قال ابن عطية: ويجوز عند بعضهم حذف الياء فيقول الناس كالقاضي والهاد قال: أما جوازه في العربية فذكره سيبويه ظاهره أن ذلك جاز مطلقا ولم يجزه سيبويه إلا في الشعر وأجازه القراء في الكلام وأما قوله: وأما جوازه مقرؤا به فلا أحفظه فكونه لا يحفظه قد حفظه غيره.
قال أبو العباس المهدوي: قرأ أفاض الناسي سعيد بن جبير وعنه أيضا أفاض الناس بالكسر من غير ياء " انتهى ". كلام المهدوي وفي هذه القراءة دليل على أن الافاضة من عرفات شرع قديم ولما حج أبو بكر توجه إلى عرفات فمر بالحمس وهم وقوف بجمع فلما ذهب ليجاوزهم قالوا له: يا أبا بكر أين تجاوزنا إلى غيرنا هذا موقف آبائك فمضى أبو بكر كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفات وبها أهل اليمن وربيعة فوقف بها حتى غربت الشمس ثم أفاض بالناس إلى المشعر الحرام فوقف به فلما كان عند طلوع الشمس أفاض منه.
{ واستغفروا الله } أمر بطلب غفران الذنوب كانوا إذا قضوا مناسكهم اجتمعوا في الموسم يتفاخرون ويذكرون مآثر آبائهم من قرى الضيف والشجاعة ونحر الجزر وفك العاني وجز النواصي وغير ذلك مما يفخرون به فنزل:
{ فإذا قضيتم مناسككم } الآية، ومعنى قضيتم أديتم وقرىء: مناسككم بالتفكيك وبالإدغام والمعنى ابتهلوا بذكر الله والثناء عليه والهجوا بذكره كما يلهج المرء بذكر أبيه وأعربوا ذكرا تمييزا بعد أفعل التفضيل فجعلوا الله ذكرا إذ التقدير أو ذكرا أشد ذكرا وذلك على سبيل المجاز كما قالوا شعر شاعر وجوزوا أن يكون أو شد معطوفا على موضع الكاف فيكون منصوبا أو على ذكر المجرور فيكون مجرورا أي أو كذكر أشد ذكرا أو وصفا في المعنى للذاكر منتصبة بفعل مضمر تقديره أو كونوا أشد ذكرا أو للذاكر المذكور منتصبه عطفا على إياكم والتقدير أو قوما أشد ذكرا من آبائكم ومعنى من آبائكم أي من ذكركم لآبائكم أو بجره عطفا على الضمير المجرور بالمصدر أي أو قوم أشد ذكرا فهذه خمسة وجوه ضعيفة وقد ساغ لنا حمل الآية على معنى يتبادر إليه الذهن بتوجيه صحيح ذهلوا عنه وهو أن يكون أشد منصوبا على الحال وهو كان يكون نعتا لذكرا لو تأخر فلما تقدم انتصب على الحال ألا ترى أنه لو تأخر لكان التركيب أو ذكرا أشد أي من ذكركم لآبائكم فصلت الحال بين حرف العطف والمعطوف وجاز ذلك لأن حرف العطف على أن أزيد من حرف ولأن الحال مفعول فيها فهي شبيهة بالظرف وحسن تأخير ذكرا لأنه كالفاصلة ولزوال التكرار إذ تقدم لكان التركيب فاذكروا الله كذكركم آبائكم أو ذكرا أشد.
{ فمن الناس من يقول } هذا تقسيم للمأمورين بالذكر بعد الفراغ من المناسك وأنهم ينقسمون في سؤال الله تعالى إلى من يغلب عليه حب الدنيا فلا يدعو إلا بها ومنهم من يدعو بصلاح ماله في الدنيا والآخرة وهذا من الإلتفات ولو جاء على الخطاب لكان التركيب فمنكم من يقول وحكمة هذا الإلتفات أنهم لما واجهوا بهذا الذي لا ينبغي أن يسأله عاقل وهو الاقتصار على الدنيا فابرزوا في صورة غير المخاطبين بذكر الله بأن جعلوا في صورة الغائبين مفعول آتنا محذوف أي ما نريد ومطلوبنا وجعل في زائدة فتكون الدنيا المفعول الثاني أو جعل في بمعنى من تكون في موضع المفعول الثاني قولان ساقطان.
{ وما له في الآخرة من خلاق } أي نصيب وهو اخبار بحاله في الآخرة حيث اقتصر في طلبه على الدنيا وأفرد الضمير في يقول حملا على اللفظ وأتى بنون الجمع في آنا حملا على المعنى الحسنة مطلقة وقد مثلوا الحسنتين بأنواع من حسنات الدنيا ومن حسنات الآخرة.
وقال ابن عطية: حسنة الآخرة الجنة بإجماع.
{ وفي الآخرة حسنة } من عطف شيئين على شيئين لا من باب الفصل بين حرف العطف والمعطوف بل هو من باب أعطيت زيدا درهما وعمرا دينارا ورأيت من زيد ودا ومن بكر جفوة.
{ وقنا عذاب النار } سؤال بالوقاية من النار وهو أن لا يدخلوها إذ كان من يدخل النار ثم يدخل الجنة صدق عليه أنه أوقى في الآخرة حسنة فسألوا الوقاية من النار.
{ أولئك لهم نصيب مما كسبوا } إشارة إلى الفريقين إذ لفظ نصيب ومما كسبوا مشترك بينهما ومن للتبعيض أي من جنس ما كسبوا أو للسبب.
Unknown page