Tahqiq al-Qawl fi Amal bi-Hadith al-Da'if
تحقيق القول بالعمل بالحديث الضعيف
Publisher
الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة
Edition Number
(السنة السابعة عشر - العددان السابع والستون والثامن والستون)
Publication Year
رجب - ذو الحجة ١٤٠٥هـ.
Genres
تحقيق القول بالعمل بالحديث الضعيف
د. عبد العزيز عبد الرحمن بن محمد العثيم أستاذ مساعد بكلية الدعوة وأصول الدين جامعة أم القرى
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضِل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا
أما بعد:-
فإن أوّل أصول التشريع وأجلها هو القرآن الكريم، الذي هو كلام الله وسنة رسوله ﷺ التي هي وحي كذلك قال تعالى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ ١وقد وصلت السنة المطهرة إلينا من طرق مختلفة صحة وضعفًا.
ورغم ما بذله أساطين هذه الأمة من جهود مضنية حيال السنة فقد بقي جزء منها لم تثبت صحته بل ثبت ضعفه وهو متفاوت الضعف فمنه ما اشتد ضعفه ومنه ما قرب ضعفه. وهذا القسم اختلفت فيه آراء العلماء في العمل به قديمًا وحديثًا فمن قائل بجواز العمل به مطلقًا، ومن مانع لذلك، ومنهم من فصَّل فيه واشترط له شروطًا.
وكنت إذا سمعت القول بجواز العمل بالحديث الضعيف أخذت أتساءل هل نحن بحاجة إلى مثل هذا، وبين أيدينا كتاب الله وما ثبت من سنة رسول الله ﷺ التي حوت كلَّ ما تحتاج إليه هذه الأمة من أمور دينها ودنياها قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ ٢ فأحببت أن أجمع شتات هذه المسألة من بطون الكتب ومن أقوال الأئمة ثم أحقق القول فيها، وأرجح ما أراه راجحًا إذا عضده الدليل مع
_________
١ النجم: الآية ٣- ٤.
٢ المائدة الآية ٣.
1 / 9
مناقشة ما خالف ذلك مناقشة علميّة مبنية على الحجج والبراهين. وسأتكلم على العمل بالحديث الضعيف المتفق على ضعفه، وإن كان مختلف فيه فعلى رأي من قال بضعفه لا على رأي من قال بصحته. وجعلته على خمسة أبواب:
الباب الأول: الأحاديث الواردة في الكذب على رسول الله ﷺ وبيان معنى الكذب والوعيد الوارد في ذلك. وقد استفتح كلامي على هذا الموضوع بهذا الباب لأن الحديث الضعيف الباقي على تلك الصفة لا يزال احتمال عدم ثبوته قائمًا فالعمل به وهو على تلك الصفة يؤيد ثبوته فيكون للعامل به نصيب من الكذب.
الباب الثاني: تعريف الحديث الضعيف وأنواعه.
الباب الثالث: وجوب معرفة الحديث الصحيح من الضعيف.
الباب الرابع: رواية الأحاديث الضعيفة.
الباب الخامس: العمل بالحديث الضعيف.
والله أسأل أن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني وقارئه بما فيه، ويعفو عن ما صدر من خطأ أو زلل إنه جواد كريم.
1 / 10
الباب الأول الأحاديث الواردة في الكذب على رسول الله ﷺ وبيان معنى الكذب والوعيد الوارد في ذلك:
وردت أحاديث في وعيد من كذب على النبي ﷺ، ومن أجل ذلك كان بعض الصحابة يتحرج من التحديث خوفًا من الوقوع في الكذب عليه - صلوات الله وسلامه عليه - كالزبير بن العوام وأنس وأبو قتادة وعثمان بن عفان وصهيب١ ﵃. واستفتح البحث في هذا الموضوع بإيراد بعض الأحاديث المتضمنة لوعيد من كذب على رسول الله ﷺ مما أخرجه الشيخان أو أحدهما، وأشير إلى الأحاديث التي لم يخرجاها.
١- عن علي ﵁: قال قال النبي ﷺ: "لا تكذبوا عليَّ، فإنه من كذب عليّ فليلج النار"٢.
٢- وعن أنس بن مالك ﵁ قال: "إنه ليمنعني أن أحدثكم حديثًا كثيرًا أن النبي ﷺ قال: "من تعمد عليَّ كذبًا فليتبوأ مقعده من النار"٣.
٣- وعن أبي هريرة ﵁: عن النبي ﷺ قال: "تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي، ومن رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار"٤.
٤- وعن المغيرة بن شعبة ﵁ قال: سمعت النبي ﷺ يقول: "إن كذبًا عليَّ ليس ككذبِ على أحد، من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار"٥.
٥- وعن عبد الله بن الزبير قال قلت للزبير: "إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله ﷺ كما يحدث فلان وفلان؟ قال: أما أني لم أفارقه ولكن سمعته يقول: "من كذب عليَّ فليتبوأ مقعده من النار"٦.
٦- وعن عبد الله بن عمرو ﵄: أن النبي ﷺ قال: "بلغوا عني ولو آية،
_________
١ مقدمة الكامل: ١/ ١٧
٢ صحيح البخاري: العلم، باب آثم من كذب على النبي ﷺ فتح الباري ١/١٩٩- ٢٠٢
٣ انظر ما أشير إليه في هامش ٢
٤ انظر ما أشير إليه في هامش ٢
٥ صحيح البخاري: الجنائز، باب ما يكره من النياحة على الميت فتح الباري ٣/ ١٦٠ وصحيح مسلم: المقدمة
باب تغليظ الكذب على رسول الله ﷺ ١/٩- ١٠
٦ صحيح البخاري: العلم، باب آثم من كذب على النبي ﷺ فتح الباري ١/ ٢٠٠
1 / 11
وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار"١.
٧- وعن سلمة ﵁: قال:" سمعت النبي ﷺ يقول: "من يقل عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار"٢.
٨- وعن واثلة بن الأسقع ﵁ يقول:" قال رسول الله ﷺ: "إن من أعظم الفرى أن يدعى الرجل إلى غير أبيه، أو يري عينه ما لم تر، أو يقول على رسول ﷺ ما لم يقل"٣.
٩- وعن أبي سعيد الخدري ﵁: "أن رسول الله ﷺ قال: "لا تكتبوا عني، ومن كتب عنيٍ غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليّ- قال همام- أحسبه متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار"٤.
١٠- وعن سمرة بن جندب ﵁ قال: "قال رسول الله ﷺ: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين"٥.
أحاديث أخرى لم ترد في الصحيحين:
وهناك أحاديث أخرى ليست في الصحيحين، وهي صحيحة أو حسنة أو ضعيفة متفاوته في ضعفها.
