لما بين تعالى في الفاتحة الصراط المستقيم، بين أن ذلك هو الكتاب المنزل عليك، فقال تعالى: (الم) قيل: اسم للسورة، عن الحسن وزيد بن أسلم وأبي علي، وقيل: اسم للقرآن، عن قتادة، وهذا جائز؛ لأن أسماء الأعلام منقولة للتفرقة بين المسميات، فمتى لم يرد بها معنى الأصل، فهي على جهة النقل، وقد جاء في أسمائهم حارثة بن أويس بن لام، ولا خلاف بين النحويين أن لك أن تسمي بحروف الجمل، وكل كلمة لم تكن على معنى الأصل فهي منقولة، كقولك: زيدا، إذا لم ترد به الزيادة كان منقولا إلى العلم، ولا يقال: لو أريد بها التسمية لم يسم بها سورا كثيرة؛ لأن هذا موجود في أسماء الألقاب، فيسمى خلق زيدا، ثم يتميز بشيء آخر يتصل به، كذلك هذا يتميز بما ينضم إليه فيقال: الم ذلك، و(الم الله)، قال الحسن: سمعت السلف يقولون: إنها أسماء السور ومفاتيحها. وقيل: إنه إشارة إلى حروف المعجم، وتنبيه بأنه تعالى أنزل كتابه من هذه. الحروف، وأنتم تتكلمون بها، فإذا عجزتم عن الإتيان بمثله دل على أنه كلام الله تعالى وأنه معجز، ويجوز أن يذكر حرف ويراد جميع الحروف، قال الشاعر: لما رأيت أنها في حطي ... أخذت منها بقرون شمط وأراد أبجد، فعرفه ببعض كلماته عن المبرد وأبي مسلم وجماعة. وقيل: إنه تعالى علم أن طائفة من هذه الأمة تقول بقدم القرآن، فأشار تعالى بهذه الحروف إلى أن كلامه من هذه الحروف دال بذلك أنه مسموع محدث غير قديم [*]، عن أبي بكر الزبيري، وقيل: إنه علامة يعلم بها انقضاء سورة وافتتاح سورة بعدها، عن ثعلب، وقيل: هو قسم أقسم الله بهذه الحروف المعجمة لشرفها، ولأنها مباني الكتب المنزلة، والألسن المختلفة، وأسمائه الحسنى، وأصول كلام الأمم، بها يتعارفون، عن الأخفش. وقيل: لما تواطأ الكفار ألا يسمعوا القرآن، ويلغوا فيه، أحدث الله تعالى هذه الحروف التي لم يكن لهم بها عهد ليسمعوا، ثم يأتي الكلام بعدها، فيكون حجة عليهم، عن أبي علي وقطرب وأبي روق. وقيل: إنه اختصار كلام يفهمه المخاطب، كقول الشاعر: قلت لها قفي فقالت قاف أي: وقفت، عن ابن العباس والزجاج وجماعة، ثم اختلفوا فقيل: الألف من الله، واللام من لطيف، والميم من ملك، وقيل: الألف من الله، واللام من جبريل، والميم من محمد، عن ابن عباس، وروي عنه: معناه: أنا الله أعلم، وقيل: الألف آلاؤه، واللام لطفه، والميم ملكه، عن محمد بن كعب، وقيل: إنها حروف مقطعة، لو وصلت صارت أسماء من أسماء الله تعالى، كقوله: (الر)، و(حم)، و(ن)،
Page 221