192

Tafsir Mizan

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

وعن طرق أهل السنة والجماعة: في شهادة هذه الأمة على الناس وشهادة النبي عليهم أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء فيطالب الله الأنبياء بالبينة على أنهم قد بلغوا وهو أعلم فيؤتى بأمة محمد فيشهدون فتقول الأمم من أين عرفتم فيقولون عرفنا ذلك بإخبار الله تعالى في كتابه الناطق على لسان نبيه الصادق فيؤتى بمحمد ويسأل عن حال أمته فيزكيهم ويشهد بعدالتهم وذلك قوله تعالى فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد.

أقول ما يشتمل عليه هذا الخبر وهو مؤيد بأخبار أخر نقلها السيوطي في الدر المنثور، وغيره من تزكية رسول الله لأمته وتعديله إياهم لعله يراد به تعديله لبعضهم دون جميعهم وإلا فهو مدفوع بالضرورة الثابتة من الكتاب والسنة وكيف تصحح أو تصوب هذه الفجائع التي لا تكاد، توجد ولا أنموذجة منها في واحدة من الأمم الماضية؟ وكيف يزكي ويعدل فراعنة هذه الأمة وطواغيتها؟ فهل ذلك إلا طعن في الدين الحنيف ولعب بحقائق هذه الملة البيضاء، على أن الحديث مشتمل على إمضاء الشهادة النظرية دون شهادة التحمل.

وفي المناقب، في هذا المعنى عن الباقر (عليه السلام): ولا يكون شهداء على الناس إلا الأئمة والرسل، وأما الأمة فغير جائز أن يستشهدها الله وفيهم من لا تجوز شهادته على حزمة بقل.

وفي تفسير العياشي، عن الصادق (عليه السلام): في قوله تعالى: لتكونوا شهداء على الناس - ويكون الرسول عليكم شهيدا الآية، فإن ظننت أن الله عنى بهذه الآية جميع أهل القبلة من الموحدين أفترى أن من لا تجوز شهادته في الدنيا على صاع من تمر يطلب الله شهادته يوم القيامة، ويقبلها منه بحضرة جميع الأمم الماضية؟ كلا! لم يعن الله مثل هذا من خلقه، يعني الأمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم كنتم خير أمة أخرجت للناس وهم الأمة الوسطى وهم خير أمة أخرجت للناس.

أقول: وقد مر بيان ذلك في ذيل الآية بالاستفادة من الكتاب.

وفي قرب الإسناد، عن الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن النبي قال: مما أعطى الله أمتي وفضلهم على سائر الأمم أعطاهم ثلاث خصال لم يعطها إلا نبيا إلى أن قال وكان إذا بعث نبيا جعله شهيدا على قومه، وإن الله تبارك وتعالى جعل أمتي شهيدا على الخلق، حيث يقول ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس الحديث.

أقول: والحديث لا ينافي ما مر، فإن المراد بالأمة الأمة المسلمة التي وجبت لها دعوة إبراهيم.

وفي تفسير العياشي، عن أمير المؤمنين (عليه السلام): في حديث يصف فيه يوم القيامة، قال (عليه السلام) يجتمعون في موطن يستنطق فيه جميع الخلق، فلا يتكلم أحد إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا، فيقام الرسول فيسأل فذلك قوله لمحمد فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد - وجئنا بك على هؤلاء شهيدا، وهو الشهيد على الشهداء، والشهداء هم الرسل وفي التهذيب، عن أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) قال،: قلت له أمره أن يصلي إلى بيت المقدس؟ قال نعم ألا ترى أن الله تبارك وتعالى يقول وما جعلنا القبلة التي كنت عليها - إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه الآية.

أقول: مقتضى الحديث كون قوله تعالى التي كنت عليها وصفا للقبلة، والمراد بها بيت المقدس، وأنه القبلة التي كان رسول الله عليها، وهو الذي يؤيده سياق الآيات كما تقدم.

ومن هنا يتأيد ما في بعض الأخبار عن العسكري (عليه السلام): أن هوى أهل مكة كان في الكعبة فأراد الله أن يبين متبع محمد من مخالفيه باتباع القبلة التي كرهها، ومحمد يأمر بها، ولما كان هوى أهل المدينة في بيت المقدس أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليبين من يتبع محمدا فيما يكرهه فهو مصدقه وموافقه الحديث، وبه يتضح أيضا فساد ما قيل: إن قوله تعالى التي كنت عليها مفعول ثان لجعلنا، والمعنى: وما جعلنا القبلة، هي الكعبة التي كنت عليها قبل بيت المقدس، واستدل عليها بقوله تعالى إلا لنعلم من يتبع الرسول، وهو فاسد، ظهر فساده مما تقدم.

Page 193