تحبير المختصر
وهو الشرح الوسط على مختصر خليل في الفقه المالكي
تأليف
تاج الدين بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز الدميري
المتوفى سنة ٨٠٣ هـ
تحقيق
د. أحمد بن عبد الكريم نجيب د. حافظ بن عبد الرحمن خير
المجلد الأول
1 / 1
حقوق الطبع محفوظة لمركز نجيبويه
للمخطوطات وخدمة التراث
﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾
الطبعة الأولى
١٤٣٤ هـ/٢٠١٣ م
تطلب منشورات مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث من:
ApT ٢٢ - ETG ٢ - IMM ٦ - GHII
Madinati-Sidi Al Bernoussi
Casablanca-Royaume du Maroc
Tel: (+٢١٢) ٦٦٧٨٩٣٠٣٠ - ٦٧٨٨٩٩٩٠٩
****************************************
دار الجيل - الدار البيضاء-المملكة المغربية
Tel: (+٢١٢) ٦٦١١٧٣٥٤٥
**********************************
وحدة (٥٠٥) -برج (أ)
١٦ ش ولي العهد- حدائق القبة- القاهرة
جمهورية مصر العربية
Tel: (+٢٠)٢٢٤٨٧٥٦٩٠ - ١١١٥٥٥٠٠٧١
المكتبة التوفيقية - القاهرة-جمهورية مصر العربية
Tel: (+٢٠)٢٥١٠٠٤٥٦ - ٢٧٨٧٩٥٦٥
Fax: ٢٧٨٧٩٥٦٤
****************************
شركة الكتب الإسلامية؛ لصاحبها محمد محمود ولد جدو ولد مولود-
نواكشط-الجمهورية الإسلامية الموريتانية
Tel: (+٢٢٢)٤٦٤٣٧١٧٨ - ٣٧٢٧٢٧٢٦
****************************
دار النشر الدولي -الرياض
المملكة العربية السعودية
Tel: (+٩٦٦)٥٠٤٢٦٤٩٥٨ - ١٤٦٤٣٥٤٥
*********************************
WWW.najeebawaih.net
[email protected]
1 / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الإيداع القانوني في المكتبة الوطنية للمملكة المغربية: (٢٠١٣ MO ٠١٦٣)
ردمك: (٧ - ٠٧ - ٦٠٧ - ٩٩٥٤ - ٩٧٨)
1 / 3
المقدمة التحقيقية
نقول بعد حمد الله تعالى كما ينبغي لجلاله، والصلاةِ والسلام علي نبيِّه محمَّدٍ وصحبِه وآله:
فقد شرَّفنا الله تعالى ووفَّقنا في إحراز السَّبق إلى إحياء تراث تاج الدين بهرام الدميري ونشره؛ فاشتغلنا فيما مضى علي حاشية ابن غازي العثماني المعنونة بـ "شفاء الغليل في حلِّ مُقفَل خليل" التي أتمَّ بها الشرح الصغير الذي وضعه الشيخ بهرام على مختصر خليل، فلما فرغنا منه وأخرجناه نظرنا إلى ما وُضِع تتميمًا له، فوجدناه أولى بالعناية والتحقيق، وصادف ذلك همَّةً عالِيَةً من أخينا الشيخ حافظ بن عبد الرحمن خير، الذي سبقنا إلى العمل علي تحقيق ذلك الشرح، فأفرَغ نصفَه من مخطوطته، وعرضَ علينا التعاون لإتمام مهمته، فتوافقت الرغبتان، وعملنا معًا لإخراج الكتاب إلى العيان؛ فحققنا الشرح بعد طول عناء، وأضفنا إليه حاشيته المعنونة بـ "الشفاء".
ثمَّ عاودنا النظر فيما بقي من كتب الشيخ بهرام بعد الشرح الصغير، فانقلب إلينا البصر خاسئًا وهو حسير، حيث وقفنا علي شرحه الوسط المعنون بـ "التحبير"، فوجدنا بعض الطلبة زعموا تحقيقه في جامعة الأزهر الشريف، وأخذوا علي تحقيقهم المزعوم درجات علمية رفيعة، مع أنَّهم لم ينتبهوا ولم يُنبَّهوا من المشرفين علي أعمالهم ولا مناقشيهم الناظرين في أطروحاتهم، إلى أنَّ ما شغلوا أنفسهم بتحقيقه هو الشرح الصغير وليس الوسط، وهذا الخلط العجيب بين الكتب مما لا عُذر لهم فيه ولا لأشياخهم، ولا حجَّةَ لهُم في كون النسخ التي اعتمدوها مبتورةً مقدِّماتُها، لأن نسخ الكتاب كثيرة، والوسط -دون غيرِه من شروح بهرام الثلاثة- مصدَّرٌ بمقدمة علمية فيها التصريح بعنوانه ومنهج مؤلِّفه فيه.
لذلك عقدنا العزم علي أن نعيد للكتاب اعتباره، ونكشف من كلِّ ملبِّسٍ علي القرّاء عُوارَه، فاستخرجنا من خزانة مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث نسخة تامة للكتاب بجزأيه لا ينقصها إلا قدر لوحة في مطلعها، ونسختين لنصفه الأول، وثلاث
1 / 5
نسخ خطية للنصف الثاني من الكتاب، وهذه النسخ كلها أصلية غير مصورة، وسعينا إلى أن نجمع إليها المزيد، حتى حصلنا علي ما طلبنا بفضل الملك وتوفيقه، ثم انتقينا أجودَ ما عثرنا عليه في الخزانات العامة (في مصر واسطنبول والمغرب الأقصي)، فعكفنا على تفريغها ومقابلة بعضها ببعض حتى تمَّ لنا في تقويم نصها علي ما نريد، وأتبعنا العمل فيها بالتخريج والتوثيق وما يطلبه المستزيد، فكان جملة ما عملناه في الكتاب مشتملًا علي ما يلي:
أولًا: التأكد من أن الكتاب المحقق هو "تحبير المختصر" (١) كما سمَّاه الؤلف: تصريحًا في خطبته، وقد زادنا يقينًا في أنَّ ما بين أيدينا هو الكتاب المقصود عثورنا علي نسختين متضمِّنتَين لمقدَّمته صوَّرناهما من الخزانة الحسنيَّة في "رباط الفتح"، كما قارنَّا بينَ ما حصلنا عليه من مخطوطات وبَين ما وجدناه من الخطوطة اليتيمة لحاشية الزياتي عليه، بعد حصولنا علي صورتها من خزانة مؤسسة اللك عبد العزيز في الدار البيضاء، فوجدنا النصَّ الذي وُضِعت عليه الحاشية مطابقًا لا بين أيدينا من مخطوطات "التحبير"، وتأكدنا بمجموع ما تقدَّم -إضافة إلى دراسة النسخ المخطوطة الأصلية الست التي في مركز نجيبويه- من أن ما بين أيدينا هو الشرح الوسط المسمي: "تحبير المختصر" لقاضي القضاة أبي البقاء بهرام الدميري، وأنَّ معظم ما زَعم طلابُ الأزهر الشريف أنَّهم حقَّقوه في رسائلهم ما هو إلا الشرح الصغير لبهرام.
