{ مسألة } لما كانت هذا المسألة من فروع ما قدمه من أن الأمر للوجوب صدرها بأداة التفريع فقال { فإرادة الندب والإباحة به بطريق الاستعارة } معنى الاستعارة أن يكون علاقة المجاز وصفا بينا مشتركا بين المعنى الحقيقي والمجازي { عند البعض } لا شبهة أن موجب كون الأمر حقيقة في الوجوب فقط أن يكون مجازا في الندب والإباحة وقول فخر الإسلام أنه حقيقة قاصرة مبناه على اصطلاح خاص في المجاز بزيادة قيد على ما ذكره القوم في حده وهو أن يكون المعنى المجازي خارجا عن المعنى الحقيقي فالنزاع في أ،ه مجاز فيهما كما ذهب إليه الجصاص والكرخي أو حقيقة كما ذهب إليه البعض واختاره فخر الإسلام لفظي { والجامع جواز الفعل لا بطريق اطلاق اسم الكل على الجزء كما ذهب إليه البعض لأن جواز الترك } المعتبر في الندب والإباحة { لا يجامع الوجوب } المعتبر فيه امتناع الترك وجزء الشيئ لا بد أن يجامعه { والتأويل } من جانب هذا البعض { بأن المراد منها } أي من الندب والإباحة عند استعمال الأمر فيهما مجازا { هو الجزء المشترك } بينهما وبين الوجوب وهو جواز الفعل { فقط } إذ لا دلالة في الأمر على جواز الترك أصلا إنما يثبت ذا لعدم الدليل على حرمته { يفضي إلى ارتفاع النزاع } من البين لأن من قال أنه بطريقالاستعارة أراد من الندب والإباحة تمام معناهما وعلى التأويل المذكور يكون مراد القائد أنه بطريق إطلاق اسم الكل على الجزء منهما بعض معناهما فالقولان لا يتواردان على محل واحد ولا يخفى أن مثل هذا التأويل في الخلافيات يفضي إلى تجهيل المخالفين فلا يرتضيه واحد منهما ثم أنه لا وجه لقوله إذ لا دلالة في الأمر على جواز الترك لأنه إن أراد نفي الدلالة وضعا فلا يناسب المقام لأن الكلام على تقدير التجوز ومداره وعلى الدلالة عقلا لا على الدلالة وضعا وإن أراد نفي الدلالة مطلقا فلا صحة له لأن المنفي هو الدلالة وضعا لا الدلالة المطلقة الشاملة لها ولغيرها المعتبرة عند البلغاء التي مرجعها إلى الانتقال في الجملة من المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي { هذا } أي الخلاف المذكور { إذا استعمل } أي الأمر { في الندب أو الإباحة أما إذا استعمل في الوجوب ثم نسخ فبقي أحدهما كما هو مذهب الشافعي } أما عندنا فلا يبقى الجواز الثابت في ضمن الوجوب بعد انتساخه { فلا يكون مجازا } لأن هذه دلالة الحقيقة على مدلولها التضمني يعني دلالة أمر الوجوب على جواز الفعل دلالة الحقيقة على مدلولها التضمني لا دلالة المجازعلى مدلوله المجازي فعلى تقدير نسخ الوجوب وبقاء الجواز لا يصير اللفظ مجازا لا بطريق الاستعارة ولا بطريق إطلاق اسم الكل على الجزء حتى يلزم انقلاب اللفظ من الحقيقة إلى المجاز في إطلاق واحد وهذا لأن بقاء ذلك الجواز يحكم الدلالة السابقة في ضمن استعمال اللفظ في معناه الحقيقي لا باستعماله فيه بخصوصه .
Page 146