حق من الدية، وإن أحب أن يأخذه به أخذه، لأن عفوه عن القصاص غير عفوه عن المال، إنما هو عفو أحد الأمرين دون الآخر.
قال تعالى: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) الآية، يعني: من عفي له عن القصاص.
وقال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: لو قال قد عفوت عنك القصاص والدية، لم
يكن له قصاص، ولم يكن له نصيب من الدية، ولو قال: عفوت ما لزمك لي، لم يكن هذا عفوًا للدية وكان عفوًا للقصاص، وإنَّما كان عفوًا للقصاص دون المال، ولم يكن عفوًا للمال دون القصاص، ولا لهما؛ لأن اللَّه ﷿ حكم بالقصاص.
ثم قال: (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ) الآية، فأعلم -
سبحانه - أن العفو مطلقًا، إنما هو ترك القصاص لأنه أعظم الأمرين.
وحكم بأن يتبع بالمعروف ويؤدي إليه المعفو له بإحسان.
الأم (أيضًا): باب (القصاص بين المماليك):
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: قال اللَّه تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى) إلى قوله: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
الآية، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: كان في أهل الإنجيل إذا قتلوا: العقلُ، لم يكن فيهم قصاص، وكان في أهل التوراة: القصاص، ولم يكن فيهم دية، فحكم اللَّه ﷿ في هذه الأمة بأن في العمد: الدية إن شاء الولي، أو القصاص إن شاء، فأنزل اللَّه ﷿:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ) الآية.