ثانيًا: التقديم للكتاب بما تيسَّر من التعريف به، وترجمة مؤلِّفه بهرام، وشيخه خليل بن إسحاق ترجمةً وافيةً.
ثالثًا: نسخ الكتاب كاملًا من النسخة الأم الواقعة في مركز نجيبويه، والمرموز لها بالرمز (ن) وفقَ قواعد الإملاء العصريَّة، وتحليته بعلامات الترقيم والوقف في مواطن
_________
(١) وفي نسخة دخلت في حيازة مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث ورداسم الكتاب على أنه: "المُحَبَّر في شرح المختصر"، ولم تتسنى لنا مقابلة الكتاب كاملًا على هذه النسخة؛ لتأخر وصولها إلينا.
1 / 6
الحاجة إليها، وتصحيح ما وقعَ فيه الناسخ من أخطاء إملائية على قلَّتها.
رابعًا: مقابلة مقدَّمة الكتاب -فقط- على ما يقابلها في النسختين المصوَّرَتَين من الخزانة الحسنية بالرباط، والمرموز لهما -على التوالي- بالرمزَين (ح ١) و(ح ٢)، ولم نقابل بهاتَين النسختين سوى المقدِّمة، لأنهما وصلتا إلينا بعد فراغنا من مقابلة النصف الأول للكتاب على ست نسخ، وفي ذلك كفاية.
خامسًا: مقابلة ما بعد مقدمة المصنف ﵀ إلى نهاية النصف الأول من الكتاب (وهي آخر كتاب النفقات) بما يقابله في النسخة التركية، المرموز لها بالرمز (س)، والنسختين الواقعتين في مركز نجيبويه، والمرموز لهما -على التوالي- بالرمزين (ن ١) و(ن ٢)، وبما توفَّر من النسختَين الأزهريَّتَين المرموز لهما -على التوالي- بالرمزين (ز ١) و(ز ٢).
سادسًا: مقابلة نصف الكتاب الثاني (من "البيوع" وحتى النهاية) على ثلاث نسخ خطيَّة تقع أصولها في مركز نجيبويه، وقد رمزنا لهنّ -على التوالي- بالرموز (ن ٣) و(ن ٤) و(ن ٥).
سابعًا: تحديد بدايات لوحات المخطوط وأوجهها، بما يوافق النسخة الأم المرموز لها بالرمز (ن).
ثامنًا: اعتماد طريقة النص المختار في إثبات الفروق بين النسخ المقابَلة ببعضها؛ بإثبات ما رأيناه صوابًا أو أصوب من غيره في صُلب الكتاب، والإشارة في الهوامش السفليَّة إلى ما رأيناه مرجوحًا أو مخالفًا للصواب، مع التغاضي -غالبًا- عن ذكر ما لا طائل من ذِكرِه وما يُمكِن الجزم بكونه من أخطاء الناسخين (في الإملاء ورسم الكلمات)، وما لا يؤثر في المعنى، كاختلاف النسخ فيما يتعاور معناه من حروف الجز والعطف.
تاسعًا: كتابة الآيات القرآنية وأجزائها بالخط العثماني، وعزوها إلى مواضعها في كتاب الله تعالى، بذكر اسم السورة ورقم الآية التي وردت فيها، بدءًا بالسورة ضمن
1 / 7
معكوفتين، هكذا: [السورة؛: رقم الآية]، وجَعلنا ذلك عقب ذكر الآية مباشرةً، وليس في الحواشي.
عاشرًا: تخريج جميع الأحاديث النبوية التي أوردها بهرام بنصها أو أشار إلى معانيها، وبيان درجة كل منها من حيث القبول والرد غالبًا، ما لم يكن الحديث في الصحيحين أو أحدهما، مع التزام مما يلي في التخريج:
أ- لم نتوسع في تخريج أحاديث الموطأ والصحيحين، بل اكتفينا بالإحالة إليها أو إلى أحدها عن بيان درجته، لا يفيد ذلك من الجزم بصحة الحديث.
ب- أما إذا لم يكن الحديث في أيٍّ من الصحيحين أو الموطأ فنخرّجه من دواوين المحدثين المعتبرة بتقديم السنن الأربعة، ثم بقية التسعة ثم بقية المصادر، مع إيراد كلام العلماء فيه، وتوثيق ذلك كلِّه، وما أنا في الحكم على الحديث إلَّا ناقل عن المُتقدِّمين، أو مُستأنسٌ بآَراء المُتأخِّرين.
ج- أثناء العزو نذكر الكتاب والباب الذي ورد فيه الحديث، مع ما يسهل الرجوع إليه من رقم الحديث التسلسلي، أو رقم الجزء والصفحة، أو جميع ما تقدم.
حادي عشر: ترجمة أعلام السادة المالكية المذكورين في الكتاب تراجم وافية مقدمين في كل ترجمة كنية المترجَم فاسمه ونسبه، ثم ألقابه ... إلخ، مع الإشارة في آخر الترجمة إلي مصادرها لمن أراد التوسع.
ثاني عشر: التعريف بما تيسر التعريف به من الكتب والأماكن المذكورة في النص المحقق، وشرح غريب الألفاظ، وبيان معاني المصطلحات، وتوثيق ذلك كله من مصادره المعتمدة.
ثالث عشر: عزوما تيسَّر من النقول والاقتباسات الواردة في الكتاب تصريحًا أو تلميحًا، بالنص أو بالمعنى إلى مصادرها بقدر الإمكان.
