265

{ وكنتم على شفا حفرة } جملة مستأنفة أخبر تعالى بما كانوا عليه من الإشراف على الهلاك ويجوز أن تكون حالا أي وقد كنتم والشفا الطرف والضمير في منها عائد على النار ويجوز أن يعود على الشفا لإضافته إلى المؤنث لأن طرف الشيء من الشيء كما أنت في قوله: كما أشرقت صدر القناة من الدم.

قال ابن عطية: رادا على من أجاز عود الضمير على الشفا لأنه ليس لنا لفظ مؤنث يعود الضمير عليه، " انتهى ". وأقول: لا يحسن عوده إلا على الشفا لأن كينونتهم على الشفا هو أحد جزئي الإسناد فالضمير لا يعود إلا عليه. وأما ذكر الحفرة فإنما جاءت على سبيل الإضافة إليها ألا ترى أنك إذا قلت كان زيد غلام جعفر لم يكن جعفر محدثا عنه وليس أحد جزيء الإسناد وكذلك لو قلت: ضربت زيد غلام هند لم تحدث عن هند بشيء وإنما ذكرت جعفرا وهذا مخصصا للمحدث عنه. وأما ذكر النار فإنما جني بها لتخصيص الحفرة وليست أيضا أحد جزئي الإسناد ولا تحدثا عنها وأيضا فالانقاذ من الشفا أبلغ من الإنقاذ من الحفرة ومن النار لأن الإنقاذ من الحفرة ومن النار والإنقاذ منهما يستلزم الإنقاذ من الشفا هو الظاهر من حيث اللفظ ومن حيث المعنى، ومثلث حياتهم التي يتوقع بعدها الوقوع في النار بالقعود على جرفها مشفين على الوقوع فيها.

[3.104-108]

{ ولتكن منكم } الظاهر أنه خطاب للمخاطبين قبله ومنكم يقتضي التبعيض ويندرج في الخطاب جميع المؤمنين والمراد بالأمة الآمرة والناهية من يتعين لصلاحية ذلك ان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يكون إلا لمن علم المعروف والمنكر وكيف يترتب الأمر في إقامته وكيف يباشره فإن الجاهل ربما أمر بمنكر ونهى عن معروف. وقد رأينا من ينتمي للصلاح يأمر أصحابه بالاجتماع لمغن شاب يغني لهم بالتغزلات والمحون وينافخ في قصبة يخرج منها أصوات فيتلذذون بذلك ويرقصون ويدور أحدهم مائة دورة وأكثر منها ويجعل أذنه عند القصبة والمغني ويتفتل في رقصه ويمشي على جنبه ملاصقا إلى الأرض من أول الإيوان إلى آخره ويشهد ذلك الجم الغفير والجمع الكثير ممن ينتمي إلى الإسلام فلا ينكر أحد منهم شيئا من ذلك وهو من أعظم المنكرات.

{ ولا تكونوا كالذين تفرقوا } قال ابن عباس: هم الأمم السالفة التي تفرقت في الدين و:

{ البينات } قال ابن عباس: آيات الله التي أنزلت على أهل كل ملة.

{ وأولئك } إشارة إلى الذين تفرقوا.

{ يوم تبيض وجوه } البياض عبارة عن إشراقها ونورها وبشرها برحمة الله والسواد عبارة عن ظلمتها وكمدها وخص الوجه لأنه أشرف ما في الإنسان وإن كان البياض والسواد يعمان جميع البدن ويجوز أن يراد بالبياض والسواد حقيقتهما ويوم ظرف والعامل فيه العامل في لهم أي كائن لهم عذاب عظيم يوم تبيض.

{ فأما الذين اسودت وجوههم } هذا تفصيل لأحكام من تبيض وجوههم وتسود وابتدأ بالذين اسودت للاهتمام بالتحذير من حالهم ولمجاورة قوله وتسود وجوه والابتداء بالمؤمنين والاختتام بحكمهم وللعرب في مثل هذا طريقان أحدهما: انه إذا فصل شيء بشيء أو حكم بحكم وإن لم يكن تفصيليا يجعل الآخر للأول والآخر أن يجعل الأول من السابقين للأول من الآخرين، والثاني للثاني كقوله تعالى:

فمنهم شقي وسعيد

Unknown page