121

( ختم الله على قلوبهم )؟ وهل يتفق هذا مع فكرة الاختيار التي نؤمن بها في مقابل فكرة الجبر التي يقول أصحابها : إن العباد مجبورون على الكفر والإيمان وعلى نتائجهما في الطاعة والعصيان؟

والجواب : أن هناك اتجاهين في تفسير الآية : الأول ؛ الاتجاه الذي يجعل القضية واردة مورد التشبيه المجازي ، فقد جاء في الكشاف للزمخشري : « فإن قلت : فلم أسند الختم إلى الله تعالى ، وإسناده إليه يدل على المنع من قبول الحق والتوصل إليه بطرقه ، وهو قبيح ، والله ، يتعالى عن فعل القبيح علوا كبيرا لعلمه بقبحه وعلمه بغناه عنه ، وقد نص على تنزيه ذاته بقوله : ( وما أنا بظلام للعبيد ) [ق : 29] ، ( وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ) [الزخرف : 76] ، ( إن الله لا يأمر بالفحشاء ) [الأعراف : 28] ونظائر ذلك مما نطق به التنزيل؟ قلت : القصد إلى صفة القلوب بأنها كالمختوم عليها. وأما إسناد الختم إلى الله عز وجل ، فلينبه على أن هذه الصفة في فرط تمكنها وثبات قدمها كالشيء الخلقي غير العرضي ، ألا ترى إلى قولهم : فلان مجبول على كذا ومفطور عليه : يريدون أنه بليغ في الثبات عليه .. ويجوز أن تضرب الجملة كما هي ، وهي ( ختم الله على قلوبهم ) مثلا ، كقولهم : سال به الوادي إذا هلك ، وطارت به العنقاء إذا أطال الغيبة. وليس للوادي ولا للعنقاء عمل في هلاكه ولا في طول غيبته ، وإنما هو تمثيل مثلت حاله في هلاكه بحال من سال به الوادي ، وفي طول غيبته بحال من طارت به العنقاء. فكذلك مثلت حال قلوبهم في ما كانت عليه من التجافي عن الحق بحال قلوب ختم الله عليها نحو قلوب الأغنام (الغنم : العجمة ، والأغنم : الأعجم الذي لا يفصح شيئا) التي هي في خلوها عن الفطن كقلوب البهائم ، أو بحال قلوب البهائم أنفسها ، أو بحال قلوب مقدر ختم الله عليها حتى لا تعي شيئا ولا تفقه ، وليس له عز وجل فعل في تجافيها عن الحق ونبوها عن قبوله ، وهو متعال عن

Page 130