أقوال العلماء في الحديث المرسل
قال ابن الوزير في « تنقيح الأنظار » في منع قبول المراسيل وذلك في ( ص 304 ): وقد يروي عن المجروح متقويا به وهو معتمد في العمل على عموم أو قياس أو على الأصل، ولو لم يكن معه إلا الحديث الذي رواه لم يستجز العمل، أقصى ما في الباب أن تجويز هذا ضعيف عند الناظر فيه، لكنا قد رأينا العلماء والثقات يذهبون إلى مذاهب ضعيفة، ولأجل تجويز ذلك عليهم امتنع جواز تقليد المجتهد لهم بعد اجتهاده....فسمى العمل بالمرسل بفتح السين تقليدا للمرسل بكسر السين . واعترضه الشارح ابن الأمير في ( ص 305 ) بأنه قد تقدم له أن قبول خبر الثقات ليس بتقليد.
والجواب: أن حقيقة التقليد هو اتباع الغير من دون اعتماد على حجة، فأما قبول الرواية فلا يسمى اتباعا له، إنما يسمى قبولا لخبره أو تصديقا . والفرق بينهما من جهة المعنى، أن التقليد يكون اعتمادا على دعوى المتبوع المبنية على رأيه، أو ترجيحه، أو نظره، ومثل هذا لا يكفي فيه أن يكون المتبوع من أهل الصدق في الأخبار والحفظ، بل يحتاج إلى ترجيح إصابته في رأيه مع صدقه في الرواية.
أما قبول الخبر،فيكفي فيه أن يكون الراوي من أهل الصدق والحفظ، فحيث يقول الراوي: هذا حديث صحيح مع ذكره للسند، ونحن لا نعرف السند إلا بتصحيحه له، يكون كمن حذف السند وقال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأخبرنا أنه صح عنده سندا ومتنا، فكيف يجب قبول الأول دون الثاني ؟ وكيف لا يكون اتباعه فيهما مع الجهالة بأصوله في التصحيح والجرح والتعديل تقليدا فيهما ؟ مع أن أكثرها نظريات تختلف فيها الأنظار، فإذا لم يجز قبول المرسل لاحتمال أن المرسل وثق بمن لا يوثق به عندنا، فكذلك تصحيح المسند الذي لا نعرف صحة سنده نحن، وإنما نعتمد على قوله إنه صحيح، لأن المعنى واحد فيهما.
Page 24