قلت: فعمر بن عبد العزيز؟
قال: ما طن في سمعه حرف غناء، منذ أفضت الخلافة إليه إلى أن فارق الدنيا. فأما قبلها، وهو أمير المدينة، فكان يسمع الغناء، ولا يظهر منه إلا الأمر الجميل. وكان ربما صفق بيديه، وربما تمرغ على فراشه، وضرب برجليه وطرب. فأما أن يخرج عن مقدار السرور إلى السخف، فلا.
في عهد العباسيين: قلت: فخلفاؤنا؟ قال: كان أبو العباس في أول أيامه يظهر للندماء، ثم احتجب عنهم بعد سنة. أشار بذلك عليه أسيد بن عبد الله الخزاعي؛ وكان يطرب ويبتهج ويصيح من وراء الستارة: أحسنت والله! أعد هذا الصوت! فيعاد له مرارًا. فيقول في كلها: أحسنت. وكانت فيه فضيلة لا تجدها في أحد؛ كان لا يحضره نديم ولا مغنٍ ولا ملهٍ، فينصرف، إلا بصلةٍ أو كسوةٍ، قلت أم كثرت.
وكان لا يؤخر إحسان محسنٍ لغدٍ، ويقول: العجب ممن يفرح أنسانًا، فيتعجل السرور، ويجعل ثواب من سره تسويفًا وعدةً؛ فكان في كل يومٍ وليلة يقعد فيه لشغله، لا ينصرف أحد ممن حضره إلا مسرورًا. ولم يكن هذا لعربي ولا عجمي قبله؛ غير أنه يحكى عن بهرام جورٍ ما يقارب هذا.
1 / 31