رابع عشر: تذييل الكتاب بقائمة بالصادر المطبوعة والمخطوطة التي اعتمدناها في التحقيق، ثم بفهرس الموضوعات.
1 / 8
خامس عشر: وضع بعض التعليقات والفوائد المختلفة لمسائل فقهية أو لغوية أو غير ذلك، مما يثري الكتاب، ويعود على القارئ بالفائدة.
وإننا إذ ندفع بعملنا هذا إلى المكتبة الإسلامية، لنستحضر ما وجدناه مقيدًا في غرة الجزء الثاني من نسخة الشرح الكبير لبهرام على مختصر شيخه، والمحفوظة في خزانة جامع القرويين بفاس تحت رقم (٤١٨) وفيه: "فائدة: وُجِد بخط سيدي أحمد زرُّوق ما نصَّه: الكتاب كالمكلَّف لا يرتفِع عنه القلَم ما لمَ يهلِك، وقراءتُه بغير قلم ودواةٍ بطالة".
وإننا على يقين بأن إعادة النظر فيما قمنا به المرَّة بعد المرَّة سيوقفنا على أنَّ بعض ما رجَّحناه باجتهادنا -في بعض المواضع- قد يكون غيرُه أولى منه وأصوَب لو كان في موضعه، وظنُنا بالقراء الكرام -طلابًا وعلماء- أنَّهُم لن يضِنُّوا علينا بالتنبيه إلى ما يرون التنبيه إليه ضرورة، حتى يستويَ عملُنا في هذا الكتاب وغيرِه على سُوقِه، وأن يُخرَج -كما أراد مؤلفه- من مخطوطه إلى مطبوعه.
ونُعقِّب التحدث بعظيم نعم الله تعالى علينا في تحقيق ونشر هذا الكتاب، بإسداء جزيل الشكر والعرفان إلى من أعاننا على إنجاز العمل فيه من الخلان والأصحاب، ونخصُّ منهم فريق العمل في مركز نجيبويه بفرعيه في القاهرة وانواكشوط من النسَّاخ والباحثين والإداريِّين والكتَّاب، فللجميع منا الشكر، ومن الله الأجر.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم).
وصلى الله وسلم على نبينا الأمين، وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله ربِّ العالمين.
المحققان
* * *
1 / 9
المبحث الأول التعريف بالمؤلف: خليل بن إسحاق الجندي
* اسمه ونسبُه وألقابُه وكُناه:
اسمه ونسبه: هو خليل (١) بن إسحاق بن موسى بن شعيب.
اتفق على أن اسم أبيه إسحاق، واختلف في اسم جده فذهب بعض المترجمين له إلي أنه يعقوب (٢) وذهب الأكثرون إلى أنه موسى، ووَهَموا من خالَفَهُم (٣)، وقد أثبتنا في نَسَبِه أن اسم جده موسى لتواطؤ تلامذته وأقرب الناس إليه وأعرفهم به عليه، فضلًا عمَّا ذكره الحطَّاب، من أنَّه وقف على اسم المؤلف بخطه في كتابه المناسك (٤) وفيه أن اسم جده موسى.
ألقابه: يُلقَّبُ الشيخ خليل بالجندي (٥)، والكردي (٦)،
_________
(١) ذكر ابن حجر أن اسمه محمد؛ فلعل ذلك على ما دُرِج عليه من تسمية المولود بمحمد وإضافة اسم آخر له تمييزًا فيكون محمد خليل ولم ينص على هذا غيره. انظر: الدرر الكامنة، لابن حجر: ٢/ ٢٠٧.
(٢) انظر: شفاء الغليل، لابن غازي: ١/ ١١٢، وشرح الخرشي على مختصر خليل: ١/ ٣٤، ودرة الحجال، لابن القاضي، ص: ١٣٣.
(٣) انظر: توشيح الديباج، للقرافي، ص: ٩٤، مواهب الجليل، للحطاب: ١/ ٣٠، حاشية العدوي على شرح خليل ١/ ٣٤، حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: ١/ ٩، جواهر الدرر في حل ألفاظ المختصر، للتتائي، مخطوط في دار الكتب المصرية، لوحة: ٣/ أ، تحت رقم (٦٧٣ فقه مالكي).
(٤) انظر: مواهب الجليل، للحطاب: ١/ ١٣، وكتاب المناسك سيأتي الكلام عليه إن شاء الله عند ذكر مؤلفات الشيخ خليل.
(٥) الجندي نسبة للجند لأنه كان يلبس زيهم -ويذكر أنه كان من أجناد الحلقة المنصورة- ولقبه ابن غازي، ونصر الدين اللقاني بابن الجندي بدلأ من "الجندي" وإن كان لما ذهبا إليه وجةٌ فوجهُه أن أبا خليل كان من الجند، أما خليل فلم يكن منهم ولكنه كان يلبس لباسهم فلُقِّب بالجندي.
قال القلقشندي: "أجناد الحلقة المنصورة، وهم عدد جم، وخلق كثير، وربما دخل فيهم من ليس بصفة الجند من المتعممين وغيرهم. انظر: شفاء الغليل، لابن غازي: ١/ ١١٢، وصبح الأعشى، للقلقشندي: ٤/ ١٧.
(٦) الكردي: بضم الكاف، نسبة إلى إقليم كردستان الذي تتقاسمه اليوم سوريا، والعراق، وتركيا، وإيران، والكُرد هم سكان الإقليم، وكانوا قديمًا ينزلون بالصحارى، يسكن بعضهم القرى. انظر=
1 / 10
وغرس الدين (١)، وضياء الدين (٢).
ويُكنى الشيخ خليل بأبي المودة (٣)، وأبي الضياء (٤)، ورأيت على حاشية إحدى نسخ شرح اللقاني على خطبة مختصر خليل أن كنيته أبو الخير، وقيل: أبو محمد (٥).