قال الحافظ ابن حجر ﵀: "وصح أيضًا في غير الصحيحين من حديث عثمان بن عفان وابن مسعود وابن عمر وأبي قتادة وجابر وزيد بن أرقم، وورد بأسانيد حسان من حديث طلحة ابن عبيد الله وسعيد بن زيد وأبي عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص ومعاذ بن جبل وعقبة بن عامر وعمران بن حصين وابن عباس وسلمان الفارسي ومعاوية بن أبي سفيان ورافع بن خديج وطارق الأشجعي والسائب بن يزيد وخالد بن عرفطة وأبي أمامة وأبي قرصافه وأبي موسى الغافقي وعائشة ﵃ فهؤلاء ثلاث وثلاثون نفسًا من الصحابة٦ وورد أيضًا عن نحو من خمسين غيرهم بأسانيد ضعيفة، وعن نحو من عشرين آخرين بأسانيد ساقطة"٧.
_________
١ صحيح البخاري أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بنى إسرائيل فتح الباري٦/٤٩٦
٢ صحيح مسلم: الزهد والرقائق، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم ٢/٢٢٩٨صحيح البخاري: العلم، باب إثم مر كذب على النبي ﷺ فتح الباري١/ ٢٠١
٣ صحيح البخاري. المناقب،،باب... فتح الباري٦/ ٥٤٠
٤ صحيح مسلم: الزهد والرقائق، باب التثبت في الحديث وحكم كتابة العلم ٢/٢٢٩٨
٥ صحيح مسلم. المقدمة، باب وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين - ١/ ٩
٦ قلت: هو كما قال إلا أنه لم يذكر حديث سمر ة بن جندب الذي أحرجه مسلم في مقدمة صحيحه فبذكره يكون العدد أربعة وثلاثين كما هنا.
٧ فتح الباري ١/٢٠٣
1 / 12
ثم قال: "وقد اعتنى الحفاظ بجمع طرق هذا الحديث فذكر من جمعهم من الحفاظ مبتدأ بعلي بن المديني ثم ذكر بعده عددًا من الحفاظ ممن جمع طرق هذا الحديث إلى أن قال: وتحصل من مجموع ذلك كله رواية مائة من الصحابة على ما فصلته من صحيح وحسن وضعيف وساقط مع أن فيها ما هو في مطلق ذم الكذب عليه من غير تقييد بهذا الوعيد الخاص، ونقل النووي١ أنه جاء عن مائتين من الصحابة، ولأجل كثرة طرقه أطلق عليه جماعة أنه متواتر"٢.
بيان معنى الكذب:
والكذب: خلاف الصدق
قال الصغاني: "تركيب الكذب يدل على خلاف الصدق وتلخيصه أنه لا يبلغ نهاية الكلام في الصدق"٣.
وقال النووي: "الكذب فهو عند المتكلمين من أصحابنا الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو عمدًا كان أو سهوًا هذا مذهب أهل السنة". وقالت المعتزلة: "شرطه العمدية"، ودليل خطاب هذه الأحاديث لنا فإنه قيده ﷺ بالعمد لكونه قد يكون عمدًا وقد يكون سهوًا مع أن الإجماع والنصوص المشهورة في الكتاب والسنة متوافقة متظاهرة على أنه لا إثم على الناسي والغالط فلو أطلق ﷺ الكذب لتوهم أنه يأثم الناسي أيضًا فقيده وأما الروايات المطلقة فمحمولة على المقيدة بالعمد٤ والله أعلم.
ومعنى "لا تكذبوا عليَّ" قال الحافظ٥: "هو عام في كل كاذب، مطلق في كل نوع من الكذب. ومعناه - لا تنسبوا الكذب إليَّ، ولا مفهوم لقوله "عليَّ" لأنه لا يتصور أن يكذب له لنهيه عن مطلق الكذب. وقد اغتر قوم من الجهلة فوضعوا أحاديث في الترغيب والترهيب، وقالوا: نحن لم نكذب عليه، بل فعلنا ذلك لتأييد شريعته، وما دروا أن تقويله ﷺ ما لم يقل يقتضي الكذب على الله تعالى، لأنه إثبات حكم من الأحكام الشرعية، سواء كان في الإيجاب أو الندب، وكذا مقابلهما وهو الحرام والمكروه. ولا يعتد بمن خالف ذلك من الكراهية حيث جوزوا وضع الكذب في الترغيب والترهيب في تثبيت ما ورد في القرآن والسنة
_________
١ شرح النووي على صحيح مسلم: ١ / ٩٢
٢ انظر ما أشير إليه في هامش٢ وراجع نظم المتناثر من الحديث المتواتر ص ٢٠
٣ عمدة القاري: ٢/ ١٤٦
٤ شرح النووي على صحيح مسلم ١/٩٣
٥ فتح الباري: ١/١٩٩- ٠ ٢٠ وراجع فتح المغيث ١/ ٢٤٤
1 / 13
واحتج بأنه كذب له لا عليه. وهو جهل باللغة العربية. وتمسك بعضهم بما ورد في بعض طرق الحديث من زيادة لم تثبت وهي ما أخرجه البزار١ وأبو نعيمِ٢ قال البزار: حدثنا عبد الله بن سعيد ثنا يونس بن بكير ثنا الأعمش عن طلحة بن مصرف عن عمرو بن شرحبيل عن عبد الله عن النبي ﷺ قال: "من كذب عليّ ليضل به الناس ... " الحديث. وقد اختلف في وصله وإرساله ورجح الدارقطني٣ والحاكم٤ إرساله.
قال الهيثمي٥ في سند البزار: "رجاله رجال الصحيح".
قلت: فيه يونس بن بكير من رجال مسلم لكنه صدوق يخطئ٦ وقد وهم في سند هذا الحديث في موضعين.
قال الحاكم: "يونس بن بكير واهم في إسناد هذا الحديث في موضعين: أحدهما أنه أسقط بين طلحة بن مصرف وعمرو بن شرحبيل أبا عمار.
والآخر أنه وصل بذكر عبد الله بن مسعود، وغير مستبدع من يونس بن بكير الوهم"٧
وقال أبو نعيم: "هذا حديث غريب من حديث طلحة والأعمش، لم يروه مجودًا مرفوعًا إلا يونس بن بكير"٨.
قلت: فدل هذا على أنه لم يصله بذكر ابن مسعود بالزيادة المذكورة غيره.
وأخرجه الدارمي٩ من حديث يعلي بن مرة وهو من طريق عمر بن عبد الله بن يعلي بن مرة عن أبيه عن جده وعمر قال الحافظ: فيه ضعيف١٠.
قلت: حاله أسوأ مما قاله الحافظ١١.
_________
١ كشف الأستار: ١/ ١١٤.
٢ حلية الأولياء: ٤/٤٧ا.
٣ ١لعلل ٤/ لوحه ٩.
٤ المدخل ٩٩.
٥ مجمع الزوائد: ١/ ١٤٤.
٦ لتقريب ٦١٣.
٧ انظر هامش ٥.
