[145] قال ابو حامد مجيبا عن الفلاسفة فان قيل هذه الموازنة معوجة لان العالم ليس له فوق ولا تحت لانه كرى وليس للكرة فوق ولا تحت بل إن سميت جهة فوقا من حيث انها تلى رأسك والاخرى تحتا من حيث انها تلى رجلك فهو اسم تجددله بالاضافة اليك والجهة التى هى تحت بالاضافة اليك هى فوق بالاضافة الى غيرك اذا قدرته على الجانب الآخر من كرة الارض واقفا يحاذى أخمص قدمه أخمص قدمك بل الجهة التى تقدرها فوقك من اجزاء السماء نهارا هو بعينه تحت الارض ليلا وما هو تحت الارض يعود الى فوق الارض بالدور . وأما الاول لوجود العالم لا يتصور ان ينقلب آخرا . وهو كما لو قدرنا خشبة أحد طرفيها غليظ والآخر رقيق واصطلحنا على أن نسمى الجهة التى تلى الرقيق فوقا الى حيث ينتهى والجانب الآخر تحتا لم يظهر بهذا اختلاف ذاتى فى اجزاء العالم بل هى أسامى مختلفة قيامها بهيئة هذه الخشبة حتى لو عكس وضعها لا نعكس الاسم والعالم لم يتبدل فالفوق والتحت نسبة محضة اليك لا تختلف أجزاء العالم وسطوحه فيه وأما العدم المتقدم على العالم والنهاية الاولى لوجوده فموجود ذاتى لا يتصور أن يتبدل فيصير آخرا ولا العدم المقدر عند فناء العالم الذى هو عدم لا حق يتصور ان يصير سابقا فطرفا نهاية وجود العالم الذى أحدهما أول والثانى آخر طرفان ذاتيان ثابتان لا يتصور التبدل فيهما بتبدل الاضافة اليهما بخلاف الفوق والتحت فاذا امكننا ان نقول ليس للعالم فوق ولا تحت ولا يمكنكم أن تقولوا ليس لوجود العالم قبل ولا بعد واذا ثبت القبل والبعد فلا معنى للزمان سوى ما يعبر عنه بالقبل والبعد
[146] قلت هذا الكلام الذى هو جواب عن الفلاسفة فى نهاية السقوط وذلك ان حاصله ان الفوق والاسفل هما أمران مضافان فلذلك عرض لهما التسلسل الوهمى واما التسلسل الذى فى القبل والبعد فليس وهميا اذ لا اضافة هنالك وانما هو عقلى ومعنى هذا ان الفوق المتوهم للشىء يمكن ان يتوهم سفلا لذلك الشىء والسفل يمكن ان يتوهم فوقا وليس العدم الذى قبل الحادث وهو المسمى قبلا يمكن ان يتوهم العدم الذى بعد الحادث المسمى بعدا .
Page 81