* شيوخه:
لا شك في أن الشيخ خليل ﵀ يعتبر حلقة هامة في سلسلة فقهاء المالكية، وشامة في جبين المذهب، تأثر به من بعدَه أكثر من تأثرهم بمن قبلَه، حتى أصبح له أتباع ينسبون إليه ويعرفون بالخليليين (٦)، مع أن مدرسته الفقهية كانت امتدادًا لا ابتداءً، فهو ابن المذهب وتلميذ أعلامه المتقدمين عليه، ومنهم:
* أبو محمد، عبد الله بن محمد بن سليمان المنوفي، المصري، المالكي، المتوفى سنة ٧٤٩ هـ (٧)، تفقه بالشرف الزواوي، وجمال الدين الأقفهسي، وابن الحاج الفاسي، وغيرهم، وهو أبرزُ شيوخ خليل وأظهرُهم أثرًا فيه، أئَف خليلُ في مناقبه تأليفًا مفردًا (٨)، وكان ﵀ معروفًا بالصلاح، ومجانبة السلطان، والامتناع عن المناصب، انقطع بالمدرسة الصالحيَّة زمنًا؛ فكان لا يخرج إلا إلى صلاة الجماعة أو الجمعة.
_________
= الأنساب، للسمعاني: ٥/ ٥٤.
(١) انظر: شرح زروق على الرسالة: ١/ ١٠، وتوشيح الديباج، للقرافي، ص: ٧٠.
(٢) انظر: الدرر الكامنة، لابن حجر: ٢/ ٢٠٧، ونيل الابتهاج، للتُنْبُكتِي: ١/ ١٨٣، وشجرة النور، لمخلوف: ١/ ٢٢٣.
(٣) انظر: شرح زروق على الرسالة: ١/ ١٠، ونيل الابتهاج، للتُنْبُكتِي: ١/ ١٨٣، وشجرة النور، لمخلوف: ١/ ٢٢٣.
(٤) انظر: شرح الخرشي على مختصر خليل: ١/ ٣٤، ومواهب الجليل، للحطاب: ١/ ١٣، والفكر السامي، للحجوي: ٢/ ٢٤٣.
(٥) انظر: شرح اللقاني على خطبة خليل، مخطوط المكتبة الأزهرية رقم (٣٠٣٩٨٧).
(٦) من أشهر ما يسمع في ذلك قول الشيخ ناصر اللقاني حين عورض بما يخالف كلام خليل: "نحن أناس خليليون إن ضل ضللنا" انظر: نيل الابتهاج، للتُنْبُكتِي: ١/ ١٨٦، والفكر السامي، للحجوي: ٤/ ٧٩.
(٧) انظر ترجمته في: توشيح الديباج، للقرافي، ص: ٩٣، والدرر الكامنة، لابن حجر: ٣/ ٩٧، وشجرة النور، لمخلوف: ١/ ٢٠٥.
(٨) سيأتي التعريف بكتاب "مناقب المنوفي" في مؤلفات الشيخ خليل ﵀.
1 / 11
* أبو عبد الله، محمد بن محمد العبدري، الفاسي، المعروف بابن الحاج، المتوفى سنة ٧٣٧ هـ (١)، أخذ عن ابن أبي جمرة، وأبي إسحاق المطماطي، وغيرهما، وأخذ عنه عبد الله المنوفي المتقدِّم، وغيرُه، أشهر آثاره كتاب "المدخل" (٢).
* أبو محمد، عبد الله بن عبد الحق الدلاصي (٣)، المتوفى سنة ٧٢١ هـ (٤)، عاش زاهدًا صالحًا، وأقام ستين سنة يُقرئ القرآن ويعلِّمُه.
* إبراهيم بن لاجين الأغَري، الرشيدي، الشافعي، المتوق سنة ٧٤٩ هـ (٥)، برهان الدين، فقيه نحوي أخذ عنه الشيخ خليل الأصول والعربية.
* تلامذته:
إن نبوغ الشيخ خليل ﵀ لم تستوعبه كتبه بل تحمَّله الرجال وساروا به في الآفاق وهم من الكثرة والشهرة بمكان ولبعضهم مشاركة مع شيخهم في الأخذ عن بعض شيوخه قبل التتلمذ عليه وهذا يزيدهم رسوخًا، ويزيده تميزًا عليهم؛ إذ صاروا تلامذة له بعد أن كانوا أقرانًا، والله يؤتي فضله من يشاء والله واسع عليم.
وفيما يلي نسمي أشهر تلامذته ونعرف بكل منهم قدر الإمكان مقدِّمين أقدمهم وفاة:
* أبو عبد الله، محمد بن أحمد البساطي، الطائي، المتوفى سنة ٨٢٧ هـ (٦) قاضي
_________
(١) انظر ترجمته في: الديباج المذهب: ٢/ ٢٢١، وشجرة النور: ١/ ٢١٨.
(٢) هو: كتاب "المدخل" ألفه الفقيه بإشارة من شيخه ابن أبي جمرة، وقال في مقدمته: كنت كثيرًا ما أسمع سيدي الشيخ العمدة العالم العامل المحقق القدوة أبا محمد عبد الله بن أبي جمرة يقول وددت أنه لو كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم ويقعد إلى التدريس في أعمال النيات ليس إلا". انظر: المدخل، لابن الحاج: ١/ ٣.
(٣) نسبة إلى دلاص بكسر الدال وبفتحها -على ما ذكر ياقوت- إحدى قرى شمال الصعيد وتُنسَب إليها اللجم الدلاصية لاشتهارها بصنعتها قديمًا. انظر: معجم البلدان، لياقوت: ٢/ ٤٥٩، والأنساب، للسمعاني: ٢/ ٥١٩.
(٤) انظر ترجمته في: الدرر الكامنة، لابن حجر: ٢/ ٢٦٥، والنجوم الزاهرة، لابن تغري بردي: ٩/ ٢٥١.
(٥) انظر ترجمته في: طبقات الشافعية، للسبكي: ٩/ ٣٩٩، والدرر الكامنة، لابن حجر: ٢/ ١٧٥، وحُسن المحاضرة، للسيوطي: ١/ ٥٠٨، وشذرات الذهب، لابن العماد: ٦/ ١٥٨.
(٦) انظر ترجمته في: توشيح الديباج، للقرافي، ص: ٢٥٩، وشجرة النور: ١/ ٢٤١، والضوء اللامع=
1 / 12
القضاة، شيخ الإسلام، علامة مشارك في كثير من العلوم، وبخاصة في الفقه المالكي، أخذ عن الشيخ خليل وَوَضع على مختصره شَرحًا لم يكمله سماه "شفاء الغليل"، كما أخذ عن نور الدين الجلاوي، وتاج الدين بهرام، وغيرهم، وأخذ عنه أبو القاسم النويري، والثعالبي، والسخاوي، ومن آثاره "المغني" في الفقه و"شرح تائية ابن الفارض".
