Tafsīr Ibn Kathīr
تفسير ابن كثير
Editor
سامي بن محمد السلامة
Publisher
دار طيبة للنشر والتوزيع
Edition
الثانية
Publication Year
1420 AH
Genres
Tafsīr
ابْنِ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: أَرْبَعُ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي نَعْتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَآيَتَانِ فِي نَعْتِ الْكَافِرِينَ، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ فِي الْمُنَافِقِينَ، فَهَذِهِ الْآيَاتُ الْأَرْبَعُ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ اتَّصَفَ بِهَا مِنْ عَرَبِيٍّ وَعَجَمِيٍّ، وَكِتَابِيٍّ مِنْ إِنْسِيٍّ وَجِنِّيٍّ، وَلَيْسَ تَصِحُّ وَاحِدَةٌ مِنْ هَذِهِ الصِّفَاتِ بِدُونِ الْأُخْرَى، بَلْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلْأُخْرَى وَشَرْطٌ مَعَهَا، فَلَا يَصِحُّ الْإِيمَانُ بِالْغَيْبِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ إِلَّا مَعَ الْإِيمَانِ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ﷺ، وَمَا جَاءَ بِهِ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ وَالْإِيقَانِ بِالْآخِرَةِ، كَمَا أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ إِلَّا بِذَاكَ، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ، كَمَا قَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نزلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزلَ مِنْ قَبْلُ﴾ الْآيَةَ [النِّسَاءِ: ١٣٦] . وَقَالَ: ﴿وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزلَ إِلَيْنَا وَأُنزلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ﴾ الْآيَةَ [الْعَنْكَبُوتِ:٤٦] . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نزلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ﴾ [النِّسَاءِ: ٤٧] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَمَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الْمَائِدَةِ: ٦٨] وَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنِ الْمُؤْمِنِينَ كُلِّهِمْ بِذَلِكَ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ الْآيَةَ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٥] وَقَالَ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ﴾ [النِّسَاءِ: ١٥٢] وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أمْر جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَكُتُبِهِ. لَكِنْ لِمُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ خُصُوصِيَّةٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ بِمَا بِأَيْدِيهِمْ (١) مُفَصَّلًا فَإِذَا دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَآمَنُوا بِهِ مُفَصَّلًا كَانَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَإِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُ الْإِيمَانُ، بِمَا تَقَدَّمَ مُجْمَلًا كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ: "إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَلَكِنْ قُولُوا: آمَنَّا بِالَّذِي (٢) أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ" (٣) وَلَكِنْ قَدْ يَكُونُ إِيمَانُ كَثِيرٍ مِنَ الْعَرَبِ بِالْإِسْلَامِ الَّذِي بُعِثَ بِهِ مُحَمَّدٌ ﷺ أَتَمُّ وَأَكْمَلُ وَأَعَمُّ وَأَشْمَلُ مِنْ إِيمَانِ مَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ فِي الْإِسْلَامِ، فَهُمْ وَإِنْ حَصَلَ لَهُمْ أَجْرَانِ مِنْ تِلْكَ الْحَيْثِيَّةِ، فَغَيْرُهُمْ [قَدْ] (٤) يَحْصُلُ لَهُ مِنَ التَّصْدِيقِ مَا يُنيف ثَوَابُهُ عَلَى الْأَجْرَيْنِ اللَّذَيْنِ حُصِّلَا لَهُمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥)﴾
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿أُولَئِكَ﴾ أَيْ: الْمُتَّصِفُونَ بِمَا تَقَدَّمَ: مِنَ الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَالْإِنْفَاقِ مِنَ الَّذِي رَزَقَهُمُ اللَّهُ، وَالْإِيمَانِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَى الرَّسُولِ ومَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ، وَالْإِيقَانِ بِالدَّارِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ الِاسْتِعْدَادَ لَهَا مِنَ الْعَمَلِ بِالصَّالِحَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ.
﴿عَلَى هُدًى﴾ أَيْ: نُورٍ وَبَيَانٍ وَبَصِيرَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أَيْ: فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
(١) في جـ: "بما في أيديهم".
(٢) في طـ، ب، أ، و: "بما".
(٣) صحيح البخاري برقم (٤٤٨٥، ٧٣٦٢) من حديث أبي هريرة ﵁.
(٤) زيادة من طـ، ب.
1 / 171