180

Tafsir Kabir

التفسير الكبير

Genres

قوله عز وجل: { واقتلوهم حيث ثقفتموهم }؛ أي اقتلوا الذين يبدأونكم بالقتال من أهل مكة حيث وجدتموهم؛ { وأخرجوهم من حيث أخرجوكم }؛ أي كما أخرجوكم من مكة؛ قوله تعالى: { والفتنة أشد من القتل }؛ أي والشرك الذي هم فيه أعظم ذنبا من قتلكم إياهم في الحرم والأشهر الحرم والإحرام. هكذا قال عامة المفسرين. وقال الكسائي: (الفتنة ها هنا العذاب) وكانوا يعذبون من أسلم.

قوله تعالى: { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم }؛ أي إذا بدأوكم في غير الحرم، ثم لجأوا إلى الحرم فكفوا عن قتالهم ولا تقاتلوهم في الحرم حتى يقاتلوكم فيه. فإن بدأوكم بالقتال في الحرم فاقتلوهم فيه، { كذلك جزآء الكافرين }.

قرأ عيسى بن عمر وطلحة بن مصرف ويحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي: (ولا تقتلوهم) بغير ألف من القتل على معنى ولا تقتلوا بعضهم. تقول العرب: قتلنا بني تميم؛ وإنما قتلوا بعضهم. وقرأ الباقون كلها بالألف من القتال.

واختلفوا في حكم هذه الآية؛ فقال بعضهم: هي منسوخة؛ نهوا عن الابتداء بالقتال، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى:

وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة

[البقرة: 193]، وهذا قول قتادة والربيع. وقال مقاتل: { واقتلوهم حيث ثقفتموهم } أي حيث أدركتموهم في الحل والحرم. لما نزلت هذه الآية نسخها قوله تعالى: { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام } ثم نسختها آية السيف التي في براءة، فهي ناسخة منسوخة).

وقال آخرون: هذه آية محكمة؛ ولا يجوز الابتداء في القتال في الحرم. وهو قول مجاهد وأكثر المفسرين. وسمي الكفر فتنة؛ لأنه يؤدي إلى الهلاك كما أن الفتنة تؤدي إلى الهلاك. قوله تعالى: { فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم }؛ أي فإن انتهوا عن القتال والكفر فإن الله { غفور } لما مضى من جهلهم ولما سلف من كفرهم، { رحيم } بهم بعد توبتهم وإسلامهم.

[2.193-194]

قوله عز وجل: { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة }؛ أي قاتلوا المشركين حتى لا يكون شرك؛ أي قاتلوهم حتى يسلموا، فليس يقبل من الوثني جزية ولا يرضى منه إلا بالإسلام، وليسوا كأهل الكتاب الذين يؤخذ منهم الجزية. والحكمة في ذلك: أن مع أهل الكتاب كتبا منزلة فيها الحق وإن كانوا قد أهملوها، فأمهلهم الله بحرمة تلك الكتب من القتل وأمر بإذلالهم بالجزية، ولينظروا في كتبهم وليدبروها فيقفوا على الحق منها فيتبعوه. وأما أهل الأوثان فليس لهم كتب ترشدهم إلى الحق وكان إمهالهم زائدا في شركهم؛ فأبى الله أن يرضى منهم إلا بالإسلام أو القتل.

قوله تعالى: { ويكون الدين لله }؛ أي وتكون الطاعة لله وحده وأن لا يعبدوا دونه شيئا. قوله تعالى: { فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين }؛ أي { فإن انتهوا } عن القتال والكفر { فلا عدوان } أي فلا سبيل ولا حجة في القتل في الحرم والشهر الحرام إلا على الظالمين. قال قتادة وعكرمة: (في هذه الآية الظالم الذي أبى أن يقول لا إله إلا الله). وإنما سمي الكافر ظالما لوضعه العبادة في غير موضعها. وقيل: معناه: فلا عدوان إلا على الذين يبدأون بالقتال. ومن الدليل على أن هذه الآية غير ناسخة للأولى: أنها معها في خطاب واحد، ولا يصح النسخ إلا بعد التمكن من الفعل.

Unknown page