تقول كاسي بصوت مرتعش: «شعرت أنه كان علي رؤيتك فحسب ... إنه لأمر رائع ذلك النجاح المذهل الذي حققته. ولقد شعرت يا عزيزتي بشعور رهيب عندما سمعت عن السيد إيميري. لقد بكيت كثيرا، أليس كذلك يا روث؟»
تصيح روث في اللحظة نفسها: «أوه يا لها من شقة جميلة!» ترن أذنا إلين بشكل مثير للاشمئزاز. قالت فجأة بصوت أجش: «لا بد أننا سنموت جميعا وقتا ما.»
تنقر روث الأرضية بقدمها ذات الحذاء المطاطي؛ لمحت عين كاسي وجعلتها تتمتم حتى صمتت. تقول: «أليس من الأفضل أن نذهب؟ الوقت يتأخر بعض الشيء.» «معذرة لدقيقة يا روث.» ركضت إلين إلى غرفة النوم وصفعت الباب. تجلس على حافة حوض الاستحمام تدق على ركبتيها بقبضتيها المطبقتين. هاتان المرأتان ستصيبانني بالجنون. ثم ينفجر التوتر بداخلها، فتشعر بشيء يتدفق منها كماء يسيل من حوض غسيل. تضع بهدوء القليل من أحمر الشفاه على شفتيها.
عندما تعود، تقول بصوتها المعتاد: «حسنا، لنغادر ... هل حصلت على دور بعد يا روث؟» «أتيحت لي الفرصة للذهاب إلى ديترويت مع شركة مساهمة. ولكني رفضتها ... لن أخرج من نيويورك مهما حدث .» «أنا لن أتخلى عن فرصة للابتعاد عن نيويورك ... صدقا لو عرضت علي وظيفة لأغني في فيلم في بلدة مدسين هات أظن أنني سأقبلها.»
تلتقط إلين مظلتها وتنزل النساء الثلاث السلم ثم يخرجن إلى الشارع. تنادي إلين: «تاكسي.»
تفرمل سيارة الأجرة المارة للتوقف. يرتفع الوجه الأحمر الأشبه بوجه الصقر لسائق سيارة الأجرة في ضوء مصباح الشارع. تقول إلين بينما تركب الأخريان: «اتجه إلى مسرح يوجين في شارع 48.» تختلج الأضواء المخضرة والظلام أثناء مرورهن بالنوافذ المضيئة. •••
وقفت وذراعها تتأبط ذراع هاري جولدفايزر في سترته المسائية حذرة فوق درابزين حديقة السطح. الحديقة أسفلهما منبسطة تتلألأ بالأضواء من حين لآخر، ومخططة بضباب من سديم كسماء ساقطة. من خلفهما هبت موسيقى التانجو، ولمحات من الأصوات، وجر أقدام على حلبة الرقص. شعرت إلين بشيء صلب متيبس في فستان سهرتها الأخضر المعدني. «آه ولكن بويرنهاردت، راشيل، دوس، السيدة سيدونز ... لا إلين أنا أقول لك، أتفهمين؟ لا يوجد فن مثل فن المسرح يسمو بهذا العلو المشكل لعواطف الرجال ... لو كان بإمكاني أن أفعل ما أريده لكنا أعظم الناس في العالم. لكنت أعظم ممثلة ... ولكنت أعظم منتج، البناء غير المرئي، هل تفهمين؟ لكن الجمهور لا يريد فنا، فلن يسمح لك سكان هذا البلد بفعل أي شيء من أجلهم. كل ما يريدون هو ميلودراما بوليسية أو مهزلة فرنسية فاسدة تفتقر للمتعة أو مع الكثير من الفتيات الجميلات والموسيقى. حسنا، إن مجال العروض هو إعطاء الجمهور ما يريدون.» «أظن أن هذه المدينة مليئة بالأشخاص الذين يريدون أشياء لا يمكن تصورها ... انظر هناك.» «يكون الوضع حسنا في الليل عندما لا تستطيعين رؤيتها. فلا حس فني، ولا بنايات جميلة، ولا هواء كالأيام الخوالي، هذا ما يعيبها.»
وقفا لبرهة دون أن ينبسا بكلمة. بدأت الأوركسترا بعزف موسيقى الفالس من أوبريت «القناع التنكري البنفسجي». استدارت إلين فجأة إلى جولدفايزر وتحدثت بنبرة فظة. «هل يمكنك فهم امرأة تريد أن تكون بغيا، مشاعا، أحيانا؟» «عزيزتي السيدة الشابة يا له من شيء غريب يصدر فجأة من فتاة جميلة ورائعة وتتلفظ به!» «أظنك مصدوما.» لم تسمع إجابته. شعرت أنها كانت على وشك البكاء. ضغطت بأظافرها الحادة في راحتي يديها، وحبست أنفاسها حتى عدت عشرين. ثم قالت بصوت فتاة صغيرة مختنق: «هاري لنذهب ونرقص قليلا.»
السماء فوق المباني من الورق المقوى كقبة من الرصاص المطروق. كانت ستصبح أقل صلابة لو تساقطت الثلوج. وجدت إلين سيارة أجرة عند ناصية الجادة السابعة، وتركت نفسها تغوص في المقعد فاركة أصابع إحدى يديها الخدرة داخل القفاز براحة اليد الأخرى. «ويست 57 من فضلك.» بوجه قنعه التعب تراقب متاجر الفاكهة، واللافتات، والمباني التي تبنى، والشاحنات، والفتيات، والسعاة، ورجال الشرطة عبر النافذة المترجرجة. إذا ولدت طفلي، طفل ستان، فسيكبر ليخطو متأرجحا في الجادة السابعة تحت سماء ضبابية كالرصاص المطروق لا تشهد الثلج أبدا، مشاهدا متاجر الفاكهة، واللافتات، والمباني التي تبنى، والشاحنات، والفتيات، والسعاة، ورجال الشرطة ... تضم ركبتيها معا ضاغطة إياهما، وتعتدل في جلستها على حافة المقعد ويداها مشبكتان فوق بطنها الممشوق. يا إلهي، يا لها من مزحة خبيثة! لقد تلاعبوا بي؛ فقد أخذوا ستان بعيدا، وأحرقوه، ولم يتركوا لي شيئا سوى هذا الذي ينمو بداخلي والذي سيتسبب في موتي. تنشج في يديها الخدرتين. يا إلهي لماذا لا تثلج السماء؟
بينما كانت تقف على الرصيف الرمادي تتحسس محفظتها بحثا عن فاتورة، تملأ فمها بالحصى الدقيق وقصاصات ورق مغبرة تدور على طول المزراب. وجه عامل المصعد في سواده كقطعة مستديرة من خشب الأبنوس مرصعة بالعاج. «السيدة ستونتون ويلز؟» «أجل يا سيدتي، الطابق الثامن.»
Unknown page