عناوين ثلاثة: الحالة السياسية، والحالة الفكرية، والحالة العلمية.
أ - الحالة السياسية:
كانت الحالة السياسية في بداية حياة المؤلف (سعيد بن منصور) تشهد فتنًا وقلاقل بسبب قيام الدولة العباسية التي وجدت مناهضين لها، شأنها في ذلك شأن أي دولة تنهض من مرحلة الضعف، فتكون عرضة لأطماع الطامعين، فإذا قُدِّر لها أن تقوى شوكتُها، ويصلب عودُها استطاعت أن ترسِّخ دعائم سلطانها، وتبسط نفوذها، وتبطش بأعدائها، وهذا ما حصل للدولة العباسية. فإنها قامت في سنة (١٣٢ هـ) على يد أبي العباس السَّفَّاح عبد الله ويقال: المرتضى، ويقال: القاسم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب أوّل الخلفاء العباسيين الذي أخذ يطارد فُلُولَ الأمويين، إلى أن استقرّ له الأمر بعد مقتل آخر خلفاء بني أمية: مروان بن محمد. ثم أخذ أبو العباس يبسط نفوذه على البلاد والأقاليم، إلا أن كثيرًا من الأقاليم كانت تنشقّ عنه بعد أن تكون أعطته البيعة، مثل قنسرين، ودمشق، وحمص، والجزيرة، وقرقيسيا، والرَّقَّة، وغيرها كثير (^١).
كما أن هناك من قام بالخروج عليه، والتحم معه في قتال، مثل بسام بن إبراهيم، والخوارج، وشريك المهري ببخارى، وزياد بن صالح من وراء نهر بَلْخ (^٢).
ولم تدم الحياة طويلًا بالسفاح، فإنه ما لبث أن توفي في سنة ست وثلاثين ومائة (١٣٦ هـ). ثم تولّى بعده أخوه أبو جعفر المنصور عبد الله بن محمد الذي استقبل تصدُّعًا في أجزاء دولته استطاع بدهائه رَأْبَه. فأول ذلك: حينما جاءه خبر وفاة أخيه أبي العباس، كان في الطريق
_________
(^١) انظر تفاصيل ذلك في البداية والنهاية (١٠/ ٥٢ - ٥٧).
(^٢) المرجع السابق.
المقدمة / 19