161

Tafsīr Ibn Kathīr

تفسير ابن كثير

Editor

سامي بن محمد السلامة

Publisher

دار طيبة للنشر والتوزيع

Edition Number

الثانية

Publication Year

1420 AH

Genres

Tafsīr
وَالْغَرَضُ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ هَاهُنَا بَيَانُ اخْتِصَاصِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ بِأَحْكَامٍ لَا تَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ (١) الْجَوْهَرِيُّ، حَدَّثَنَا غَسَّانُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْني، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " إِذَا وَضَعْتَ جَنْبَكَ عَلَى الْفِرَاشِ، وَقَرَأْتَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ فَقَدْ أَمِنْتَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا الْمَوْتَ " (٢)
الْكَلَامُ عَلَى تَفْسِيرِ الِاسْتِعَاذَةِ (٣) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٩٩، ٢٠٠]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ * وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: ٩٦ -٩٨] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنزغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نزغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [فُصِّلَتْ: ٣٤ -٣٦] .
فَهَذِهِ ثَلَاثُ آيَاتٍ لَيْسَ لَهُنَّ رَابِعَةٌ فِي مَعْنَاهَا، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِمُصَانَعَةِ الْعَدُوِّ الْإِنْسِيِّ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، لِيَرُدَّهُ عَنْهُ طبعُهُ الطَّيب الْأَصْلِ (٤) إِلَى الْمُوَادَّةِ (٥) وَالْمُصَافَاةِ، وَيَأْمُرُ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِهِ مِنَ الْعَدُوِّ الشَّيْطَانِيِّ لَا مَحَالَةَ؛ إِذْ لَا يَقْبَلُ مُصَانَعَةً وَلَا إِحْسَانًا وَلَا يَبْتَغِي غَيْرَ هَلَاكِ ابْنِ آدَمَ، لِشِدَّةِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ آدَمَ مِنْ قَبْلُ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ﴾ [الْأَعْرَافِ: ٢٧] وَقَالَ: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فَاطِرٍ: ٦] وَقَالَ ﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا﴾ [الْكَهْفِ: ٥٠]، وَقَدْ أَقْسَمَ لِلْوَالِدِ إِنَّهُ لَمِنَ النَّاصِحِينَ، وَكَذَبَ، فَكَيْفَ مُعَامَلَتُهُ لَنَا وَقَدْ قَالَ: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [ص: ٨٢، ٨٣]، وَقَالَ (٦) تَعَالَى: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [النَّحْلِ: ٩٨، ٩٩]
قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ وَغَيْرِهِمْ: نَتَعَوَّذُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، وَاعْتَمَدُوا عَلَى ظَاهِرِ سِيَاقِ الْآيَةِ، وَلِدَفْعِ الْإِعْجَابِ بَعْدَ فَرَاغِ الْعِبَادَةِ؛ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ حَمْزَةُ فِيمَا ذَكَرَهُ (٧) ابْنُ قَلُوقَا عَنْهُ، وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ، حَكَى ذَلِكَ أَبُو الْقَاسِمِ يُوسُفُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ جُبارة الْهُذَلِيُّ الْمَغْرِبِيُّ فِي كِتَابِ " الْكَامِلِ ".
وَرُوِي عَنْ أبي هريرة -أيضا-وهو غريب.

(١) في جـ: "سعد".
(٢) مسند البزار برقم (٣١٠٩) "كشف الأستار" وفيه غسان بن عبيد، قال ابن عدي: "الضعف على أحاديثه بين".
(٣) في ط، أ: "الكلام على تفسير أحكام الاستعاذة، وفي جـ: "الكلام على تفسيرها".
(٤) في جـ: "الأصيل".
(٥) في جـ، أ، ط: "الموالاة".
(٦) في جـ، ط: "وقال الله".
(٧) في جـ، ط: "فيما نقله".

1 / 110