الظَّاهِرَة الَّتِي شنت ببراهينها للقاطعة من اضْطِرَاب النُّفُوس غليلا وعَلى مبايعة ومتابعية الَّذين أعلاهم الله أَعلَى الْمَرَاتِب بأعظم الْوَسَائِل وأولاهم أولى المناقب بأكرم الشَّمَائِل صَلَاة وَسلَامًا لسنة ٥ أدوامها المفترض تَحْويل وَرَضي الله عَن وُلَاة أُمُور الْمُوَحِّدين وحماة حوزة الدّين أَئِمَّة الْإِسْلَام الَّذين صدقُوا مَا هادوا الله عَلَيْهِ وَمَا بدلُوا تبديلا رضوانا يُحِلهُمْ بِهِ منَازِل آنسة من حظائر قدسه فِي جنَّات عدن خير مُسْتَقر وَأحسن ٥ ب مقيلا أما بعد
فقد وضح لِذَوي الدِّرَايَة والعرفان وَثَبت عِنْد أولي الرِّوَايَة بِالدَّلِيلِ والبرهان أَن السلطنة منزلَة عالية مَعْدُودَة من الرتب الْعِظَام المضبوط بهَا مصَالح الْخَواص والعوام وَأَن لعلو فخرها وعلو قدرهَا امتن الله (٦ أ) بهَا على كليمة مُوسَى ﵇ حِين استضعف نَفسه عَن أَدَاء رِسَالَة ربه وَخَافَ أَن لَا ينْهض مُنْفَردا بثقل أعباء مَا أمره الله بِهِ فَسَأَلَ الْحق جلّ وعَلى أَعَادَهُ بإسعافه فِي ذَلِك بأَخيه هَارُون فَقَالَ وَأخي هَارُون هُوَ أفْصح مني لِسَانا فَأرْسلهُ (٦ ب معي ردْءًا يصدقني أَنِّي أَخَاف أَن يكذبُون) فَأَجَابَهُ الله إِلَى سُؤَاله وأجناه من شَجَرَة سؤله ثَمَرَة نواله ومنحه سلطنه يقصر عَن تأميل إِدْرَاكهَا الطالبون وَلَا يقدر على منالها بجد واجتهاد الراغبون فَقَالَ تَعَالَى سنشد عضدك بأخيك ونجعل لَكمَا سُلْطَانا (٧ أَفلا يصلونَ إلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمن اتبعكما الغالبون) وَأَن الأحرى بِمن ارْتَضَاهُ الله لَهَا من خليقته وناط أزمة أمورها نقصا وإبراما بقضية أَن يَأْخُذ نَفسه برعاية أحوالها ويرضوها فِي أفعالها وأقوالها وَيعلم يَقِينا أَنه مَتى قدر على سياسته (٧ ب) نَفسه كَانَ على سياسة غَيره أقدر وَإِذا أهمل أَمر نَفسه كَانَ بإهمال غَيره أَجْدَر كَمَا قيل
(أتطمع أَن يطيعك قلب سعدي ... وتزعم أَن قَلْبك قد عصاكا)
وَقد تزين نفس الْإِنْسَان لَهُ حسن الظَّن بهَا فيعتقد أَنه متصف بمحاسن الْأَخْلَاق (٨ أ) فَيعرض عَن مراعاتها وينقاد بزمام الرضى عَنْهَا إِلَى متابعتها فِي شهواتها فَيبقى وَهُوَ لَا يعلم فِي أسر هَوَاهُ مرتهنا معدودا مِمَّن زين لَهُ سوء عمله فَرَآهُ حسنا فيقوى نَفسه عَلَيْهِ حَتَّى تغلب عقله ويلعب بِهِ هَوَاهُ حَتَّى يستنفد فِي شهواته قَوْله وَفعله ويكشفه (٨ ب) صوارف غفلاته عَن تَأمل إصْلَاح شَأْنه فتنسيه فروعه وَأَصله فَلَا يشْعر إِلَّا وَقد أشرف بِهِ الصلف على التّلف فأغسد أمره كُله فَمَتَى استظهر على هَذِه الْحَالة من مبدأ أمره وَاعْتبر مواقع تزين النَّفس الْمَارَّة بالسوء ببصيرة فكره وَحصر أَسبَاب التزيين (٩ أ) فَقَطعه بشبا صبره وزجر قلبه عَن إتباع هَوَاهُ بموجبات زَجره وقهر نَفسه فانقادت طوع عقله فِي سره وجهره كَانَ خليقا أَن تنْقَلب خلائقه الذاتية حميدة وطرائقه المأتية سعيدة ونظراته فِي تصريف الحركات والسكنات سعيدة (٩ ب) فَلَا جرم تكون دولته دائمة ومدته مديدة وَلَا يدْرك هَذَا الِاسْتِظْهَار بِعَين الْيَقِين إِلَّا إِذا أحَاط علما بِأَسْبَاب التزيين فقطعها بِحَدّ عزمه الْمُبين وَدفعهَا بِحَدّ ذِي الْقُوَّة المتين وانه يتَعَيَّن على من رزقه الله نعْمَة السلطنة وحلاه بعقدها وَأَتَاهُ أزمة حل (١٠ أ) الْأُمُور وعقدها وَجعله نَائِبا فِي حماية بِلَاده ورعاية عباده واليه مَال مرجعها ومردها أَن يصرف عناية اهتمامه المتقنة إِلَى النّظر فِي عشرَة أُمُور وَهِي قَرَار قَوَاعِد الْملك وقطب السلطنة الأول حفظ بَيْضَة الْإِسْلَام (١٠ ب) وَالْقِيَام بحمايته فِي جَمِيع أقطار بِلَاده ونواحي مَمْلَكَته لِئَلَّا يقوى عَلَيْهِ بشوكة كَافِر وَلَا تصل إِلَيْهِ يَد
1 / 24