٨ حلية الأولياء: ٤/١٤٧ترجمة عمرو بن شرحبيل
٩ سنن الدارمي: المقدمة: باب إلقاء الحديث عن النبي ﷺ والتثبت فيه ١/٧٦
١٠ التقريب ٤١٤
١١ راجع التهذيب: ٧/ ٤٧
1 / 14
وعلى تقدير ثبوته فليست اللام فيه للعلة بل للصيرورة كما فسر قوله تعالى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ ١.
والمعنى أن مآل أمره إلى الإضلال، أو هو من تخصيص بعض أفراد العموم بالذكر فلا مفهوم له كقوله تعالى: ﴿لا تَأْكُلُوا الرِّبا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾ ٢ و﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ﴾ ٣ فإن قتل الأولاد، ومضاعفة الربا، والإضلال في هذه الآيات إنما هو لتأكيد الأمر فيها لا لاختصاص الحكم٤.
قال القاري: "وبهذا يندفع زعم من جوز وضع الأحاديث للتحريض على العبادة كما وقع لبعض الصوفية الجهلة في وضع أحاديث في فضائل السور وفي الصلوات الليلية والنهارية وغيرها والأظهر أن تعديته بعلي لتضمين معنى الإفتراء"٥.
قلت: وحمل بعضهم حديث "من كذب عليَّ" على من قال في حقه ﷺ ساحر أو مجنون مستدلين على ذلك بحديث أخرجه الطبراني٦ عن أبي أمامة قال: قال رسول الله ﷺ: "من كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده بين عيني جهنم فشق ذلك على أصحابه، فقالوا: يا رسول الله نحدث عنك بالحديث نزيد وننقص؟ قال: ليس ذا أعنيكم إنما أعني الذي يكذب علي متحدثًا يطلب به تشقيق الإسلام" وأخرجه الحاكم٧.
قال الحاكم فيه: "حديث باطل والحمل فيه على محمد بن الفضل بن عطية وهو ساقط"٨وقال ابن حجر: "فيه كذبوه"٩.
قال الترمذي: "سألت عبد الله بن عبد الرحمن أبا محمد عن حديث النبي ﷺ: "من حدث عني حديثًا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" قلت له: من يروي حديثًا وهو يعلم أن إسناده خطأ، أتخاف أن يكون قد دخل في حديث النبي ﷺ أو إذا روى الناس حديثًا مرسلًا فأسنده بعضهم، أو قلب إسناده يكون قد دخل في هذا الحديث؟ فقال: لا. إنما
_________
١ الأنعام الآية، ١٤٤.
٢ آل عمران: الآية، ١٣٠.
٣ الإسراء: الآية، ٣١.
٤ فتح الباري: ١/ ٢٠٠ وراجع فتح المغيث ١/ ٢٤٤.
٥ تحفة الأحوذى: ٣/ ٢ ٣٧
٦ المعجم الكبير:٨/١٥٥.
٧ المدخل: ٩٦.
٨ المدخل: ٩٦.
٩ التقريب ٥٠٢.
1 / 15
معنى هذا الحديث إذا روى الرجل حديثًا ولا يعرف لذلك الحديث عن النبي ﷺ أصل فحدث به فأخاف أن يكون قد دخل في هذا الحديث"١.
قال ابن حجر٢: "فإن قيل الكذب معصية، إلا ما استثنى في الإصلاح وغيره، والمعاصي قد توعد عليها بالنار فما الذي امتاز به الكاذب على رسول الله ﷺ من الوعيد على من كذب غيره فالجواب عنه من وجهين:
أحدهما: أن الكذب عليه يكفر متعمده عند بعض أهل العلم، وهو الشيخ أبو محمد الجويني، لكن ضعفه ابنه إمام الحرمين ومن بعده.
وقال ابن المنير إلى اختياره، ووجهه بأن الكاذب عليه في تحليل حرام مثلًا لا ينفك عن استحلال ذلك الحرام أو الحمل على استحلاله، واستحلال الحرام كفر. والحمل على الكفر كفر. وفيما قاله نظر لا يخفى. والجمهور على أنه لا يكفر إلا إذا اعتقد حل ذلك.
الجواب الثاني: أن الكذب عليه كبيرة، والكذب على غيره صغيرة فافترقا ولا يلزم من استواء الوعيد في حق من كذب عليه، أو كذب على غيره أن يكون مقرهما واحد أو طول إقامتهما سواء، فقد دل قوله ﷺ " فليتبوأ " على طول الإقامة فيها، بل ظاهره أنه لا يخرج منها لأنه لم يجعل له منزلًا غيره إلا أن الأدلة القطعية قامت على أن خلود التأبيد مختص بالكافرين.
وقد فرق النبي ﷺ بين الكذب عليه وبن الكذب على غيره كما في حديث المغيرة بن شعبة المتقدم " أن كذبًا عليَّ ليس ككذب على أحد".
وقال السخاوي مشيرًا إلى حديث سمرة المتقدم: "وكفى بهذه الجملة وعيدًا شديدًا في حق من روى الحديث وهو يظن أنه كذب فضلًا أن يتحقق ذلك ولا يبينه لأنه ﷺ جعل المحدث بذلك مشاركًا لكاذبه في وضعه"٣.
والكذب على الله تعالى وعلى رسوله بالجملة معلوم تحريمه من الدين ضرورة فإن القرآن مملوء بذلك في حقه تعالى والسنة في حق رسوله ﷺ ولأن الإفتراء على الرسول افتراء على الله عز وجل٤
_________
١ جامع الترمذي: العلم، باب تعظيم الكذب على رسول الله ﷺ (تحفة الأحوذي ٣/٣٧٤) .
٢ فتح الباري ١/٢٠٢.
٣ القول البديع ٢٥٦.
٤ راجع تنقيح الأقطار وشرحه توضيح الأفكار ٢/٨٥.
1 / 16
بيان معنى فليتبوأ: فليتبوأ: أي فليتخذ لنفسه منزلًا، يقال تبوأ الرجل المكان إذا اتخذه سكنًا، وهو أمر بمعنى الخبر، أو بمعنى التهديد، أو بمعنى التهكم، أودعا على فاعل ذلك: أي بوأه الله ذلك١.
وقال الكرماني٢:يحتمل أن يكون الأمر حقيقة، والمعنى من كذب فليأمر نفسه بالتبؤ ورجح أنه أمر بمعنى الخبر. ووافقه الحافظ ابن حجر عليه٣ مستدلًا بحديث ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: "إن الذي يكذب عليَّ يبنى له بيت في النار"٤.
