160

Tafsir Kabir

التفسير الكبير

Genres

قوله عز وجل: { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين }؛ قرأ ابن عباس وعائشة وعطاء وابن جبير وعكرمة ومجاهد (يطوقونه) بضم الياء وفتح الطاء والواو والتشديد؛ أي يكلفونه. وروي عن مجاهد وعكرمة بفتح الياء وتشديد الطاء والواو؛ أي يطوقونه بمعنى يتكلفونه. وروي عن ابن عباس أيضا أنه قرأ: (يطيقونه) بفتح الياء وتشديد الطاء والياء الثانية وفتحها بمعنى يطيقونه. يقال: طاق وأطاق بمعنى واحد.

قوله تعالى: { فدية طعام مسكين } قرأ أهل المدينة والشام (فدية طعام) مضافا إلى (مساكين) جمعا؛ أضاف الطعام إلى الفدية وإن كانا واحدا لاختلاف اللفظين، كقوله تعالى:

وحب الحصيد

[ق: 9]. وقولهم: مسجد الجامع، وربيع الأول. وقرأ ابن عباس: (طعام مسكين) على الواحد، وهي قراءة الباقين غير نافع، فمن وحد فمعناه لكل يوم طعام مسكين واحد، ومن جمع رده إلى الجمع؛ أي عليه إطعام مساكين فدية أيام يفطر فيها.

ومعنى الآية: { وعلى الذين } يطيقون الصوم فلم يصوموا (فدية طعام مسكين) وذلك أنه كان يرخص في الصوم الأول لمن يطيق الصوم أن يفطر ويتصدق مكان كل يوم على مسكين؛ ثم نسخ بقوله: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } [البقرة: 185].

قوله عز وجل: { فمن تطوع خيرا فهو خير له }؛ قرأ يحيى بن وثاب وحمزة والكسائي: (يطوع) بالياء وتشديد الطاء وجزم العين على معنى يتطوع. وقرأ الآخرون بالتاء وفتح العين وتخفيف الطاء على الفعل الماضي. ومعنى الآية: فمن يتطوع خيرا؛ أي زاد على طعام مسكين واحد فهو خير له؛ { وأن تصوموا خير لكم }؛ من أن تطعموا وتفطروا، { إن كنتم تعلمون }؛ ثواب الله في الصوم.

واختلف العلماء في تأويل هذه الآية وحكمها؛ فقال قوم: كان ذلك في أول ما فرض الله الصوم، وذلك أن الله عز وجل لما نزل فرض صيام شهر رمضان على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر أصحابه بذلك، شق عليهم الصوم؛ وكانوا قوما لم يتعودوا الصوم؛ فخيرهم الله تعالى بين الصيام والإطعام؛ فكان من شاء صام، ومن شاء أفطر وافتدى بالطعام.

ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } ونزلت العزيمة في إيجاب الصوم. وعلى هذا القول معاذ بن جبل وأنس بن مالك وسلمة بن الأكوع وابن عمر وعلقمة وعكرمة والشعبي والزهري وإبراهيم والضحاك. وهي إحدى الروايات عن ابن عباس.

وقال آخرون: بل هذا خاص للشيخ الكبير والعجوزة الكبيرة اللذين يطيقان الصوم ولكن يشق عليهما؛ رخص لهما إن شاءا أفطرا مع القدرة ويطعما لكل يوم مسكينا؛ ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وثبتت الرخصة للذين لا يطيقونه. وهذا قول الربيع بن أنس ورواية سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال الحسن: (هذا في المريض، كان إذا وقع عليه اسم المرض وكان يستطيع الصيام، فهو بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر وأطعم حتى نسخ ذلك).

فعلى هذه الأقاويل: الآية منسوخة؛ وهذا قول أكثر الفقهاء والمفسرين. وقال قوم: لم تنسخ هذه ولا شيء منها، وإنما تأويلها: وعلى الذين يطيقونه في حال شفائهم وفي حال صحتهم وقوتهم، ثم عجزوا عن الصوم؛ فدية طعام مسكين؛ وجعلوا هذه الآية محكمة؛ وهذا قول سعيد بن المسيب والسدي؛ وإحدى الروايات عن ابن عباس: فجملة ما ذكرنا من الأقاويل على قراءة من قرأ (يطيقونه) من الإطاقة وهي القراءة الصحيحة التي عليها عامة أهل القرآن ومصاحف البلدان.

Unknown page