الحاجة إلى الشريعة
لعلنا لا نعدو الحقيقة، إذا قلنا: إن الشرائع أمر ضروري للبشرية جمعاء؛ لما جبلت عليه النفوس البشرية من التَّنَافس والتَّسَابق في أمور كثيرة، قد يؤدي التعارض فيها إلى كثير من الآلام والمصاعب.
إن النفس البشرية مبنية على إدراك اللذائذ ودفع الآلام، وقد تتعارض اللذائذ والآلام، فما فيه لَذَة قوم قد يكون فيه إيلام لغيرهم، ولو قام شخص ما ليحكم في استيفاء لذائذه وإزاحة آلامه، لاستأثر باللذائذ الأقوياء، وأدى ذلك إلى الاختلال وعدم التوازن بين مصالح الناس.
لذا وضعت الشرائع قوانين للمعاملات والجنايات؛ لكي تمكن الناس من استيفاء حقوقهم.
وليس كل ما فيه ألم يستحق أن يُدْفع، ولا كل ما فيه لذة يجب أن يُجْلَب؛ فقد يجد الشخص في المشقة سعادة ما ويلتذ بالراحة؛ كالمريذ تلذْ له بعض المطعومات، ولكنها تسوق إلى منيته، ويشمئز من بعض الأطعمة وفيها غنيمة شفائه.
يقول الحقُ ﵎: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢١٦].
فالمعتبر إذًا لواضع الشريعة إنما هو اللذة التي نطلق عليها اسم المنفعة أو المصلحة، والألم الذي نطلق عليه اسم المضرة أو المفسدة.
وتتفاوت هذه المنافع بحسب شدتها وضعفها، وطول بقائها وقصره، وبحسب ما تنتجه من نتائج.
والشريعة الإسْلاَمية العادلة هي مِيزَانُ المنافع والمضار، وهي التي تلاحظ ما يتفرع عنها من النتائج، ثم تفرض لها من الأحكام ما يطابقها ويلائمها.
1 / 5