للناس، دَائِنينَ بدينه الذي ارْتَضَى واصْطَفَى به ملائكتَه ومَنْ أنْعَمَ عليه من خلقه، فلم تُمْسِ بنا نعمة ظَهَرَتْ ولا بَطَنَتْ نِلْنَا بها حظًّا في دينٍ ودُنْيَا، أو دُفِع بها عنّا مكروه فيهما وفي واحد منهما، إلا ومحمد ﷺ سَبَبُها، القَائِدُ إلى خيرها، والهادي إلى رُشدها، فصلى الله على محمد وعلى آل محمد كما صلّى على إبراهيم وآل إبراهيم، إنه حميد مجيد (^١).
وكما أنه ﷺ بلَّغ رسالة ربه أتمَّ بلاغ وأكْمَلَه إمتثالًا لأمر ربه له بذلك في قوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾ (^٢)، فإنه ﷺ حرص على استمرار هذا البلاغ في أمته، فقال: «بلِّغوا عني ولو آية، وحَدِّثوا عن بني إسرائيل ولا حَرَج، ومن كذب علي متعمِّدًا فَلْيَتَبَّوأْ مقعده من النار» (^٣).
ودعى ﷺ لسامع السنة ومبلِّغها بالنَّضَارَةِ- وهي النِّعمةُ والبَهْجَةُ (^٤) -، فقال ﷺ: «نَضَّر الله امرءًا سمع مِنَّا حديثًا، فحفظه حتى يبلِّغَه غيرَه، فرُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورُبَّ حامل فقه ليس بفقيه»، وفي لفظ: «نَضَّر الله امرءًا سمع منا شيئًا، فبلَّغه كما سمعه، فرُبَّ مبلَّغ أَوْعَى من سامع» (^٥).
_________
(^١) من مقدمة الإمام الشافعي لكتاب الرسالة (ص ٧ - ١٧) بتصرُّف.
(^٢) الآية (٦٧) من سورة المائدة.
(^٣) أخرجه البخاري في صحيحه (٦/ ٤٩٦ رقم ٣٤٦١) في أحاديث الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل.
والترمذي في جامعه (٧/ ٤٣١ - ٤٣٢ رقم ٢٨٠٦) في العلم، باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل، ثم قال الترمذي: (هذا حديث حسن صحيح).
(^٤) كما فسره الخطابي في معالم السنن (٥/ ٢٥٣)، وابن الأثير في جامع الأصول (٨/ ١٨).
(^٥) هو حديث متواتر صنَّف فيه الشيخ عبد المحسن العبّاد- أثابه الله- مصنّفًا بعنوان: (دراسة حديث، «نضّر الله امرءًا سمع مقالتي» رواية ودراية)، وجمع فيه طرق هذا الحديث، فبلغت أربعة وعشرين طريقًا عن أربعة وعشرين صحابيًا، ولحديث بعض =
المقدمة / 2