148

Tafsir Mizan

تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي

قوله تعالى: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله، المشرق والمغرب وكل جهة من الجهات حيث كانت فهي لله بحقيقة الملك التي لا تقبل التبدل والانتقال، لا كالملك الذي بيننا معاشر أهل الاجتماع، وحيث إن ملكه تعالى مستقر على ذات الشيء محيط بنفسه وأثره، لا كملكنا المستقر على أثر الأشياء ومنافعها، لا على ذاتها، والملك لا يقوم من جهة أنه ملك إلا بمالكه فالله سبحانه قائم على هذه الجهات محيط بها وهو معها، فالمتوجه إلى شيء من الجهات متوجه إليه تعالى.

ولما كان المشرق والمغرب جهتين إضافيتين شملتا سائر الجهات تقريبا إذ لا يبقى خارجا منهما إلا نقطتا الجنوب والشمال الحقيقتان ولذلك لم يقيد إطلاق قوله فأينما، بهما بأن يقال: أينما تولوا منهما فكأن الإنسان أينما ولى وجهه فهناك إما مشرق أو مغرب، فقوله: ولله المشرق والمغرب بمنزلة قولنا: ولله الجهات جميعا وإنما أخذ بهما لأن الجهات التي يقصدها الإنسان بوجهه إنما تتعين بشروق الشمس وغروبها وسائر الأجرام العلوية المنيرة.

قوله تعالى: فثم وجه الله، فيه وضع علة الحكم في الجزاء موضع الجزاء، والتقدير - والله - أعلم فأينما تولوا جاز لكم ذلك فإن وجه الله هناك، ويدل على هذا التقدير تعليل الحكم بقوله تعالى: إن الله واسع عليم، أي إن الله واسع الملك والإحاطة عليم بقصودكم أينما توجهت، لا كالواحد من الإنسان أو سائر الخلق الجسماني لا يتوجه إليه إلا إذا كان في جهة خاصة، ولا أنه يعلم توجه القاصد إليه إلا من جهة خاصة كقدامه فقط، فالتوجه إلى كل جهة توجه إلى الله، معلوم له سبحانه.

واعلم أن هذا توسعة في القبلة من حيث الجهة لا من حيث المكان، والدليل عليه قوله: ولله المشرق والمغرب.

بحث روائي

في التهذيب، عن محمد بن الحصين قال: كتب إلى عبد صالح الرجل يصلي في يوم غيم في فلات من الأرض ولا يعرف القبلة فيصلي حتى فرغ من صلاته بدت له الشمس فإذا هو صلى لغير القبلة يعتد بصلاته أم يعيدها؟ فكتب يعيد ما لم يفت الوقت، أولم يعلم أن الله يقول: وقوله الحق فأينما تولوا فثم وجه الله.

وفي تفسير العياشي، عن الباقر (عليه السلام): في قوله تعالى: ولله المشرق والمغرب إلخ، قال (عليه السلام): أنزل الله هذه الآية في التطوع خاصة فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ، وصلى رسول الله إيماء على راحلته أينما توجهت به حين خرج إلى خيبر، وحين رجع من مكة، وجعل الكعبة خلف ظهره.

أقول: وروى العياشي أيضا قريبا من ذلك عن زرارة عن الصادق (عليه السلام)، وكذا القمي والشيخ عن أبي الحسن (عليه السلام)، وكذا الصدوق عن الصادق (عليه السلام).

واعلم أنك إذا تصفحت أخبار أئمة أهل البيت حق التصفح، في موارد العام والخاص والمطلق والمقيد من القرآن وجدتها كثيرا ما تستفيد من العام حكما، ومن الخاص أعني العام مع المخصص حكما آخر، فمن العام مثلا الاستحباب كما هو الغالب ومن الخاص الوجوب، وكذلك الحال في الكراهة والحرمة، وعلى هذا القياس.

وهذا أحد أصول مفاتيح التفسير في الأخبار المنقولة عنهم، وعليه مدار جم غفير من أحاديثهم.

ومن هنا يمكنك أن تستخرج منها في المعارف القرآنية قاعدتين: إحداهما: أن كل جملة وحدها، وهي مع كل قيد من قيودها تحكي عن حقيقة ثابتة من الحقائق أو حكم ثابت من الأحكام كقوله تعالى: "قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون": الأنعام - 91، ففيه معان أربع: الأول: قل الله، والثاني: قل الله ثم ذرهم، والثالث: قل الله ثم ذرهم في خوضهم، والرابع: قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون.

واعتبر نظير ذلك في كل ما يمكن.

والثانية: أن القصتين أو المعنيين إذا اشتركا في جملة أو نحوها، فهما راجعان إلى مرجع واحد.

وهذان سران تحتهما أسرار والله الهادي.

Page 149