* أبو البقاء، بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز، الدَّميري، المتوفي سنة ٨٠٥ هـ، وهو أول من شرح مختصره، وكان من ألصق الناس به؛ وستأتي ترجمته وافية.
* أبو عبد الله، محمد بن موسى بن عابد الغماري، المغربي، المتوفي سنة ٧٨٢ هـ (١)، عاش عابدًا زاهدًا وارتحل إلى المشرق فأخذ عن الشيخ خليل، واستوطن البلد الحرام.
* عبد الخالق بن علي الحسني، المعروف بابن الفرات، المتوفي سنة ٧٩٤ هـ (٢)، أخذ عن الشيخ خليل، وصنّف شرحًا على مختصره، وحَكى أن خليلًا رئي في المنام بعد موته، فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي ولجميع من صلى عليَّ (٣).
* عبد الله بن مقداد بن إسماعيل الأقفهسي، المصري، المتوفي سنة ٨٢٣ هـ (٤)، انتهت إليه رئاسة المذهب، أخذ عن الشيخ خليل وشرح مختصره في ثلاث مجلدات، وأخذ عنه البساطي، وعبد الرحمن البكري، وغيرهما، من آثاره: تفسيرٌ للقرآن الكريم، وشرحٌ على رسالة ابن أبي زيد القيرواني.
* مؤلفات الشيخ خليل:
رُزِقَ خليل ﵀ بركة في التصنيف قَلَّ أن يُرزَق مثلَها مُصنِّف، ولا نقصد بتلك البركة الوفرةَ والتنوُّع كما هي عند ابن حجر أو الجلال السيوطي -رحمهما الله- وإن اختلفا مذهبًا ومشرَعًا، ولكننا نقصد بها شهرة العمل وذيوعه، وتلقي الناس له بالقبول.
_________
= للسخاوي: ١٠/ ٣١٢، وحُسن المحاضرة، للسيوطي: ١/ ٢٦٣.
(١) انظر ترجمته في: توشيح الديباج، للقرافي، ص: ٢٣٣، ونيل الابتهاج، للتُنْبُكتِي، ص: ٢٧٣، وشجرة النور، لمخلوف: ١/ ٢٢٣.
(٢) انظر ترجمته في: توشيح الديباج، للقرافي، ص: ١٠٤، ونيل الابتهاج، للتُنْبُكتِي، ص: ١٨٧.
(٣) انظر: توشيح الديباج، للقرافي، ص: ١٠٤.
(٤) انظر ترجمته في: الضوء اللامع: ٥/ ٧١، وتوشيح الديباج، ص: ١١٢، وشجرة النور: ١/ ٢٤٠.
1 / 13
والفَلَكُ الذي دار فيه الشيخ خليل ﵀ في التصنيف هو الاختصار والشرح، وربما خرج عن ذلك الإطار فصنف في غيره من غير إكثار كترجمة شيخه المنوفي المتقدم الذكر، في مصنف مستقل؛ وفاءً بحقِّه، وإقرارًا بفضله، وله أيضًا كتاب "المنسَك" أو "المناسك" كما اختار ناشروه أن يسموه، وهو متوسط بين البسط والإيجاز، وكأنه باب مجتزأ من عمله في "التوضيح"، أو هو بسط لما في مختصره من مسائل المناسك.
وفيما يلي نذكر مصنفات الشيخ خليل بشيء من التفصيل:
- التوضيح:
هو شرح لمختصر ابن الحاجب الفرعي المعروف بجامع الأمهات أو الجامع بين الأمهات، وهو من أجلِّ الشروح عليه، قال ابن حجر في ترجمة خليل: شرحَ مختصر ابن الحاجب في ستة مجلدات، انتقاه من شرح ابن عبد السلام، وزاد فيه عزو الأقوال وإيضاح ما فيه من الإشكال" (١).
وقال القرافي معقبًا على كلام ابن حجر ﵀: "رحم الله العلامة ابن حجر، لقد أجاد فيما قرره ووصف به شرح صاحب الترجمة لمختصر ابن الحاجب من انتقائه شرح ابن عبد السلام، وإيضاح ما فيه، إذ لم أقف على وصفه بهذا الوصف لأحد من أهل المذهب الواقفين على هذا الشرح" (٢).
وقال القرافي أيضًا: "ولقد عكف الناس على قبول كتابيه، ولكن إقبال أهل المغرب على التوضيح أكثر" (٣). وقد استفاد به مَن بعدَهُ من الشرَّاح كابن فرحون في "تسهيل المهمات في شرح جامع الأمهات" (٤).
وقد طبعت أجزاء من "التوضيح" في بعض دور النشر، وحُقِّقَ قدر كبير منه في أكثر من جامعة مغربية ومشرقية، ولكنه لم ير النور حتى من الله علينا في دار نجيبويه بإخراجه كاملًا متكاملًا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
_________
(١) انظر: الدرر الكامنة، لابن حجر: ٢/ ٢٠٧.
(٢) انظر: التوشيح، للقرافي، ص: ٧١.
(٣) السابق، ص: ٧٢.
(٤) انظر: اصطلاح المذهب عند المالكية، للدكتور: محمد إبراهيم علي، ص: ٣٠٧.
1 / 14
- المختصر الفقهي:
هو الكتاب الذي نال به الشهرة الواسعة، سار فيه على خُطا ابن الحاجب في جامع الأمهات، الناقل بدوره عن ابن شاس، وتَرَك خليلٌ ما تَبِعا فيه "الوجيز" لأبي حامد الغزالي خروجًا عن المذهب، وأوجز في عبارته وأصلح ما كان من وهمٍ في العزو، وأخرج منه حتى باب النكاح في حياته، وأخرج تلامذته بقيته من مبيضاتٍ خلَّفها ﵀، وتعاقب عليه الشرَّاح فحظي من الاهتمام والدرس بما لم يحظ بمثله كتابٌ في المذهب، بعد "الموطأ" و"المدونة"، إذ اعتُبِرَ آخرَ الخطوات في التأليف الفقهي في المذهب المالكي، حتى أن ما جاء بعده لم يخرج عن غراره، حتى قيل إنَّه أكثر المؤلفات الفقهية صوابًا (١).
