ثم احتج تعالى حجة بالغة، وعد عليهم نعما سابغة، فقال: هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا الخطاب للمكلفين؛ لأنه تعالى خلقهم للعبادة وتعريضا للثواب، وخلق سائر الحيوانات والجمادات لمنافعهم إما في الدين وإما في الدنيا، فجميع ما في الدنيا لهم، وهو نعمة من الله تعالى عليهم فمنه ما فيه منافع الدنيا والدين كالخلق والإحياء، والشهوة والقدرة والعقل ونحوها، ومنه ما ينتفع به في الدنيا كالأطعمة والأغذية والحيوانات، وإن كان إذا نظر فيه وعلم أن له صانعا تحصل له منافع الدين، ومنه ما فيه منفعة دينية كالنعمة والديانات، ومنه ما فيه منفعة من حيث الاعتبار كالسباع والحيات، فإذا كان جميع هذه النعم منه وجب أن نشكره بأقصى ما نقدر عليه. ثم استوى إلى السماء أي قصد وعمد عن أكثر أهل العلم، وعن ابن عباس صعد أمره، وقيل: ارتفع أمره على جهة علو وملك وسلطان، عن ابن زيد، والأول أوجه؛ لأن عليه أكثر أهل العلم، ولأن (ثم) تدل على أمر حادث فسواهن سبع سماوات أي خلق سبع سموات وهو بكل شيء عليم قيل: لما بين قدرته بين كونه عالما؛ لأن بمجموعهما يتم خلق الأشياء، وقيل: لعلمه بكل شيء خلق العالم وما فيه لأغراض عظيمة، وقيل: خلق لكم منافع الأرض على علم بكم وبهم.
ومتى قيل: هل السماء غير الأفلاك أم هي الأفلاك؟
قلنا: الأفلاك سبع تحت السماء، وفوقها سبع سماوات مقر الملائكة، عن أبي علي وغيره من أهل العلم.
ومتى قيل: قد قال تعالى في موضع: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان)
ثم قال في موضع آخر: (والأرض بعد ذلك دحاها) بسطها فكيف يجمع بينهما؟
قلنا: إنه تعالى خلق الأرض كشبه كرة، ثم خلق سبع سماوات، ثم دحا الأرض، ومعنى دحاها أي بسطها، عن الحسن وعمرو بن عبيد.
* * *
(الأحكام)
الآية تدل على أنه تعالى خلق الأرض لعباده فدل على أنه تعالى يفعل الفعل لغرض مقصود.
وتدل على أن له على الكفار نعما يجب شكره خلاف من يقول: لا نعمة عليهم.
وتدل على أن صانع السماء والأرض قادر عالم.
وتدل على أن الأصل في الأشياء أنها على الإباحة؛ لأنه ذكر أنه خلقها
Page 307