تجرعا المارتيني وشرعا في تناول المحار. «أتساءل أصحيح أن المحار يتحول إلى جلد في المعدة عندما نشرب معه الكحول .» «لا علم لي ... بالمناسبة يا فيل، كيف حالك مع كاتبة الآلة الكاتبة الشابة التي كنت تواعدها؟» «لقد أنفقت الكثير في الطعام والشراب والمسارح على تلك الفتاة الصغيرة ... إنها ترهقني ... صدقا تفعل ذلك. إنك رجل حصيف يا جورج لبقائك بعيدا عن النساء.»
قال بالدوين ببطء وبصق نواة زيتونة في قبضته المغلقة: «ربما.» •••
كان أول ما سمعاه الصافرة المرتجفة التي أتت من العربة الصغيرة عند الرصيف أمام مدخل العبارة. انفصل صبي صغير عن مجموعة من المهاجرين اصطفت في مبنى محطة العبارات وانطلق إلى العربة الصغيرة.
صاح وهو عائد يركض: «بالتأكيد إنها كمحرك بخاري ومليئة بالفول السوداني.» «ابق هنا يا بادريك.»
أردف تيم هالوران الذي قد أتى لملاقاتهما: «وها هي محطة القطارات السريعة، ساوث فيري. شمالا في هذا الاتجاه متنزها باتري وبولينج جرين، وشارع وول ستريت، والمنطقة المالية ... تقدم يا بادريك، عمك تيموثي سيصطحبك إلى خط الجادة التاسعة.»
لم يتبق سوى ثلاثة أشخاص عند منزل العبارات: امرأة عجوز ذات منديل أزرق على رأسها، وامرأة شابة تضع شالا باللون الأحمر الأرجواني، وكانتا تجلسان على كلا طرفي صندوق كبير محزوم بالحبال ومرصع بمسامير نحاسية، ورجل هرم بشعر ذقن قصير وضارب إلى الاخضرار ووجه ذي خطوط والتواءات كجذر شجرة بلوط ميتة. كانت السيدة العجوز تتأوه بعينين دامعتين، وتقول بالإيطالية: «أين نحن ذاهبون يا سيدتنا العذراء، يا سيدتنا العذراء؟» كانت المرأة الشابة تفتح خطابا ناظرة بعينين طارفتين إلى الكتابة المزخرفة. انتقلت فجأة للرجل الهرم، تعطيه الخطاب وتقول بالإيطالية: «لا أستطيع القراءة.» أخذ يعتصر يديه، مطوحا رأسه، قائلا مرارا وتكرارا شيئا لم تتمكن من فهمه. هزت كتفيها وابتسمت ورجعت إلى الصندوق. كان هناك رجل صقلي ذو سوالف شعر طويلة يتحدث إلى المرأة العجوز. أمسك بالصندوق من حبله وسحبه جانبا إلى عربة نابضية ذات حصان أبيض وقف في الجهة الأخرى من الشارع. تبعت المرأتان الصندوق. مد الصقلي يده للمرأة الشابة. وكانت المرأة العجوز لا تزال تغمغم وتتأوه رافعة نفسها بألم على ظهر العربة. عندما انحنى الصقلي ليقرأ الخطاب، دفع الشابة بكتفه . فتيبست مكانها. قال: «حسنا.» ثم عندما هز اللجام على ظهر الحصان، التفت تجاه المرأة العجوز وصاح قائلا بمزيج من الإيطالية والإنجليزية: «الساعة الخامسة ... حسنا.»
الفصل الرابع
القضبان
أخذ زئير القطار يهدأ مع تباطؤ حركته، أحدثت المصدات صخبا في كل أركانه. أرخى الرجل قضبان الاقتران. كان متيبسا لدرجة أنه لم يكن يستطيع الحركة. كان الظلام حالكا. زحف خارجا ببطء، رافعا نفسه على ركبتيه، ثم على قدميه حتى مال لاهثا على عربة بضائع. لم يكن هذا جسده؛ إذ كانت عضلاته كالخشب المحطم، وعظامه كقضبان ملتوية. سطع مصباح في عينيه على حين غرة. «أنت، اخرج من هنا بسرعة. فمحققو الشركة يطوفون بالساحات.» «أخبرني يا رجل، هل هذه نيويورك؟» «أنت محق. ما عليك سوى أن تتبع مصباحي، يمكنك الخروج بمحاذاة الساحل.»
كادت قدماه تزلان عبر الطرق اللامعة الطويلة على شكل حرف
Unknown page