الباب الثاني وجوب معرفة الحديث الصحيح من الضعيف يجب على المشتغل في الحديث النبوي الشريف، أن يبذل قصارى جهده في معرفة الحديث الصحيح من غيره، إذا كان من أهل الصناعة، حتى يتبين له الحديث الصحيح الذي تتوفر فيه شروط الصحة أو الحُسْن المعروفة من ضبط وعدالة واتصال وسلامة من شذوذ وعلة من الحديث الذي لا يتوفر فيه ذلك أو بعضه. وإن لم يكن من أهل الصناعة فعليه أن يتعرف على ذلك من مظانه، كالكتب المشهود لها بالصحة، أومن أقوال العلماء المعتبرين في هذا الفن، حتى لا يتعرض للوعيد الشديد الصادر من فيه صلوات الله وسلامه عليه، المتقدم ذكره، إذا نسب حديثًا إلى رسول الله ﷺ وهو منه براء، إذا لم يرد من وراء ذلك بيان حاله لأنه يترتب على الأحاديث الأحكام الشرعية والأمور العلمية، فإذا كان الحديث ضعيفًا كيف يسوغ أن ينسب ذلك القول إلى رسول الله ﷺ وهو لم يصدر عنه. والإشتغال في تمييز الحديث الضعيف من الصحيح أولى من الإشتغال في تمييز الصحيح من الحسن أو العكس لأن كلا القسمين من المقبول، ويعمل بهما إلا إن احتيج إلى ذلك عند التعارض للترجيح. وقد نهض أئمة هذا الشأن ببيان حال أكثر الأحاديث من صحة أو ضعف أو وضع _________ ١ فتح الباري ١/ ٢٠١. ٢ راجع شرح الكرماني ٢/ ١١٣. ٣ فتح الباري ١/ ٢٠١. ٤ سيأتي تخريجه وبيان درجته في صفحة ٢٧.
الباب الثاني وجوب معرفة الحديث الصحيح من الضعيف يجب على المشتغل في الحديث النبوي الشريف، أن يبذل قصارى جهده في معرفة الحديث الصحيح من غيره، إذا كان من أهل الصناعة، حتى يتبين له الحديث الصحيح الذي تتوفر فيه شروط الصحة أو الحُسْن المعروفة من ضبط وعدالة واتصال وسلامة من شذوذ وعلة من الحديث الذي لا يتوفر فيه ذلك أو بعضه. وإن لم يكن من أهل الصناعة فعليه أن يتعرف على ذلك من مظانه، كالكتب المشهود لها بالصحة، أومن أقوال العلماء المعتبرين في هذا الفن، حتى لا يتعرض للوعيد الشديد الصادر من فيه صلوات الله وسلامه عليه، المتقدم ذكره، إذا نسب حديثًا إلى رسول الله ﷺ وهو منه براء، إذا لم يرد من وراء ذلك بيان حاله لأنه يترتب على الأحاديث الأحكام الشرعية والأمور العلمية، فإذا كان الحديث ضعيفًا كيف يسوغ أن ينسب ذلك القول إلى رسول الله ﷺ وهو لم يصدر عنه. والإشتغال في تمييز الحديث الضعيف من الصحيح أولى من الإشتغال في تمييز الصحيح من الحسن أو العكس لأن كلا القسمين من المقبول، ويعمل بهما إلا إن احتيج إلى ذلك عند التعارض للترجيح. وقد نهض أئمة هذا الشأن ببيان حال أكثر الأحاديث من صحة أو ضعف أو وضع _________ ١ فتح الباري ١/ ٢٠١. ٢ راجع شرح الكرماني ٢/ ١١٣. ٣ فتح الباري ١/ ٢٠١. ٤ سيأتي تخريجه وبيان درجته في صفحة ٢٧.
1 / 17
وأصَّلوا أصولًا متينة، وقعدوا قواعد رصينة، من أتقنها وتضلع بمعرفتها أمكنه أن يعلم درجة أي حديث ولو لم ينصوا عليه وذلك هو علم أصول الحديث أو مصطلح الحديث.
قال الحافظ ابن حجر: "السبيل لمن أراد الإحتجاج بحديث من السنن الأربعة لا سيما سنن ابن ماجة ومصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق مما الأمر فيه أشد، أو بحديث من المسانيد لأن هذه لم يشترط جامعوها الصحة والحسن: أنه إن كان أهلًا للنقل والتصحيح فليس له أن يحتج بشيء من القسمين حتى يحيط به. وإن لم يكن أهلًا لذلك فإن وجد أهلًا لتصحيح أو تحسين قلّده، وإلا فلا يقوم على الإحتجاج كحاطب ليل، فلعله يحتج بالباطل وهو لا يشعر"١.
ونحو ذلك قال زكريا الأنصاري في فتح الباقي شرح ألفية العراقي٢.
وقال ابن تيمية: "المنقولات فيها كثير من الصدق وكثير من الكذب، والمرجع في التمييز بين هذا وهذا إلى علم الحديث، كما نرجع إلى النحاة في الفرق بين نحو العرب وغير نحو العرب، ونرجع إلى علماء اللغة، فيما هو من اللغة وما ليس من اللغة، وكذلك علماء الشعر والطب وغير ذلك فلكل علم رجال يعرفون به، والعلماء بالحديث أجل قدرًا من هؤلاء وأعظمهم صدقًا، وأعلاهم منزلة وأكثر دينًا وهم من أعظم الناس صدقًا وأمانة وعلمًا وخبرة فيما يذكرونه من الجرح والتعديل"٣.
فعلى هذا يجب التحري في كل حديث حتى تتبين حاله. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ ٤.
ومن المعلوم أن حجة الله ﷿ على عباده إنما هي الكتاب والسنة لا غير، إلا اللهم ما استنبطه العلماء منهما: فالقرآن تكفل الله ﷿ بحفظه كما قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ ٥.
وأما السنة المطهرة فلم يتكفل بحفظها كالقرآن لحكمة يعلمها، ولهذا قد أدخل فيها ما لم يكن منها، فالإعتماد عليها مطلقًا، ونشرها دون تمييز أو تحقيق يؤدي حتمًا إلى تشريع ما لم يأذن به الله. وفاعل ذلك قد لا يسلم من الوقوع في المحظور الذي هو الكذب على
_________
١ المرقاة شرح المشكاة ١/ ٢١.
٢ فتح الباقي: ١/ ١٠٦، ١٠٧.
٣ منهاج السنة النبوية ٤/ ١٠.
٤ ١لحجرات: الآية ٦.
٥ الحجر: الآية ٩.
1 / 18
رسول الله ﷺ، فقيض الله ﷿ للأمة رجالًا أمناء، يقظين، مخلصين، قاوموا الوضاعين وتتبعوهم، ومازوا الغثه من السمن، ولولا الجهود المضنية التي بذلها الصحابة، والتابعون وعلماء الأمة من بعدهم لاشتبه على كثيرين من الناس بعض أمور دينهم لكثرة ما اختلقه من الكذب الوضاعون، ونسبوا إلى رسول الله ﷺ زورًا وبهتانًا.
فصانوا كلام رسول الله ﷺ منا أن يكون مطية لأهل الأهواء.
وقد كان بعض كبار التابعين، إذا سمعوا الحديث عن رسول الله ﷺ من غير الصحابة فزعوا إلى من عندهم من الصحابة ليتثبتوا عن ذلك الحديث، وكذلك شأن في صغار التابعين، يفزعون إلى من عندهم من كبار التابعين كل ذلك ليثبت١.
