فأما أبو جعفر المنصور، فلم يكن يظهر لنديم قط، ولا رآه أحد يشرب غير الماء. وكان بينه وبين الستارة عشرون ذراعًا، وبين الستارة والندماء مثلها؛ فإذا غناه المغني فأطربه، حركت الستارة بعض الجواري، فاطلع إليه الخادم صاحب الستارة فيقول: قل له: أحسنت، بارك الله فيك!؛ وربما أراد أن يصفق بيديه، فيقوم عن مجلسه، ويدخل بعض حجر نسائه، فيكون ذاك هناك، وكان لا يثيب أحدًا من ندمائه وغيرهم درهمًا، فيكون له رسمًا في ديوان. ولم يقطع أحدًا ممن كان يضاف إلى ملهيةٍ أو ضحك أو هزلٍ، موضع قدم من الأرض. وكان يحفظ كل ما أعطى واحدًا منهم عشر سنين، ويحسبه، ويذكره له.
وكان أبو جعفر المنصور يقول: من صنع مثل ما صنع إليه، فقد كافأ، ومن أضعف، كان مشكورًا، ومن شكر، كان كريمًا، ومن علم أن ما صنع، فإلى نفسه صنع، لم يستبطيء الناس في شكرهم، ولم يستزدهم في مودتهم. ولا تلتمس في غيرك شكر ما أتيته إلى نفسك ووقيت به عرضك. وأعلم أن الطالب إليك الحاجة، لم يكرم وجهه عن مسألتك، فأكرم وجهك عن رده.
وكان المهدي في أول أمره يحتجب عن الندماء، متشبهًا بالمنصور نحوًا من سنة، ثم ظهر لهم. فأشار عليه أبو عونٍ بأن يحتجب عنهم، فقال: إليك عني، يا جاهل!
1 / 32