Tafsir Kabir

Tabarani d. 360 AH
108

Tafsir Kabir

التفسير الكبير

Genres

قوله تعالى: { وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا }؛ أي جعلنا الكعبة مثابة؛ أي مرجعا. وقال ابن عباس: (يعني معاذا وملجأ). وقال ابن جبير ومجاهد والضحاك: (يثوبون إليه من كل جانب، ويحجونه، ولا يملون منه، فما من أحد قصده إلا ويتمنى العود إليه). وقال قتادة وعكرمة: (مجمعا). وقال طلحة: (مثابا يحجون إليه ويثابون عليه). قوله تعالى: { وأمنا } وصف للبيت؛ والمراد به جميع الحرم، كما قال:

بالغ الكعبة

[المائدة: 95] والمراد الحرم لا الكعبة؛ لأنه لا يذبح فيها ولا في المسجد.

ومعنى { وأمنا } أي مأمنا يأمنون فيه. قال ابن عباس: (فمن أحدث حدثا خارج الحرم ثم لجأ إليه أمن من أن يهاج فيه) أي لم يتعرض له، ولكن لا يبالغ ولا يخالط ويوكل به، فإذا خرج منه أقيم عليه الحد فيه. وهذا كانوا يتوارثونه من زمن إسماعيل إلى أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت العرب في الجاهلية تعتقد ذلك في الحرم، ويستعظم القتل فيه. كان الرجل منهم يؤوي إليه قاتل أبيه فلا يتعرض له. ومن الأمن الذي جعله الله فيه: اجتماع الصيد والكلب ولا يهيج الكلب الصيد، ولا ينفر الصيد من الكلب حتى إذا خرجا منه عدا الكلب على الصيد، وعاد الصيد إلى الهرب.

قوله تعالى: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى }؛ قرأ شيبة ونافع وابن عامر والحسن: (واتخذوا) بفتح الخاء على الخبر. وقرأ الباقون بالكسر على الأمر. قال ابن كيسان:

" ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالمقام ومعه عمر رضي الله عنه؛ فقال: يا رسول الله؛ أليس هذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال: " بلى ". قال: أفلا تتخذه مصلى؟ قال: " لم أومر بذلك ". فلم تغب الشمس من يومه حتى نزل: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } ".

وعن أنس بن مالك قال: قال عمر رضي الله عنه:

" وافقني ربي في ثلاث: قلت: لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى؛ فأنزل الله تعالى: { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى }. وقلت: يا رسول الله؛ إنه يدخل عليك البر والفاجر؛ فهلا حجبت أمهات المؤمنين؟ فأنزل الله آية الحجاب. قال: وبلغني شيء كان بين أمهات المؤمنين وبين النبي صلى الله عليه وسلم فاستفز منهن. أقول: لتكفن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن حتى أتيت على آخر أمهات المؤمنين، فقالت أم سلمة: يا عمر؛ ما في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من يعظ نساءه حتى تعظهن. فأمسكت. فأنزل الله تعالى: { عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن } ".

واختلفوا في قوله تعالى: { من مقام إبراهيم }؛ قال النخعي: (الحرم كله من مقام إبراهيم).

وقيل: المسجد كله مقام إبراهيم. وقال قتادة ومقاتل والسدي: (هو الصلاة عند مقام إبراهيم؛ أمروا بالصلاة عنده ولم يؤمروا بمسحه ولا تقبيله).

Unknown page