Tafsir Mizan
تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي
قلت: كلا فليست المعجزة معجزة من حيث إنها مستندة إلى سبب طبيعي مجهول حتى تنسلخ عن اسمها عند ارتفاع الجهل وتسقط عن الحجية، ولا أنها معجزة من حيث استنادها إلى سبب مفارق للعادة، بل هي معجزة من حيث إنها مستندة إلى أمر مفارق للعادة غير مغلوب السبب قاهرة العلة البتة، وذلك كما أن الأمر الحادث من جهة استجابة الدعاء كرامة من حيث استنادها إلى سبب غير مغلوب كشفاء المريض مع أنه يمكن أن يحدث من غير جهته كجهة العلاج بالدواء غير أنه حينئذ أمر عادي يمكن أن يصير سببه مغلوبا مقهورا بسبب آخر أقوى منه.
7 - القرآن يعد المعجزة برهانا على صحة الرسالة لا دليلا عاميا
وهاهنا سؤال وهو أنه ما هي الرابطة بين المعجزة وبين حقية دعوى الرسالة مع أن العقل لا يرى تلازما بين صدق الرسول في دعوته إلى الله سبحانه وبين صدور أمر خارق للعادة عن الرسول على أن الظاهر من القرآن الشريف، تقرير ذلك فيما يحكيه من قصص عدة من الأنبياء كهود وصالح وموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنهم على ما يقصه القرآن حينما بثوا دعوتهم سئلوا عن آية تدل على حقية دعوتهم فأجابوهم فيما سئلوا وجاءوا بالآيات.
وربما أعطوا المعجزة في أول البعثة قبل أن يسألهم أممهم شيئا من ذلك كما قال تعالى في موسى (عليه السلام) وهارون: "اذهب أنت وأخوك بآياتي ولا تنيا في ذكري": طه - 42، وقال تعالى في عيسى (عليه السلام): "ورسولا إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرىء الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين": آل عمران - 49، وكذا إعطاء القرآن معجزة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
وبالجملة فالعقل الصريح لا يرى تلازما بين حقية ما أتى به الأنبياء والرسل من معارف المبدإ والمعاد وبين صدور أمر يخرق العادة عنهم.
مضافا إلى أن قيام البراهين الساطعة على هذه الأصول الحقة يغني العالم البصير بها عن النظر في أمر الإعجاز، ولذا قيل إن المعجزات لإقناع نفوس العامة لقصور عقولهم عن إدراك الحقائق العقلية وأما الخاصة فإنهم في غنى عن ذلك.
والجواب عن هذا السؤال أن الأنبياء والرسل (عليهم السلام) لم يأتوا بالآيات المعجزة لإثبات شيء من معارف المبدإ والمعاد مما يناله العقل كالتوحيد والبعث وأمثالها وإنما اكتفوا في ذلك بحجة للعقل والمخاطبة من طريق النظر والاستدلال كقوله تعالى: "قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض": إبراهيم - 10 في الإحتجاج على التوحيد قوله تعالى: "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار": ص - 28 في الإحتجاج على البعث.
وإنما سئل الرسل المعجزة وأتوا بها لإثبات رسالتهم وتحقيق دعويها.
Page 44