قلت: وأشار إلى هذا المعنى محمد بن إبراهيم الوزير في ( الروض الباسم ) حيث قال في الذب عن أحمد بن حنبل: ورد قول القائل أن التشبيه مستفيض عن الإمام أحمد بن حنبل، فقال في الجواب عنه: ومنها أن العدد الكثير قد يغلطون في رواية المذهب وإن لم يتعمدوا الكذب، فلا يحصل العلم بخبرهم، لأن شرط التواتر الكثرة المفيدة للعلم، وذلك لا يكون إلا إذا أخبروا عن علم ضروري دون ما أخبروا عن ظن أو استدلال، ولكنه يحتمل في المخبرين عن الإمام أحمد أنهم ألزموه ذلك بطريق نظرية استدلالية، فلا يفيد خبرهم التواتر....
فقوله: « بطريق نظرية استدلالية » يفيد أن الجرح يكون رأيا ومذهبا لا رواية خالصة، فالاتباع فيه بدون حجة هو تقليد لا مجرد قبول رواية.
وأشار ابن الوزير إلى هذا المعنى أيضا، حيث قال في ( الروض الباسم ) في سياق الذب عن أبي حنيفة ورد قول المعترض « أنه قد رمي بالقصور في علمي العربية والحديث » فأجاب في ذلك وذكر: أنه يقبل المجهول، وبين وجه ذلك في ( ص 151 و152 ) ثم قال: المحمل الثاني: أن يكون ضعف أولئك الرواة الذين روى عنهم مختلفا فيه، ويكون مذهبه وجوب قبول حديثهم وعدم الاعتداد بذلك التضعيف ، إما لكونه غير مفسر لسبب أو لأجل مذهب أو غير ذلك. وقد جرى ذلك لغير واحد من العلماء والحفاظ، بل لم يسلم من ذلك صاحبا الصحيح، كما قدمنا ذلك، وكذلك أئمة هذا العلم....
فأشار بقوله: « إما لكونه غير مفسر لسبب » أنه يكون الخلاف فيما يعد سببا للجرح، فيكون سببا عند الجارح، وهو غير سبب عند غيره، فلا يقبل الجرح المطلق مع هذا الاحتمال.
Page 19