وهكذا أسهمت جهود العلماء في هذا المضمار بتكوين علم الجرح والتعديل، الذي أرسى قواعده وأسسه الصحابة والتابعون وأتباعهم، وقد ظهر في كل عصر عدد كبير من النقاد تكفل ببيان أحوال الرواة، ونقل السنة وحفظها على أسلم القواعد العلمية. ثم ما لبث أن صنف العلماء المؤلفات الضخمة في الرواة وأقوال النقاد فيهم، حتى أنه لم يعد يختلط الكذابون والضعفاء بالعدول الثقات٢.
قيل لابن المبارك: "هذه الأحاديث الموضوعة؟ فقال: تعيش لها الجهابذة"٣.
وقال مسلم: "فلولا الذي رأينا من سؤ صنيع كثير ممن نصب نفسه محدثًا فيما يلزمهم من طرح الأحاديث الضعيفة والروايات المنكرة، وتركهم الإقتصار على الأحاديث الصحيحة المشهورة مما نقله الثقات المعروفون بالصدق والأمانة، بعد معرفتهم وإقرارهم بألسنتهم أن كثيرًا مما يقذفون به إلى الأغبياء من الناس هو مستنكر، ومنقول عن قوم غير مرضيين ممن ذم الرواية عنهم أئمة الحديث، مثل مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج وسفيان ابن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم من الأئمة لما سهل علينا الإنتصاب لما سألت من التمييز والتحصيل، ولكن من أجل ما أعلمناك من نشر القوم الأخبار المنكرة بالأسانيد الضعاف المجهولة وقذفهم بها إلى العوام الذين لا يعرفون عيوبها خف على قلوبنا إجابتك إلى ما سألت".
وقال في موضع آخر: "ولا أحسب كثيرًا ممن يُعَرِّج من الناس على ما وصفنا من هذه
_________
١ أصول الحديث علومه ومصطلحه ٤٢٨.
٢ أصول الحديث علومه ومصطلحه ٤٣٠.
٣ الجرح والتعديل: ٢/ ١٨ وتدريب الراوي ١٨٤.
1 / 19
الأحاديث الضعاف والأسانيد المجهولة، ويعتد بروايتها بعد معرفته بما فيها، من التوهن والضعف - إلا أن الذي يحمله على روايتها والإعتداد بها إرادة التكثر بذلك عند العوام، ولأن يقال ما أكثر ما جمع فلان من الحديث وألَّف من العدد، ومن ذهب في العلم هذا المذهب، وسلك هذا الطريق فلا نصيب له فيه. وكان بأن يسمى جاهلًا، أولى من أن ينسب إلى علم"١.
وقد لا يسلم الإنسان من الوقوع في المهالك إذا لم تكن عنده الخبرة التامة في معرفة الأحاديث، أو يعتمد في ذلك على من اعترف له بالإمامة في هذا الشأن.
أخرج مسلم٢ بسنده عن أبي هريرة رضي الله. عنه قال: قال رسول الله ﷺ: "كفى بالمرء كذبًا أن يحدث بكل ما سمع".
ومن أجل ذلك قال مالك: "ليس يسلم رجل حدث بكل ما سمع، ولا يكون إمامًا أبدًا وهو يحدث بكل ما سمع"٣
وقال عبد الرحمن بن مهدي: "لا يكون الرجل إمامًا يقتدى به حتى يُمسك عن بعض ما سمع"٤
وقال: "إن العالم إذا لم يعرف الصحيح والسقيم من الحديث لا يسمى عالمًا"٥.
وقال الإمام أحمد وإسحاق بن راهوية: "أن العالم إذا لم يعرف الصحيح والسقيم والناسخ والمنسوخ من الحديث لا يسمى عالمًا"٦.
وقال الثوري: "اتقوا الكلبي قال فقيل له: فإنك تروي عنه؟ قال: أنا أعرف صدقه من كذبه"٧.
قال أبو عوانة: "لما مات الحسن البصري ﵀، اشتهيت كلامه فتتبعته عن أصحاب الحسن، فأتيت به أبان بن أبي عياش فقرأه عليَّ كله عن الحسن، فما استمل أن أروي عنه شيئًا"٨.
_________
١ المقدمة ٢٨
٢ صحيح مسلم. المقدمة، باب النهى عن الحديث بكل ما سمع ص ١٠.
٣ مقدمة صحيح مسلم ص ١١
٤ مقدمة صحيح مسلم ص ١١ وراجع الجرح والتعديل ٢/٣٥
٥ الأباطيل والمناكير ص ١٢
٦ معرفة علوم الحديث ص.٦
٧ شرح علل الترمذي لابن رجب ص١٠٣
٨ شرح علل الترمذي لابن رجب ص ١٠٣
1 / 20
وقال عبد الرحمن بن مهدي: "لإن أعرف علة حديث هو عندي أحب إلي من أن أكتب عشرين حديثًا ليست عندي"١.
قال يحيى بن سعيد: "سألت شعبة وسفيان بن سعيد وسفيان بن عيينة ومالك بن أنس عن الرجل لا يحفظ أو يتهم في الحديث قال: قالوا جميعًا: بين أمره"٢ فكل من كان متهمًا في الحديث بالكذب أو كان مغفلًا يخطئ الكثير فالذي اختاره أكثر أهل الحديث من الأئمة أن لا يشتغل بالرواية عنه ألا ترى أن عبد الله بن المبارك حدث عن قوم من أهل العلم فلما تبين له أمرهم ترك الرواية عنهم٣..
