وهناك طريقة لمعرفة الحديث، وهي تعدد الطرق، وكثرة الأسانيد، مع عدم مخالفة أقوى منه، وبشرط أن لا يكون مما تكثره سياسة دولية أو تعصب مذهبي، فإنه قد يطمئن القلب إلى صحة الحديث لتعدد طرقه، فيقوم ذلك مقام شهرة الرجل، واطمئنان القلب إلى أنه ثقة في الحديث الثابت بسند رجاله ثقات، وطريق توثيقهم أو بعضهم الشهرة. والمقصود الأصلي هو معرفة السنة بأي وسيلة حصلت، فظهر بهذا أن طريق السنة لم تنسد، وأنه لا ضرورة لتقليد القطانية يحيى بن سعيد القطان وتلاميذه، مثل: أحمد وابن معين، وعمرو بن علي وتلاميذهم، مثل: البخاري ومسلم وأبي داود وتلاميذهم السالكين طريقتهم ومن تبعهم في ذلك. فكيف يقلدهم مقبل، ويدعو إلى تقليدهم، ويدعي أن ذلك هو العلم وأن تركه جهل ؟ وهو يتلو الآية الكريمة قول الله تعالى: ] اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون [(1)[19]) فيرد الأحاديث المشهورة والقوية عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)تقليدا.. مثل بعض حديث الثقلين كما يأتي، ومثل « أنا مدينة العلم وعلي بابها »(2)[20]) ومثل حديث السفينة(3)[21])، ويتبع أسلافه في تأويل القرآن لأجل حديث يعتقدون أنه صحيح، فيتأولون القرآن ويعتمدون الحديث بناء على أصلهم الفاسد: « أن السنة حاكمة على القرآن ». فهم قد عدلوا عن العمل بالقرآن من حيث لا يعلمون، ومقبل يتخذهم أولياء فيعمل بنفس الطريقة تقليدا لهم، فيترك العمل بالقرآن في هذه الصورة، لأنه اتخذهم أولياء من دونه يحولون بينه وبين العمل بالقرآن بأصولهم الفاسدة.
وهذا الاحتجاج يستدعي بسطا وتحقيقا، يأتي إن شاء الله تعالى. والغرض هنا التذكير بأنه يرمي غيره بدائه ويقول ما لا يفعل، كما أنه يعرض بخصومه أنهم مثل اليهود ومنافقون حيث يرميهم، أو يعرض بأن خصومه يقبلون من الفتوى ما وافق هواهم ويعرضون عما خالفه، فيقول في ( ص 5 ): « من الناس من يستفتي أهل العلم، فإن كانت الفتوى توافق هواه قبلها، وإلا أعرض عنها، وهذه صفة من صفات اليهود ». ويقول في ( ص 6 ): « فالأخذ بما يوافق الهوى من الفتوى من صفات المنافقين ». ومقبل مع ذلك يعمل بما وافق هواه من فتاوى أئمته، ويعرض عما يعارض هواه. وتفصيل ذلك يتبين فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
* * *
المبحث الثالث في بيان الفرقة الناجية
قال مقبل ( ص 9 ): وقد جاء الكتاب والسنة ببيان الفرقة الناجية. قال الله سبحانه: ] والعصر * إن الإنسان [ وأتم السورة. وقال تعالى: ] قد أفلح المؤمنون [ وأتم الآيات إلى قوله تعالى: ] هم فيها خالدون [(1)[22]). ثم قال: وروى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: « كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل: ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى »(2)[23]) فمن توفرت فيه هذه الصفات في سورة العصر والمؤمنون والحديث فهو من الفرقة الناجية، سواء كان حجازيا أم يمانيا، أم شاميا أم من أي بلدة كان.
Page 34