وقيل أيضًا عنه: "عمدة المالكية في مشارق الأرض، ومغاربها" (٢).
وقد بلغ عدد التقاييد والشروح والطرر والحواشي على المختصر أكثر من مائة وخمسين، وفي هذا وما سبق من النقول إلماحةٌ إلي قدر هذا المختصر (٣).
- المناسك (٤):
تكلم فيه عن مناسك الحج، قال في أوله: "سألني جماعة منسكا فأجبت سؤالهم واقتصرت فيه على الأهم ... " (٥).
-مناقب المفوفي (٦):
تكلم فيه عن مناقب شيخه عبد الله المنوفي المترجم له آنفًا ..
_________
(١) باختصار وتهذيب من: الفكر السامي، للحجوي: ٢/ ٢٤٤.
(٢) انظر: فتح الشكور في معرفة أعيان علماء تكرور، لمحمد بن أبي بكر الولاتي، بتحقيق محمد إبراهيم الكتاني ومحمد حجي طبعة دار الغرب، ص: ٨٠.
(٣) للوقوف على عدد المصنفات حول المختصر انظر: جامع الشروح والحواشي، لحبشي: ٢/ ١٨٥٧ حتى ١٨٨٤.
(٤) قام بتحقيقه الدكتور الناجي لمين، ونشرته الرابطة المحمدية للعلماء في المملكة المغربية سنة ١٤٢٩ هـ.
(٥) انظر: المناسك، لخليل، ص: ٥٩.
(٦) الكتاب لا يزال مخطوطًا وله العديد من النسخ منها: نسخة شستتربيتي بدَبلِن تحت رقم (٦/ ٤٨٦٧) ونسخة المكتبة الخديوية بالقاهرة تحت رقم ٥/ ١٥٩ (ن ع ٣٠٣٤)، وأخرى بدار الكتب المصرية=
1 / 15
قال ابن حجر عن الكتاب: "وقفت من جَمْعِهِ على ترجمة جَمَعَهَا لشيخه المنوفي تدل على معرفته بالأصول أيضًا" (١).
تتِمَّة: ذكر الزركلي في "الأعلام" (٢) من بين مصنفات خليل كتابًا بعنوان "مخدرات الفهوم فيما يتعلق بالتراجم والعلوم"، والصواب أن الكتاب من تأليف أبي الرشد، خليل المالكي المغربب، المتوفي سنة ١١٨٠ هـ، وهو في شرح مقدمة أبي الليث السمرقندي الحنفي، المتوفي سنة ٣٩٣ هـ، كما أفاد بذلك صاحبا "إيضاح المكنون" (٣)، و"معجم الشروح والحواشي" (٤).
* مهامه ووظائفه:
تبوَّأ الشيخ خليل وظائف علمية شأنه في ذلك شأن سائر العلماء فمن ذلك: اشتغاله بالتأليف والتصنيف والتدريس، وخاصة في الخانقاه الشيخونية (٥) التي تولى رئاسة المالكية فيها، حتى توفي ﵀ وخلفه تلميذه بهرام من بعده.
وإلى جانب الوظائف العلمية يُذكر أن خليلا ﵀ كان أحد أجناد الحلقة المنصورة
_________
= تحت رقم ٥/ ٣٦٥ (٣٣٥)، ورابعة بالمكتبة الأزهرية بمصر تحت رقم ٣٥٧٧، وبالمكتبة الكتبة الأحمدية بجامع الزيتونة بتونس تحت رقم (٥٢٠٣)، وقد حققه الأخ الشيخ خالد محمد السعيد، وغالب الظن أنه لم يطبعه بعد.
(١) انظر: الدرر الكامنة، لابن حجر: ٢/ ٤٩.
(٢) انظر: الأعلام، للزركلي: ٢/ ٣١٥.
(٣) انظر: إيضاح المكنون، للبغدادي: ٢/ ٤٥٢.
(٤) انظر: جامع الشروح والحواشي، لحبشي: ٣/ ٢١١٠.
(٥) الخانقاه: كلمة فارسية تعني البيت وأصلها "خونقاه"، أي: الموضع الذي يأكل فيه الملك، ثم أصبحت تعني -في الإسلام- بيت الصوفية، وقد بنى الأتابك شيخون العمري نائب السلطنة في عصر السلطان حسن سنة ٧٥٦ هـ في خط الصليبة خارج القاهرة هذه الخانقاه المنسوبة إليه، وجعل شيخَها الشيخَ أكمل الدين محمد البابرتي الحنفي المتوفى سنة ٧٨٦ هـ، والشيخَ خليل رئيس المالكية بها، ورتَّبَ فيها دروسًا أربعة لطوائف الفقهاء، ودرسًا للحديث النبوي، ودرسًا لإقراء القرآن بالروايات السبع. انظر: الخطط القريزية، لتقي الدين القريزي: ٤/ ٢٨٠، والنجوم الزاهرة، لابن تغري بردي: ٣/ ١٧٧، وحاشية رقم (٣) في كتاب البداية والنهاية، لابن كثير، بتحقيق علي شيري: ١٤/ ٢٩٥.
1 / 16
بالديار المصرية (١)، وهو السبب في تلقيبه بالجندي، على أحد قولين ذكرناهما في صدر هذه الترجمة (٢).
* وفاته وثناء العلماء عليه:
- وفاته:
الغريب في شأن الشيخ خليل -وهو من هو اشتهارًا في المذهب- ألا يوقف على سنة وفاته تحديدًا؛ فيَختلِف فيها النقل بين من ترجمه من مؤرخي المذهب كابن فرحون (٣) والقرافي والتُنْبُكتِي، وغيرهم ممن ذكره من غير مؤرخي المذهب كابن حجر وابن تغري بردي وغيرهما، وليس الاختلاف في سَنَةٍ أو بعضِ سَنَة، كما هو الشأن في تراجم البعض ممن لم تقترن وفاته بحَدَثٍ عام أو شِبْهِه، فقد اختلف في وفاة الشيخ خليل على أربعة أقوال:
أوَّلهُا: ينسب لابن فرحون خطأ حيت ورد في المطبوع من "الديباج" أن وفاته كانت سنة ٧٤٩ هـ (٤)، والصواب أن هذه السنة هي سنة وفاة المنوفي شيخ خليل، وقد نقلها ابن فرحون عن كتاب "مناقب المنوفي"، أما خليل فلم يذكر سنة وفاته (٥).
