الثاني: أن مجموع قوله مع استشهاده بقضية علي رضي الله عنه يقتضي أنه نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه يتصرف خلاف التصرف الجائز، وأنه إنما جاز لعلي أخذ الجارية؛ لأنه لا يصل فيما بعد إلى حقه؛ لعدم القسمة الشرعية، وأنها إنما تقسم جورا.
وهذه جسارة ممن يتعمدها من قبائح الكبائر، وإن لم يتعمدها فصورتها قبيحة، ويا ليت قائلها مثل بغيرها، وما أدري أي سبب أوقعه في الاحتجاج بها في هذا الحكم الذي ادعاه.
ولولا ضرورة خوف الاغترار به، لما تجاسرت على حكايته.
والصواب عندنا في قصة علي رضي الله عنه: أنه ظن أنه يجوز لمن له حق في مال مشترك، الاستبداد بقسمته، وأخذ قدر حقه من غير قسمة إمام ولا اجتماع المستحقين، فأخذ الجارية لنفسه بهذا التأويل.
وعذره النبي صلى الله عليه وسلم في أخذها بهذه الشبهة وقال: ((إن له في الخمس أكثر منها)).
ولا يمتنع خفاء مثل هذا على علي رضي الله عنه؛ فقد خفي عليه وعلى غيره مسائل مثل هذه أو أظهر قبل استقرار الأحكام، ولا نقص عليه في خفاء مثل هذا؛ فإنه ليس مما يدرك بالضرورة، ولا هو مما اشتهر من دين الإسلام في ذلك الوقت.
وليس في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم أقر الجارية لعلي، ولو أقرها كان ابتداء تقرير، لا أنه صحح أخذه أولا.
وليس في الحديث أن عليا وطئها، وأما قوله: ((فأصبح ورأسه يقطر))، فلا يلزم منه أنه وطئها، وكيف يحل اعتقاد أنه وطئها مع وجوب الاستبراء؟
Page 54