_________
١الأباطيل ١/ ١١
٢ الجرح والتعديل ٢/ ٢٤
٣ شرح علل الترمذي ص ١٠٤
الباب الثالث تعريف الحديث الضعيف وأنواعه تعريفه: عرفه ابن الصلاح بأنه هو: "كل حديث لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحديث الحسن"٤ وعرفه ابن دقيق العيد٥ بأنه: "هو ما نقص عن درجة الحسن"٦ وهذا هو التعريف المختار. لأن ما لم تجتمع فيه صفات الحسن فهو من الصحيح أبعد٧ ولأنه لو اختلت بعض صفات الصحيح كخفة الضبّط مثلًا لا يكون ضعيفًا وإنما يكون حسنًا٨. والأولى من ذلك أن يقال في تعريفة: هو ما لم تتوفر فيه صفات القبول٩وأنواع الحديث الضعيف كثيرة منها ما يعود إلى اتصال السند ومنها ما لا يعود إلى اتصال السند وإنما إلى أسباب متعددة تكون في السند أو المتن أو فيهما معًا. وأنواعه كثيرة أوصلها ابن حبان إلى تسعة وأربعين نوعًا. وبلغ بها العراقي إلى إثنين وأربعين وبلغ بها غيرهما إلى ثلاثة وستين نوعًا، وزاد آخرون على هذا العدد١٠. _________ ٤ المقدمة ص ٢٠ ٥ الإقتراح: ص ١٧٧ ٦ الإقتراح: ص ١٧٧ ٧ راجع تدريب الراوي ١٠٥ والنكت على كتاب ابن الصلاح٤٩١ ٨ راجع تدريب الراوي ١٠٥والنكت على كتاب ابن صلاح ٤٩١ ٩ النكت ٤٩٢ ٧٤ راجع التدريب ١٠٥
الباب الثالث تعريف الحديث الضعيف وأنواعه تعريفه: عرفه ابن الصلاح بأنه هو: "كل حديث لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحديث الحسن"٤ وعرفه ابن دقيق العيد٥ بأنه: "هو ما نقص عن درجة الحسن"٦ وهذا هو التعريف المختار. لأن ما لم تجتمع فيه صفات الحسن فهو من الصحيح أبعد٧ ولأنه لو اختلت بعض صفات الصحيح كخفة الضبّط مثلًا لا يكون ضعيفًا وإنما يكون حسنًا٨. والأولى من ذلك أن يقال في تعريفة: هو ما لم تتوفر فيه صفات القبول٩وأنواع الحديث الضعيف كثيرة منها ما يعود إلى اتصال السند ومنها ما لا يعود إلى اتصال السند وإنما إلى أسباب متعددة تكون في السند أو المتن أو فيهما معًا. وأنواعه كثيرة أوصلها ابن حبان إلى تسعة وأربعين نوعًا. وبلغ بها العراقي إلى إثنين وأربعين وبلغ بها غيرهما إلى ثلاثة وستين نوعًا، وزاد آخرون على هذا العدد١٠. _________ ٤ المقدمة ص ٢٠ ٥ الإقتراح: ص ١٧٧ ٦ الإقتراح: ص ١٧٧ ٧ راجع تدريب الراوي ١٠٥ والنكت على كتاب ابن الصلاح٤٩١ ٨ راجع تدريب الراوي ١٠٥والنكت على كتاب ابن صلاح ٤٩١ ٩ النكت ٤٩٢ ٧٤ راجع التدريب ١٠٥
1 / 21
والحاجة لا تدعو هنا إلى تعداد أنواع الحديث الضعيف لأنها مبسوطة في كتب علوم الحديث. وهذه الأنواع متفاوتة الضعف ويمكننا حصر ذلك التفاوت في ثلاثة أقسام:
الأول: الموضوع وهو أشر أنواع الضعيف، وما قيل في إسناده كذاب أو وضاع.
الثاني: أخف من سابقه قليلًا، لكنه شديد الضعف، وهو ما قيل فيه متهم أو مجمع على تركه أو ضعفه أو ذاهب الحديث أو هالك أو منكر أو ساقط أو ليس بشيء أو ضعيف جدًا.
الثالث: الضعيف الذي ينجبر بمثله، وهو ما كان في سنده سيئ الحفظ أوله أوهام أو يهم أو مدلس معنعن أو مختلط أو ما قيل فيه ضعيف فقط أو لم أر فيه توثيقًا ونحو ذلك.
تنبيه: وفائدة هذا التقسيم هو معرفة ما ينجبر ومالا ينجبر فالقسم الأول والثاني لا ينجبران بالمتابعة، ولا ينتفعان بالشواهد إلا ما قيل في قرب ضعفه كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
وأما الثالث فهو بعكس ذلك، وهو الذي وقع الخلاف فيه بالعمل به في حال تفرده، في فضائل الأعمال، كما ذهب إليه بعض الأئمة، وسيأتي بيان الحق فيه إن شاء الله وسنتكلم على كيفية رواية الأحاديث الواقعة في هذه الأقسام في الباب الرابع.
الباب الرابع رواية الأحاديث الضعيفة الأحاديث الضعيفة تنقسم بالنسبة إلى روايتها إلى قسمين: أحاديث صالحة للإعتبار. وأحاديث اشتد ضعفها، لا تصلح للإعتبار بها، إلا على قول من قال: إن شديدة الضعف يعضد بعضها البعض الآخر حتى يقرب ضعفها، وتكون بمجموعها بمثابة طريق ضعيف صالح للمتابعة. وبهذا يظهر أن للحديث أصلًا، فإذا أتى الحديث من طريق آخر، أو عن صحابي آخر وضعفه يسير اعتضدا، وعمل بما فيها لأنه أصبح من قسم الحسن لغيره١. فالقسم الأول: إما أن يكون مسندًا أو غير مسند. _________ ١راجع فتح المغيث ١/ ٧١ وقواعد التحديث ١٠٩.
الباب الرابع رواية الأحاديث الضعيفة الأحاديث الضعيفة تنقسم بالنسبة إلى روايتها إلى قسمين: أحاديث صالحة للإعتبار. وأحاديث اشتد ضعفها، لا تصلح للإعتبار بها، إلا على قول من قال: إن شديدة الضعف يعضد بعضها البعض الآخر حتى يقرب ضعفها، وتكون بمجموعها بمثابة طريق ضعيف صالح للمتابعة. وبهذا يظهر أن للحديث أصلًا، فإذا أتى الحديث من طريق آخر، أو عن صحابي آخر وضعفه يسير اعتضدا، وعمل بما فيها لأنه أصبح من قسم الحسن لغيره١. فالقسم الأول: إما أن يكون مسندًا أو غير مسند. _________ ١راجع فتح المغيث ١/ ٧١ وقواعد التحديث ١٠٩.
1 / 22
والمسند إما أن يكون في فضائل الأعمال، والترغيب والترهيب والقصص وما أشبه ذلك، وإما أن يكون في الأحكام أو في العقائد.
فإن كانت مسندة وكانت في فضائل الأعمال وما في معناها جازت روايتها على قول كثير من الأئمة ولو لم تبين حالها، لأنه يُحتاج إليها للإعتبار بها عند ما يرد طريق آخر أو حديث آخر عن صحابي آخر صالح للمتابعة فعندئذ يكون ما اشتمل عليه من أقسام المقبول ويعمل به.
ولأنه لو لم تنقل لتعطل جزء كبير من السنة عن العمل به. وتقدم قول الحافظ ابن حجر١ أن أهل السنن الأربعة لا سيما سنن ابن ماجة، وأهل المصنفات، والمسانيد لم يلتزموا الصحة والحسن.
ففرق بين رواية الحديث الضعيف وبين العمل به. فالأحاديث الضعيفة موجودة في بطون دواوين السنة لا سيما عند من لم يلتزم الصحة٢.
قال أحمد في رواية عباس الدوري عنه - ابن إسحاق رجل تكتب عنه هذه الأحاديث يعني المغازي ونحوها وإذا جاء الحلال والحرام أردنا قومًا هكذا وقبض أصابع يده الأربع٣.