_________
(١) قال ابن فرحون: كان الشيخ خليل من جملة أجناد الحلقة المنصورة يلبس زي الجند المتقشفين. انظر: الديباج، ص: ١٨٦.
(٢) انظر ص: ٨ من المقدمة.
(٣) هو: أبو محمد، إبراهيم بن علي بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن فرحون اليعمري، الجياني، المدني، برهان الدين، صاحب الديباج، المتوفي سنة ٧٩٩ هـ، من أكابر الأئمة الأعلام، عالمًا بالفقه والتفسير والحديث، سمع الحديث على والده وعمه غيرهما، ورحل إلى مصر والقدس ودمشق، وتولى قضاء المدينة النبوية، سنة ٧٩٣ هـ، وكان عليه مدار أمور الناس فيها، من آثاره "الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب" ترجم فيه لأئمة المالكية حتى عمره وقد ذيل عليه القرافيُّ بدر الدين، والتُنْبُكتِي والقادريُّ، و"تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام"، ومنسك، وغيرها من التصانيف. انظر ترجمته في: توشيح الديباج، للقرافي، ص: ٢٣، ونيل الابتهاج، للتنبكتي: ١/ ١٥، وشجرة النور، لمخلوف ص ٣٠٢، والدرر الكامة، لابن حجر: ٢/ ٣٠٠، وإنباء الغمر، لابن حجر: ٣/ ٣٣٨، وتاريخ ابن قاضي شهبة: ٣/ ٦٢٣.
(٤) انظر: الديباج، ص: ١٨٦.
(٥) وقع في هذا الخلط الشنيع، والخطأ المريع، معظم محققي كتاب التوضيح من طلاب جامعة القرويين.
1 / 17
والقول الثاني: نُقل عن ابن حجر (١)، والجلال السيوطي (٢)، وابن القاضي المكناسي (٣)، والتتائي (٤)، وآخرين أن وفاته كانت في سنة ٧٦٧ هـ (٥).
وقد رجح القرافي قول ابن حجر مُعَلِّلًا لذلك بأن ابن حجر من معاصري المؤلف، وممن يُعرَفون بالتثبت والدِّقة في الرواية (٦)، وتبِعَه على هذا الترجيح الحطَّابُ في مواهبه (٧).
تنبيه: المنقول عن ابن حجر جاء مكتوبًا بالأرقام لا بالحروف؛ ما يوحي إلى أنه قد يكون سهوًا أو غلطًا من الناسخين، والله أعلم.
القول الثالث: انفرد به أبو العباس زرُّوق ومفادُه أن وفاة خليل كانت سنة ٧٦٩ هـ (٨).
ورابع الأقوال وآخِرها -وهو ما عليه الأكثرون- أنه ﵀ توفي لثلاثة عشر يومًا من ربيع الأول سنة ٧٧٦ هـ، وقد ذكرَهُ ابن مرزوق الحفيد، وابن غازي المكناسي (٩)، وناصر الدين اللقاني (١٠)، وغيرهم (١١).
وهذا القول رجَّحَهُ العلامةُ التُنْبُكتِي (١٢)، لما نقل عن الإمامَيْن ناصر الدين
_________
(١) انظر: الدرر الكامنة، لابن حجر: ٢/ ٢٠٧.
(٢) انظر: حسن المحاضرة، للسيوطي: ١/ ٢٦٢.
(٣) انظر: درة الحجال، لابن القاضي المكناسي، ص: ٢٥٨.
(٤) انظر: جواهر الدرر في حل ألفاظ المختصر، للتتائي، مخطوط في دار الكتب المصرية، لوحة: ٣/ أ، ب، تحت رقم (٦٧٣ فقه مالكي)، وهذا الكتاب من مشاريع التحقيق والنشر في مركز نجيبويه للمخطوطات وخدمة التراث.
(٥) انظر: مواهب الجليل: ١/ ١٤، والفكر السامي، للحجوي: ٢/ ٢٤٤.
(٦) انظر: توشيح الديباج، للقرافي، ص: ٩٤.
(٧) انظر: مواهب الجليل، للحطاب: ١/ ١٤.
(٨) انظر: شرح زروق على الرسالة: ١/ ١٠.
(٩) انظر: شفاء الغليل، لابن غازي: ١/ ١١٤.
(١٠) انظر: اللوحة: أ/ ب من مخطوط شرح اللقاني على خطبة خليل، المحفوظة في المكتبة الأزهرية، تحت رقم (٣٠٣٩٨٧).
(١١) انظر عرض هذه الأقوال في وفاة خليل في توشيح الديباج، للبدر القرافي، ص: ٩٤.
(١٢) انظر: نيل الابتهاج، للتُنْبُكتِي، ص: ١٧٢.
1 / 18
الإسحاقي، وناصر الدين التنسي.
وهذا الترجيح الأخير هو الذي اخترناه؛ خاصةً وأنَّ بعضَ الروايات تحكي عن خليل أنه شارك في معركة استرجاع الإسكندرية من العدو، مع أن هذه المعركة لم تقع إلا بعد سبعين وسبعمائة من الهجرة (١).
رحم الله أبا الضياء ونور مرقده وأدام بركة ما سطَّره آمين .. آمين.
- ثناء العلماء عليه:
خلَّف الشيخ خليل ﵀ آثارًا تشهد برسوخ قَدَمِه، وعُلُوِّ كَعْبِه، وفي شيُوعِها وتلقي الناس لها بالقبول في حياته، ورجوعهم إليه بعد مماته، ما يغني عن تتبع ثنائهم -في مصنفاتهم- عليه، ولكن جريان العادة على ذكر طائفة من ذلك الثناء العاطر، يجعلُنا نقتنص بعضها من بطون المراجع والمصادر، إثباتًا لفضل العلماء، وحثًّا لأتْبَاع على الاقتداء، فنذكر فيما يلي من ثناء العلماء عليه، ما يوصلنا بأسباب الحب في الله إليه، ومنه قول ابن حجر "كان صيِّنًا عفيفًا نزِهًا" (٢).
