القبض على قاطعة الطريق المتحررة ... •••
سقطت قطعة من البسكويت الساخن على الصحيفة التي كان يقرؤها هيرف. نظر لأعلى فزعا؛ وكانت ثمة فتاة يهودية سوداء العينين تجلس إلى الطاولة المجاورة تغمز له بعينها. أومأ وأشار لها كما لو كان يخلع قبعة. قال بغلظة وبدأ يأكل البسكويت: «أشكرك أيتها الحورية الجميلة.»
قال الشاب الذي كان جالسا بجوارها، والذي بدا كمدرب ملاكمة محترف، بخوار في أذنها: «هل انتهيت يا عزيزتي؟»
كانت أفواه الجالسين إلى طاولة هيرف مفتوحة ضاحكة. أخذ الفاتورة وقال ليلة سعيدة على نحو غامض وخرج. كانت الساعة فوق مكتب أمين الصندوق تشير إلى الثالثة. كان الناس بالخارج لا يزالون يتجولون حول دوار كولومبوس في بعثرة وضجيج. اختلطت رائحة الأرصفة المعبأة بالمطر مع عوادم السيارات، وكانت أحيانا تهب نفحة من رائحة الأرض الرطبة والعشب النابت في الحديقة. وقف طويلا عند الناصية لا يعرف أي طريق يسلك. كره العودة إلى المنزل في هذه الليالي. شعر بحزن غامض لإلقاء القبض على قاطعة الطريق المتحررة ورفيقها. وتمنى لو كان بمقدورهما الفرار. كان يتطلع لقراءة أخبارهما كل يوم في الصحف. يا لهما من شيطانين مسكينين، هكذا قال لنفسه، ولديهما مولود جديد أيضا.
في هذه الأثناء، بدأت الضوضاء تتصاعد خلفه في مطعم تشايلدز. فرجع ونظر من خلال النافذة إلى الشواية حيث كانت تئز ثلاث كعكات زبد مهجورة. كان الندل يجاهدون لإخراج رجل طويل يرتدي بذلة رسمية. وكان الرجل السميك الفك صديق الفتاة اليهودية التي كانت قد ألقت البسكويت يمنعه أصدقاؤه من التدخل. ثم شق الحارس طريقه عبر الحشد. كان رجلا قصيرا عريض الكتفين ذا عينين متعبتين غائرتين كعيني قرد. بهدوء وبلا اندفاع أطبق على الرجل الطويل. وفي لمح البصر كان قد ألقى به من الباب. بالخارج على الرصيف، نظر الرجل الطويل إلى من حوله مذهولا وحاول التعديل من وضع ياقته. جاءت عربة الشرطة في تلك اللحظة مجلجلة. قفز اثنان من رجال الشرطة خارجين من العربة وسرعان ما ألقيا القبض على ثلاثة إيطاليين كانوا واقفين يتبادلون أطراف الحديث في هدوء عند الناصية. تبادل هيرف والرجل الطويل ذو البذلة الرسمية النظرات، بالكاد تحدثا وسار في غاية الرصانة كل منهما في اتجاه.
الفصل الخامس
عبء نينوى
متسربا في الشفق الأحمر من ضباب تيار الخليج، ضاربا بوق السفينة النحاسي الذي يعوي عبر الشوارع ذات الأصابع المتيبسة، محدقا للعيون الرقراقة الواسعة لناطحات السحاب، ناثرا الرصاص الأحمر على الفخذين ذوي العوارض للجسور الخمسة، مهيجا زوارق السحب ذات المواء دافعا إياها نحو الحرارة تحت أشجار الدخانية المتساقطة في الميناء.
يجعد الربيع أفواهنا، يصيبنا الربيع بقشعريرة هائلة من أثر دوي صافرات الإنذار الراعدة بضجيج مخيف هائل عبر حركة المرور المتوقفة، بين مربعات سكنية متجمدة منتبهة كرءوس أصابع الأقدام.
مشى السيد دينش بياقة معطفه الفضفاض الصوفي مرفوعة حول أذنيه وقبعة إنجليزية كبيرة مسحوبة لأسفل بعيدا فوق عينيه، متوترا جيئة وذهابا على السطح الرطب لسفينة فوليندام. نظر للخارج عبر المطر الكثير الرذاذ على أرصفة الميناء الرمادية ومباني الواجهة البحرية المحفورة في أفق من المرارة التي لا يمكن تصورها. ظل يهمس قائلا لنفسه: رجل محطم، رجل محطم. في النهاية دوت صافرة السفينة للمرة الثالثة. وقف السيد دينش، وأصبعاه في أذنيه، وقد حجبه قارب نجاة، يشاهد صدع المياه القذرة بين جانب السفينة والرصيف يتسع أكثر فأكثر. ارتجف سطح السفينة أسفل قدميه مع تسارع حركة السفينة. بدأت مباني مانهاتن تمر به زاحفة ورمادية كما لو كانت صورة فوتوغرافية. أسفل سطح السفينة، كانت الفرقة الموسيقية تعزف لحن أغنية «أوه تيتين تيتين». العبارات الحمراء، وعبارات السيارات، وزوارق القطر، وصنادل الرمال، والمراكب الشراعية الخشبية، والبواخر الجوالة، كلها انجرفت بينه وبين المدينة الشاهقة المباني المعبأة بالبخار التي جمعت نفسها على شكل هرم وبدأت في الغرق ضبابية في مياه الخليج الخضراء المائلة إلى اللون البني.
Unknown page