وقال النوفلي: "سمعت أحمد بن حنبل يقول: إذا روينا عن رسول الله ﷺ في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد، وإذا روينا عن النبي ﷺ في فضائل الأعمال، وما لا يضع، حكمًا أو يرفعه، تساهلنا في الأسانيد"٤.
وقال الميموني: "سمعت أبا عبد الله يقول: أحاديث الرقاق يحتمل أن يتساهل فيها حتى يجئ شئ فيه حكم"٥.
وكان أبو زكريا العنبري يقول: "الخبر إذا ورد لم يحرم حلالًا ولم يحل حرامًا ولم يوجب حكمًا، وكان في ترغيب أو ترهيب أو تشديد أو ترخيص وجب الإغماض عنه والتساهل في رواته"٦.
وقال البيهقي في المدخل عن ابن مهدي: "إذا روينا عن النبي ﷺ في الحلال والحرام
_________
١انظر باب وجوب معرفة الحديث الصحيح والضعيف ص ١٧
٢ الأجوبة الفاضلة ٥٦.
٣ فتح المغيث ١/٢٦٧.
٤ الكفاية: ٢١٣ وراجع فتح المغيث ١/٢٦٧.
٥ المصدر السابق.
٦ الكفاية ٢١٣.
1 / 23
والأحكام شددنا في الأسانيد وانتقدنا في الرجال، وإذا روينا في الفضائل والثواب والعقاب سهلنا في الأسانيد وتسامحنا في الرجال"١.
وممن رُوي عنه ذلك السفيانان وابن معين وابن المبارك٢.
وقال ابن عبد البر: "أحاديث الفضائل لا نحتاج فيها إلى من يحتج به"٣.
وأما إذا كانت في الأحكام والعقائد فلا تروى وإذا كانت مسندة إلا مع بيان حالها، ولم ينقل عن أحد التساهل فيها.
قال ابن الصلاح: "يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة من غير اهتمام ببيان ضعفها فيما سوى صفات الله ﷿ وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما وذلك كالمواعظ وقصص وفضائل الأعمال وسائر فنون الترغيب والترهيب وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد"٤.
ونحو ذلك قال النووي٥ والعراقي٦.
وإذا لم تكن في الأحكام والعقائد وكانت غير مسندة، فإنها لا تروى بصيغ الجزم، بل تروى بصيغ التمريض، لا سيما عند عدم بيان حالها.
قال ابن الصلاح: "إذا أردت رواية الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه قال رسول الله ﷺ كذا وكذا، وما أشبه هذا من الألفاظ الجازمة بأنه ﷺ قال ذلك، وإنما تقول فيه روي عن رسول الله ﷺ كذا وكذا، أو بلغنا عنه كذا وكذا، أو ورد عنه، أو جاء عنه، أو روى بعضهم، وما أشبه ذلك.
وهكذا الحكم فيما تشك في صحته وضعفه وإنما تقول قال رسول الله ﷺ فيما ظهر لك صحته"٧.
لكن هذا الأمر لا يقال أعني نسبة الحديث الضعيف إلى رسول الله ﷺ بصيغة التمريض إلا عند العلماء، أما عند طلاب العلم المبتدئين، أوفي المجالس العامة أو على
_________
١ فتح المغيث ١ / ٢٦٧ هذا النص مما سقط من المدخل للبيهقي نبه على ذلك محققه انظر ص ٧٧.
٢ فتح المغيث ١ / ٢٦٧ وراجع التبصرة والتذكرة ١/ ٢٩١.
٣ جامع بيان العلم وفضله ٢٢.
٤ المقدمة ٩٤٩وراجع التقريب للنووي ١٦٩.
٥ التقريب ١٩٥، ١٩٦.
٦ ألفية العراقي مع شرحها للسخاوي ١/٢٦٦.
٧ المقدمة ٤٩.
1 / 24
رؤوس المنابر، فلا ينبغي الإكتفاء بذلك، لأنهم إذا سمعوا التلفظ برسول الله ﷺ ظنوا أنه حديث صحيح لجهلهم بقواعد علم الحديث وحصول هذا كثير مشاهد١.
ويؤيده قول علي- ﵁ "حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله"٢.
والأولى الإحتياط في ذلك كله، ما دام الحديث ضعيفًا فلا يروى أو ينقل إلا مقرونًا ببيان حاله من غير تمييز بين ما كان في الأحكام والعقائد، وما كان في فضائل الأعمال.
ولهذا كان بعض الأئمة كابن خزيمة٣ إذا روى حديثًا ضعيفًا بسنده قال: حدثنا فلان مع البراءة من عهدته، وربما قال هو والبيهقي "إن صح الخبر"٤.
قال الشيخ أحمد شاكر ﵀: "والذي أراه أن بيان الضعف في الحديث الضعيف واجب على كل حال لأن ترك البيان يوهم المطلع عليه، أنه حديث صحيح، خصوصًا إذا كان الناقل من علماء الحديث الذي يرجع إلى قولهم في ذلك"٥.
وقال الترمذي: "وقد روى غير واحد من الأئمة عن الضعفاء وبينوا أحوالهم"٦
قال الشاطبي: "ولو كان من شأن أهل الإسلام الأخذ بكل ما جاء عن كل ما جاء لم يكن لانتصابهم للتعديل والتجريح معنى، مع أنهم قد أجمعوا على ذلك، ولا كان لطلب الإسناد معنى يتحصل"٧.
القسم الثاني: ما اشتد ضعفه، على اختلاف أنواعه، بأن يكون لوضاع أم متروك أو ما أشبه ذلك.
وقد كثرت الأحاديث التي من هذا القبيل، وانتشرت في بطون الكتب، ككتب التفاسير والسير والترغيب والترهيب وغيرها.
وقد أوجدت لغايات مختلفة وأغراض متباينة، منها عدم الدين كما وقع من بعض الزنادقة، والعصبية المذهبية، والأحوال السياسية، والأغراب لقصد الإشتهار، والتقرب إلى
_________
١ راجع مقدمة صحيح الترغيب والترهيب ص ٢١.
٢صحيح البخاري: العلم، باب من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية أو لا يفقهوا فتح الباري١/٢٢٥
٣راجع صحيح ابن خزيمة: ٤/٢٦٣، ٣٥١.
٤فتح المغيث: ١/٢٦٧.
٥الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ٩١.
٦شرح علل الترمذي: ١٠٣.
٧هذا الكلام وتتمته مورد في صفحة ٥٤- ٥٥.
1 / 25
الله بوضع الأحاديث بزعمهم، وما وضع للتكسب به كالقصاص، ومن ذلك أيضًا ما وقع خطأ من بعض المغفلين من الصوفية، وضعفاء الحفظ، ممن لا عناية لهم بالحديث.
وهذا الأمر مستمر متجدد في كل عصر، فيجب على علماء هذا الشأن بيان وجه الحق فيما ينسب إلى رسول الله ﷺ من الأحاديث لا سيما التي لم يسبق لها بيان، ويخشى من عدم ثبوتها.
