وفيه خروج أهل الحضرة إلى لقاء الإمام يهنئونه
1 / 28