وقول ابن فرحون "كان ﵀ صدرًا في عُلماء القاهرة، مجمَعًا على فضله وديانته، أستاذًا ممتعًا من أهل التحقيق، ثاقب الذهن، أصيلَ البحث، مشاركًا في فنون من العربية والحديث والفرائض، فاضلًا في مذهب مالك، صحيح النقل" (٣).
وقول ابن مرزوق الحفيد أن خليلًا كان "من أهل الدين والصلاح والاجتهاد في العلم إلى الغاية" (٤).
ووصف زروق له بفريد وقته عِلمًا وديانة (٥).
وقول ابن غازي "كان عالمًا عاملًا مشتغلًا بما يعنيه" (٦).
وقول بدر الدين القرافي "الإمام العامل العلامة، القدوة الحجة الفهامة، جامع
_________
(١) السابق، ص: ١٧٠.
(٢) انظر: الدرر الكامنة، لابن حجر: ٢/ ٢٠٧.
(٣) انظر: الديباج المذهب، ص: ١٨٦.
(٤) انظر: نيل الابتهاج، للتُنْبُكتِي: ١/ ١٨٤.
(٥) انظر: شرح زروق على الرسالة، ص: ١٠.
(٦) انظر: شفاء الغليل، لابن غازي: ١/ ١١٣.
1 / 19
أشتات الكمالات بفضائله، حامل لواء المذهب المالكي على كاهله" (١).
وقول مخلوف "الإمام الهمام، أحد شيوخ الإسلام، والأئمة الأعلام، الفقيه، الحافظ، المجمع على جلالته وفضله، الجامع بين العلم والعمل" (٢).
ومن أعذب الثناء على الشيخ خليل قول أبي الحسن، علي بن أبي حمامة السلوي (٣):
خَلَلْتَ مِنْ قَلْبِي مَسَالِكَ نَفْسِهِ ... والرُّوحَ قد أَحْكَمْتَهُ تَخلِيلَا
أخَلِيلُ إنِّي قَدْ وَهَبْتُكَ خُلَّةً ... مَا مِثْلُهَا يَهَبُ الخلِيلُ خَلِيلَا
فَخَلِيلُ نَفْسِي مَنْ يَوَدُّ خَلِيلَها ... وخَلاهُ ذَمٌ إنْ أحَبَّ خَلِيلَا
ونختم بقول القرافي (٤):
فَخَليلُ الإمَامُ بَحْرُ الْعَانِي ... لَمْ يَزَلْ بِالرَّشَادِ يَهْدِي سَبِيلَا
أَخْلَصَ الْقَصْدَ فَالإلَهُ تَعَالَى ... قَدْ كَسَاهُ مِنَ الْكَمالِ جَمِيلَا
فَعَلَيْهِ مِنَ الإلَهِ تَعَالىَ ... رَحْمَة قَدْ عَلَتْ وَزَكَتْ سَلْسَبِيلَا
* * *
_________
(١) انظر: شفاء الغليل، لابن غازي، ص: ٧٠.
(٢) انظر: شجرة النور: ١/ ٢٢٣.
(٣) انظر: ثوشيح الديباج، للقرافي، ص: ٧٤.
(٤) انظر: توشيح الديباج، للقرافي، ص: ٧٤.
1 / 20
المبحث الثاني التعريف بالشارح: تاج الدين بهرام بن عبد الله عبد العزيز الدميري (١) (٧٤٣ - ٨٠٥ هـ)
* اسمه ولقبه ونسبه ونسبته:
هو: أبو البقاء، بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز بن عمر بن عوض بن عمر السلمي، الدَّمِيري، القاهري المصري، المالكي، تاج الدين.
* مولده:
ولد بهرام بقرية دَمِيرة قرب دمياط (٢) وإليها ينسب، وقد اختلف في سنة مولده، وقد أثبتنا ما ذكره السخاوي في الضوء اللامع أنه: "ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة تقريبًا كما قرأته بخطه".
أما ما ذكر بَدْرُ الدِّين القَرافي (٣) في "التوشيح" (٤) نقلًا عن ابن حجر في "رفع الإصر عن قضاة مصر" أن ولادته كانت سنة ٧٤٣ هـ، فهو نقل غير دقيق، والموجود في المطبوع من "رفع الإصر" (٥) و"إنباء الغمر بأبناء العمر" (٦)، لابن حجر أن ولادته سنة
_________
(١) انظر ترجمته في: توشيح الديباج، للقرافي، ص: ٦٢، وكفاية المحتاج، للتنبكتي: ١/ ١٧٧، ونيل الابتهاج، له أيضًا: ١/ ١٦٠، وشجرة النور، لمخلوف: ١/ ٣٤٤، والضوء اللامع، للسخاوي: ٣/ ١٩، وإنباء الغمر، لابن حجر: ٥/ ٩٨، وحسن المحاضرة، للسيوطي: ١/ ٣٨٣، ولقط الفرائد، للمكناسي، ص: ٢٣٢، والوفيات، للونشريسي، ص: ١٣٥، وشذرات الذهب، لابن العماد: ٧/ ٤٩، والفكر السامي، للحجوي: ٢/ ٢٩٤، والأعلام، للزركلي: ٢/ ٧٦، ومعجم المؤلفين، لكحالة: ٣/ ٨٠.
(٢) انظر: معجم البلدان، لياقوت: ٢/ ٤٧٢.
(٣) هو: محمد بن يحيى بن عمر بن أحمد بن يونس القرافي، بدر الدين، المتوفي سنة ١٠٠٨ هـ، الفقيه المالكي، اللغوي، من أهل مصر. ولي قضاء المالكية فيها له كتب، منها: القول المأنوس بتحرير ما في القاموس، ورسالة في بعض أحكام الوقف وتوشيح الديباج ذيل به على ابن فرحون في الديباج. انظر ترجمته في: خلاصة الأثر، للمحبي: ٤/ ٢٥٨، ونيل الابتهاج، للتنبكتي: ٢/ ٢٩٨، وشجرة النور، لمخلوف: ١/ ٢٨٧.
(٤) انظر: توشيح الديباج، للقرافي، ص: ٦٢.
(٥) رفع الإصر عن قضاة مصر، لابن حجر: ١/ ٨٧.
(٦) انظر: إنباء الغمر: ٥/ ٩٩.
1 / 21