فالأحاديث التي من هذا القبيل لا تجوز روايتها مسندة، أو غير مسندة، إلا على جمعة بيان حالها، لخطورة أمرها، لأن روايتها من غير بيان حالها تفصيلًا أو جملة، يؤدي إلى الكذب على رسول الله ﷺ نص على ذلك ابن الصلاح١ والنووي٢ وابن حجر٣ وغيرهم.
قال النووي٤: "تحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعًا أو غلب على ظنه وضعه، فمن روى حديثًا علم أو ظن وضعه ولم يبين حال رواية وضعه فهو داخل في هذا الوعيد، مندرج في جملة الكاذبين على رسول الله ﷺ ويدل عليه الحديث "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين".
وقال: أنه لا فرق في تحريم الكذب عليه ﷺ بين ما كان في الأحكام وما لا حكم فيه كالترغيب والترهيب والمواعظ وغير ذلك، فكله حرام من أكبر الكبائر وأقبح القبائح بإجماع المسلمين الذين يعتد بهم في الإجماع خلافًا للكراهية إلى أن قال وخالفوا صريح هذه الأحاديث المتواترة والأحاديث الصريحة المشهورة في إعظام شهادة الزور وخالفوا إجماع أهل الحل والعقد وغير ذلك من الدلائل القطعيات في تحريم الكذب على آحاد الناس فكيف بمن قوله شرع وكلامه وحي"!!
وإذا نظر إلى قولهم وجد كذبًا على الله تعالى فإن الله تعالى قال: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾ ٥.
قال الشافعي: "إذا كان الحديث عندك كذبًا فحدثت به فأنت أحد الكاذبين"٦.
وقد تقدم بعض الأحاديث المحذرة من ذلك وبيان وعيده.
_________
١المقدمة: ٤٧.
٢التقريب المطبوع مع التدريب ١٧٨
٣نزهة النظر ٤٧.
٤ شرح النووي ١/٩٥، ٩٦
٥ النجم: الآية:٣
٦ تحذير الخواص ١٣٢
1 / 26
ولا يجوز نشر الحديث التي من هذا القبيل وروايتها دون التثبت من صحتها، وأن من فعل ذلك فهو حسبه من الكذب على رسول الله ﷺ وهو مشارك في الإثم لواضعه أو كاذبه، لأن من كذب على رسول الله ﷺ لا يشترط في حقه تعمد الكذب أو عدمه١ وقد تقدم سؤال الترمذي للدارمي عن حكم هذه المسألة ٢.
دل على هذا الحديث ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: "أن الذي يكذب عليَّ يبنى له بيت في النار" أخرجه أحمد٣ والشافعي٤ والبزار٥ والحاكم٦ والبيهقي٧ والخطيب٨.
وصحح الحافظ مسند الإمام أحمد وذكر مرة أخرى بأنه من الأحاديث الصحيحة٩ الواردة في هذا المقام.
وحدث عثمان بن عفان ﵁ عن النبي ﷺ قال: "من قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار".
أخرجه الطيالسي١٠ وأحمد١١ والبزار١٢ والطحاوي١٣ والحاكم١٤ وصححه الحافظ ابن حجر١٥.
قلت: فيه عند هؤلاء عبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد١٦ ولم يتبين لي هل رُوي عنه هذا الحديث قبل ذلك أم بعده. وتصحيح الحافظ له إما لعلمه بأن عبد الرحمن حفظه أو أن له متابعًا لم أقف عليه.
_________
راجع المدخل ٩١.
٢ انظر الفصل الأول ص ١١
٣ المسند: ٢/٢٢، ١٠٣،١٤٤.
٤ الرسالة: ٣٩٦.
٥ كشف الأستار: ١/ ١١٤.
٦ المدخل: ٩٢.
٧ معرفة السنن والآثار: ٤٥- ٤٦.
٨ تاريخ بغداد: ٣/٢٣٨ ترجمة محمد بن محمد أبو منصور.
٩فتح الباري: ١/٢٠١،٢٠٣.
١٠ منحة المعبود: ١/٣٨.
١١ المسند:١/٦٥.
١٢ كثف الأستار: ١/١١٣.
١٣ شكل الآثار: ١/ ١٦٦.
١٤ المدخل ٩٢.
١٥ فتح الباري: ١/٢٠٣.
١٦ التقريب: ٣٤٠.
1 / 27
وحديث واثلة بن الأسقع ﵁ قال: "إن من أفرى الفري من قولني ما لم أقل". أخرجه البخاري وقد تقدم.
ويؤدي مع ذلك إلى العمل عند جهلة الناس كما نسمع من بعض الناس في بعض الأحيان إذا سئلوا عن عمل استدلوا عليه بحديث، فإذا نظر ذلك الحديث وجد أنه من الموضوعات.
ولما سئل السيوطي ﵀ عن حديث موضوع استغفر الله ﷿ قبل إيراده وبعد إيراده وقال: "علي ذلك ولولا الضرورة إلى حكايته لأجل بيان أنه كذب ما حكيته" ثم قال بعد بيان بطلانه: "لا تحل روايته ولا ذكره وخصوصًا بين العوام والسوقة والنساء"١.
وابن حجر لما أورد حديثًاُ لأبي الدرداء في فضل صيام أيام من رجب قال: "وهذا حديث موضوع ظاهر الوضع قبح الله من وضعه فوالله لقد قف شعري من قراءته في حال كتابته فقبح الله من وضعه، ما أجرأه على الله وعلى رسوله"٢.
فظهر بهذا أنه لا تجوز رواية الأحاديث التي لا أصل لها إلا مقرونة ببيان حالها لئلا يغتر بها، ولأنه لو سكت عن ذلك مع العلم به لكان آثمًا، وكان له نصيبه من الكذب على رسول الله ﷺ.
قال مسلم- بعد بحث عن وجوب الكشف عن معائب رواة الحديث وذكر أقوال الأئمة في ذلك: "- إنما ألزموا أنفسهم الكشف عن معائب رواة الحديث، وناقلي الأخبار وأفتوا بذلك حين سئلوا لما فيه من عظيم الخطر إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليل أو تحريم أو أمر أو نهي أو ترغيب أو ترهيب فإذا كان الراوي لها ليس بمعدن للصدق والأمانة ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه ولم يبين ما فيه لغيره ممن جهل معرفته كان آثمًا بفعله ذلك غاشًا لعوام المسلين إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو يستعمل بعضها ولعلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها، مع أن الأخبار الصحاح من رواية الثقات وأهل القناعة أكثر من أن يضطر إلى نقل من ليس بثقة ولا مقنع"٣.
قال أبو بكر بن خلاد: "قلت ليحيى بن سعيد آما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت
_________
١ تحذير الخواص ٧٢.
٢ تبيين العجب بما ورد في فضائل رجب ص ٣١.
٣ مقدمة صحيح مسلم١/٢٨.
1 / 28