كانت حلة إلين المفصلة حديثا ضيقة عند المرفقين. أرادت أن تشعر بالمرح الشديد وأن تستمع لهمسه المخرخر في أذنيها، ولكن شيئا جعل وجهها يلزم عبوسا محكما؛ فلم يسعها سوى النظر بعيدا إلى المستنقعات البنية، وملايين النوافذ السوداء في المصانع، وشوارع المدينة الموحلة، والقارب البخاري الصدئ في إحدى القنوات، والحظائر، ولافتات سجائر بول دورهام، وتماثيل علكة سبيرمنت مستديرة الوجوه، التي تتوازى جميعها وتتقاطع مع التجعدات البراقة التي تحدثها الأمطار على النافذة. استقامت الخطوط المتلألئة على النافذة عندما توقف القطار وأخذت في الانحراف أكثر فأكثر مع ازدياد سرعته. دوى صوت العجلات في أذنها ، مرددا محطة تحويل مانهاتن. محطة تحويل مانهاتن. على كل حال، كانت المسافة لا تزال بعيدة على أتلانتيك سيتي. عندما نصل إلى أتلانتيك سيتي ... «أوه، وكان المطر 40 يوما» ... سوف أشعر بالمرح ... «وكان المطر أربعين ليلة» ... لا بد أنني سأشعر بالمرح. «إلين تاتشر أوجليثورب، ذلك اسم جميل للغاية، أليس كذلك يا عزيزتي؟ أوه أسندوني بأقراص الزبيب، أنعشوني بالتفاح فإني مريضة حبا ...»
كانت الأجواء تبعث على الارتياح في حافلة ردهية فارغة على الكرسي الأخضر المخملي، حيث مال جون تجاهها يردد كلاما بلا معنى بينما تمر المستنقعات البنية مسرعة خلف النافذة المخططة بمياه الأمطار وتفوح رائحة كما لو كان محار قد تسلسل إلى العربة. نظرت إلى وجهه وضحكت. اعترت وجهه حمرة إلى منابت شعره الأشقر المحمر. وضع يده في قفازه الأصفر فوق يدها في قفازها الأبيض. «أنت زوجتي الآن يا إلين.» «أنت زوجي الآن يا جون.» ضحكا متبادلين النظرات وهما يستمتعان بالأجواء المريحة للحافلة الردهية الفارغة.
أنذرت اللافتة «أتلانتيك سيتي» التي ظهرت بالأحرف البيضاء تعلوها قطرات الأمطار بانتهاء الرحلة.
نزلت الأمطار كالسوط على الممر المتأنق، وضربت النافذة بهبات كمياه ملقاة من دلو. بعيدا عن المطر، سمعت دوي الأمواج المتقطع بمحاذاة الشاطئ بين أرصفة الميناء المضاءة. استلقت على ظهرها محدقة إلى السقف. بجوارها على السرير الكبير، رقد جون نائما يتنفس بهدوء كطفل وقد ثنى وسادة أسفل رأسه. كانت تتجمد من البرودة. تسللت من السرير بعناية شديدة كي لا توقظه، ونهضت ناظرة من النافذة على أضواء الممر المكونة لحرف
V
طويل. رفعت النافذة. صفعتها الأمطار في وجهها ووخزت جلدها وخزا قاسيا، مبللة ثوب نومها. دفعت بجبهتها أمام الإطار. أوه، أريد أن أموت. أريد أن أموت. كانت كل البرودة التي تمكنت من جسدها تطبق على معدتها. أوه، سأصاب بالإعياء. ذهبت إلى الحمام وأغلقت الباب. شعرت بتحسن عندما تقيأت. ثم صعدت إلى السرير مجددا حريصة على ألا تلمس جون. لو كانت لمسته، لماتت. استلقت على ظهرها ويداها ضاغطتان على جانبيها وقد ضمت قدميها. أصدرت العربة الردهية الفارغة صوت قعقعة مريحا في رأسها أخلدها إلى النوم.
أيقظتها حشرجة الريح على إطارات النافذة. كان جون بعيدا، في الطرف الآخر من السرير الكبير. ومع اندفاع الريح والمطر في النافذة، بدت الغرفة والسرير الكبير وكل شيء كما لو كان يتحرك، يركض إلى الأمام كسفينة هوائية فوق البحر. «أوه، وكان المطر 40 يوما» ... عبر فرجة في العتمة الباردة، قطر اللحن القصير دافئا كالدم ... «وكان المطر 40 ليلة». بحذر مررت يدها في شعر زوجها. جعد وجهه وهو نائم وأن قائلا في صوت صبي صغير جعلها تقهقه: «لا تفعلي.» استلقت مقهقهة في الطرف الآخر البعيد للسرير، قهقهت بشدة كما اعتادت مع الفتيات في المدرسة. ضرب المطر النافذة، وعلا صوت الأغنية حتى غدت كما لو أن فرقة نحاسية تعزفها في أذنيها:
أوه، وكان المطر 40 يوما
وكان المطر 40 ليلة
ولم يتوقف حتى الكريسماس
Unknown page