{ ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } ولما جاء الإسلام تحرجت العرب من أن يحضروا أسواق الجاهلية كعكاظ وذي المجاز ومجنة فأباح الله لهم ذلك والفضل الأرباح التي تكون بسبب التجارة.
{ فإذآ أفضتم من عرفت } عرفات علم اسم جبل وهو مؤنث حكى سيبويه هذه عرفات مباركا فيها وهو مرادف لعرفة وتنوينه تنوين مقابلة وقيل تنوين صرف ولا يدل هذا الشرط على وجوب الوقوف بعرفات إنما يعلم منه الحصول في عرفة والوقوف بها لكن السنة والاجماع يدلان على ذلك وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دفع من عرفات أعنق وإذا وجد فرجة نص والعنق سير سريع مع رفق والنصب سير سريع شديد فوق العنق.
{ فاذكروا الله عند المشعر الحرام } أي اذكروه بالثناء والتضرع أو كني به عن الصلاة بالمزدلفة المغرب والعشاء والمشعر المعلم ووصف بالحرام لأنه ممنوع أن يفعل فيه ما نهي عنه من محظورات الإحرام وهذا المشعر يسمى جمعا وهو ما بين جبلي المزدلفة من مفضى عرفة إلى بطن محسر وليس المأزمين ولا وادي محسر من المشعر الحرام والمأزم المضيق وهو مضيق واحد بين جبلين ثنوه لمكان الجبلين ولم تتعرض الآية لتعيين الذكر بالمزدلفة وعنه صلى الله عليه وسلم أنه لما صلى الفجر يعني بالمزدلفة بغلس ركب ناقته حتى أتى المشعر الحرام فدعا وكبر وهلل ولم يزل واقعا حتى أسفر وعلى هذا يكون في الكلام مجلة محذوفة أي فإذا أفضتم من عرفات ويتم بالمزدلفة فاذكروا الله عند المشعر الحرام.
{ واذكروه كما هدكم } الظاهر أنه تكرار قصد به التوكيد والكاف في كما للتشبيه أما نعت لمصدر محذوف أو نصب على الحال أو تكون الكاف للتعليل أي اذكروه وعظموه لهدايته السابقة لكم وقد ذكر سيبويه حاكيا كما أنه لا يعلم فتجاوز الله عنه أي لأنه لا يعلم وأثبت كون الكاف للتعليل الأخفش وابن برهان ومن المتأخرين ابن مالك وما في كما مصدرية وجوز الزمخشري وابن عطية أن تكون كافة للكاف عن العمل وقد منع أن تكون الكاف مكفوفة بما عن العمل أبو سعد علي بن مسعود بن الفرخال صاحب المستوفى والهداية هنا هي خاصة أي في مناسك حجكم إلى سنة إبراهيم صلى الله عليه وسلم أو عامة تتناول أنواع الهدايات.
{ وإن كنتم من قبله } أي ضالين من قبله أي من قبل الهدى الدال عليه كما هداكم.
{ ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس } ثم للترتيب في الذكر لا للترتيب في الزمان الواقع فيه الأفعال وحسن هذا ان لإفاضة السابقة لم تكن مأمورا بها إنما كان المأمور به ذكر الله تعالى إذا فعلت والأمر بالذكر عند الفعل لا يدل على الأمر بالفعل ألا ترى أنك تقول إذا ضربك زيد فاضربه فلا يكون زيد مأمورا بالضرب فكأنه قيل ثم لتكن تلك الإفاضة من عرفات وفي الحديث كان الحمس يقفون بالمزدلفة وكان من سواهم يقفون بعرفة فأنزل الله هذه الآية وقد وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل المبعث بعرفة وهو من الحمس إلهاما من الله وتوفيقا إلى ما شرع وللزمخشري كلام في ثم دانها تكون للتفاوت والبعد.
قال: فإن قلت فكيف موقع ثم قلت نحو موقعها من قولك أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير كريم تأتي بثم لتفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم والإحسان إلى غيره وبعدما بينهما فلذلك حين أمرهم بالذكر عند الافاضة من عرفات قال: ثم أفيضوا التفاوت ما بين الإفاضتين وان أحدهما صواب والثانية خطأ " انتهى كلامه ".
وليست الآية كالمثال الذي مثله وحاصل ما ذكر أن ثم تسلب الترتيب وانها لها معنى غيره سماه بالتفاوت والبعد لما بعدها مما قبلها ولم يجر في الآية أيضا ذكر الافاضة الخطأ فتكون ثم في قوله: ثم أفيضوا، جاءت لبعد ما بين الافاضتين وتفاوتهما ولا نعلم أحدا سبقه إلى إثبات هذا المعنى لثم والناس ظاهره العموم في المفيضين وقرىء: الناس بالياء وبتركها وفسر بآدم لقوله تعالى:
ولقد عهدنآ إلى ءادم من قبل فنسي
[طه: 115].
Unknown page