والاستواء مجاز عن تعلق قدرته بما يفعل بالسماء وضمن معنى عمد فلذلك عدي بإلى والسماء جمع سماوة أو اسم جنس والتسوية جعلهن سواء بالنسبة إلى سطوحها واملاسها.
والضمير في " سواهن " عائد على السماء وانتصب سبع سموات على الحال أو على البدل من الضمير وقال الزمخشري: والضمير في سواهن ضمير مبهم وسبع سموات تفسيره كقولهم ربه رجلا. " انتهى ".
مفهوم كلامه أن هذا الضمير يعود على ما بعده وهو مفسر به فهو عائد على غير متقدم الذكر والمواضع التي يفسر فيها الضمير بما بعده ليس هذا منها وكونه يعود على ما بعده يكون الكلام مفلتا مما قبله ويصير أخبارا بجملتين إحداهما أنه استوى إلى السماء والأخرى سوى سبع سموات. وتقدم الربط بين الجملتين والظاهر أن الذي استوى إليه هو المسوى سبع سموات وجعل سوي بمعنى صير فينتصب سبع على أنه مفعول ثان غير معروف في اللغة وإعراب سبع على أنه مفعول سوي والتقدير فسوى منها غير مستقيم لا لفظا ولا معنى وناسب مقطع هذه " الآية " بالوصف بمبالغة العلم لما تقدم من الأفعال التي فعلها الله تعالى في العالم السفلي والعالم العلوي ثم ذكر تعالى فبدأ عالم الانسان وحاله.
{ وإذ قال ربك للملئكة } والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم والناصب لإذ قالوا أتجعل أي وقت قول الله للملائكة:
{ إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها } كما تقول إذ جئتني أكرمتك أي وقت مجيئك أكرمتك وللمفسرين والمعربين في العامل في إذ ثمانية أقوال تنزه القرآن عنها والملك ميمه أصلية وجمعه على ملائكة أو ملائك شاذ واشتقاقه من الملك وهو القوة وكأنهم توهموا أنه فعال. وقيل: الميم زائدة من لاك إذا أرسل قالوا ملاك فخفف بحذف الهمزة ونقل حركتها إلى اللام وقيل من الالوكة وهي الرسالة فاصلة مالك ثم قلب فصار ملاك ثم نقل وحذفت الهمزة فوزنه فعل وقيل من لاك الشيء إدارة في فيه وهو مفعل كمعاد ثم قذفت العين فوزنه مفك وهمزها في ملائكة شاذ كهمز مصائب والتاء في الملائكة لتأنيث الجمع وإسناد القول إلى ربك في غاية من المناسبة وفيه خروج من الخطاب العام في قوله: { هو الذي خلق لكم ما في الأرض } إلى الخطاب الخاص في قوله:
{ ربك } وفي الخطاب هو لاستماع ما يذكر بعده من غريب افتتاح هذا العالم الإنساني وشيء من أحواله ومآله وإشارة إلى الخطاب الأعظم من الجملة المخبر بها إذ هو عليه السلام أعظم خلفائه والخليفة فعيلة بمعنى الفاعل والهاء للمبالغة وقيل بمعنى المفعول كالنطيحة والهاء للمبالغة واللام في الملائكة للتبليغ.
والجعل الظاهر أنه الخلق وقيل التصيير ويقال سفك وسفك مضعفا وأسفك ومضارع سفك يسفك ويسفك بكسر الفاء وضمها والسفك الصب.
والدماء جمع دم محذوف اللام ووزنه فعيل وقيل فعل وقصره وتضعيفه مسموع. والتقديس التطهير والتسبيح التنزيه والبراءة من السوء.
وقرىء خليقة بالقاف والظاهر عموم الملائكة وقيل الذين كانوا يسكنون الأرض وعموم الأرض وقيل أرض مكة وذكروا في قول الله للملائكة ما قال امورا لا تقطع بصحتها ولله سبحانه وتعالى أن يخاطب من شاء بما شاء وإن خفيت الحكمة.
ولما كانت الملائكة لا تعلم الغيب ولا تسبق بالقول لم يكن قولهم أتجعل فيها " الآية " إلا عن نبأ سابق ومقدمة لم تذكر في القرآن فنعلمها قيل وهو استفهام على معنى التعجب من استخلاف الله من يعصيه وقيل على طريق الاكبار للاستخلاف والعصيان ولما كان قول الملائكة مع عصمتهم ظاهرة الاعتراض تأول العلماء جوابهم على وجوه أحسنها عندي أنهم كانوا حين القول لهم فجملين وإبليس مندرج في جملتهم فورد منهم الجواب مجملا فلما انفصل إبليس عن جملتهم بآبائه واستكباره انفصل الجواب إلى نوعين فنوع الاعتراض كان عن إبليس وأنواع التقديس والتسبيح كان عن الملائكة فانقسم الجواب إلى قسمين كانقسام الجنس إلى نوعين وناسب كل جواب من ظهر عنه وقرىء ويسفك بضم الياء ويسفك بشد الفاء وقرىء ويسفك بنصب الكاف على جواب الاستفهام.
Unknown page