والجواب: أنه إن أراد تعيين الفرقة الناجية في الواقع فلا إشكال إن من كان من المتقين فهو من الفرقة الناجية، ولكن هذا لا يفيد للعمل بقوله في (ص 9): « تحتم على المسلم أن يبحث عن هذه الفرقة الناجية، حتى ينتظم في سلكها ويأخذ دينه عنها »، إن أراد بهذا القول أنه يجب على المسلم أن يعرف الفرقة الناجية من فرق الأمة الثلاث والسبعين، باعتبارها فرقة ذات نحلة وطريقة تخالف بها سائر الفرق، حتى ينتظم في سلكها في عقائدها ومذاهبها وأعمالها. أما إذا لم يقصد هذا، فلا يحتاج إلى الكلام في افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين كلها هالكة إلا فرقة، وإلى الاحتجاج لذلك بالرواية عن معاوية، وتجشم الكلام في حديث أبي هريرة بالتصحيح لغيره. فالقضية واضحة من دون نظر إلى تعدد الفرق، وهي إن من اتقى الله وآمن به فهو من الناجين، ومن عصاه وتعدى حدوده وتمرد ولم يتب فهو من الهالكين. ودلائل هذا من الكتاب والسنة كثيرة جدا، ويكفي في ذلك سورة العصر. والقضية في هذا قضية مسلمة مفروغ منها، ومذهب الزيدية في هذا معروف، ولا يحتاج فيه إلا إلى معرفة الإيمان والتقوى، دون معرفة افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها هالكة إلا فرقة. أعني لا علاقة له بتعدد الفرق، لأن محصوله أن من كان مؤمنا متقيا فهو من الناجين، ومن كان عدو الله فهو من الهالكين، سواء قلت الفرق أم كثرت بالنظر إلى هذا المعنى، فالخطاب بقوله: « تحتم على المسلم أن يبحث عن هذه الفرقة... » لمن قد عرف أنه لا نجاة إلا بالإيمان والتقوى، فإلزامه بالبحث والنظر في تعيين الفرقة الناجية أمر له بتحصيل الحاصل على تفسيره المذكور للفرقة الناجية، وكذلك قوله: « سواء كان حجازيا أم يمنيا أم شاميا... » إذا أراد به أن البلدان لا تختلف بالنسبة للإيمان والتقوى، لأن الجزاء لا يختلف باختلاف البلدان، فهذا فضول من القول، لأنه أمر مفروغ منه واضح لا إشكال فيه، ولا نزاع، فما معنى تصديره في بحث الفرقة الناجية ؟ وإن أراد به سواء كان حجازيا أم يمنيا أم شاميا، أي على المذهب السائد في الحجاز والمذهب السائد في اليمن والمذهب السائد في الشام، في زمان من الأزمنة التي اختلفت فيها المذاهب في هذه البلدان، فعبارته قاصرة عن إفهام مقصوده، وحينئذ يكون المعنى سواء كان جبريا أم عدليا أم شيعيا أم ناصبيا أم قرمطيا وهذا يصير كلامه متناقضا...
بيان أهل الحديث وأنهم أهل البيت(عليهم السلام)
ثم قال مقبل: « وأقرب الناس ممن تنطبق عليه هذه الصفات هم أهل الحديث ».
Page 36