{ وسع كرسيه السماوات والأرض} أي: علمه، ومنه الكراسة لتضمنها العلم، والكراسي: العلماء، وسمي العلم كرسيا تسمية بمكانه الذي هو كرسي العالم، وهو كقوله: {ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما} (¬1) أو عرشه أو قدرته؛ {ولا يئوده} ولا يثقله ولا يشق عليه {حفظهما} حفظ السماوات والأرض، ومن حفظ السماوات والأرض حفظ من فيها من الخلائق وغيرها؛ {وهو العلي} في ملكه وسلطانه، {العظيم(255)} في عزه وجلاله وامتنانه، والعلي: المتعالي عن الصفات التي لا تليق به، [و]العظيم: المتصف بالصفات التي تليق به، فهما جامعان لكمال التوحيد؛ وإنما ترتبت الجمل في أنه الكرسي بلا حرف عطف، لأنها وردت على سبيل البيان، فالأولى: بيان القيامة بتدبير الخلق، وكونه مهيمنا عليه غير ساه عنه، والثانية: لكونه مالكا لما يدبره، والثالثة: لكبرياء شأنه، والرابعة: لإحاطته بأحوال [57] الخلق، والخامسة: لسعة علمه وتعلقه بالمعلومات، (لعله) وتعلق المعلومات به كلها، أو لجلالة وعظم قدره، وهذه الآية مشتملة على أمهات المسائل الآلهية، فإنها دالة على أنه تعالى موجود، واحد في الإلهية، متصف بالحياة، واجب الوجود لذاته، موجود لغيره، إذ القيوم: هو القائم بنفسه، المقيم لغيره، منزه عن التحيز والجور، مبرأ عن التغير والفتور، ولا يناسب الأشباح، ولا يعتري به ما يعتري الأرواح، مالك الملك والملكوت، ومبدع الأصول والفروع، ذو البطش الشديد الذي لا يشفع عنده إلا من أذن له، العالم وحده بالأشياء كلها جليها وخفيها، كلها وجزئها، واسع الملك والقدرة كلما يصح أن يملك ويقدر عليه، لايؤوده شاق، ولا يشغله شأن، متعال عن أن ندركه، وهو عظيم لا يحيط به فهم، ولذلك قال - عليه السلام - : «إن أعظم آية في القرآن
¬__________
(¬1) - ... سورة غافر: 7.
Page 127