Tafsīr Ibn Kathīr
تفسير ابن كثير
Investigator
سامي بن محمد السلامة
Publisher
دار طيبة للنشر والتوزيع
Edition Number
الثانية
Publication Year
1420 AH
Genres
Tafsīr
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: نَهَانِي أَيُّوبُ أَنْ أُحَدِّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ: "زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ". قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَإِنَّمَا كَرِهَ أَيُّوبُ فِيمَا نَرَى، أَنْ يَتَأَوَّلَ النَّاسُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الرُّخْصَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في الألحان المبتدعة، فلهذا أنهاه أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ (١) .
قُلْتُ: ثُمَّ إِنَّ شُعْبَةَ رَوَى الْحَدِيثَ مُتَوَكِّلًا عَلَى اللَّهِ، كَمَا رُوي لَهُ، وَلَوْ تُرِكَ كُلُّ حَدِيثٍ بِتَأَوُّلٍ مُبْطِلٍ لَتُرِكَ مِنَ السُّنَّةِ شَيْءٌ كَثِيرٌ، بَلْ قَدْ تَطَرَّقُوا إِلَى تَأْوِيلِ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ وَحَمَلُوهَا عَلَى غَيْرِ مَحَامِلِهَا الشَّرْعِيَّةِ الْمُرَادَةِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ، وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.
وَالْمَرَادُ مِنْ تَحْسِينِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ: تَطْرِيبُهُ وَتَحْزِينُهُ وَالتَّخَشُّعُ بِهِ، كَمَا رَوَاهُ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ بَقِيّ بْنُ مَخْلَد، حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ، حَدَّثَنَا طلحة بن يحيى بن طلحة، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ قِرَاءَتَكَ الْبَارِحَةَ". قُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَمِعُ قِرَاءَتِي لَحَبَّرْتُهَا لَكَ تَحْبِيرًا. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بِهِ وَزَادَ: " لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ " (٢) . وَسَيَأْتِي هَذَا فِي بَابِهِ حَيْثُ يَذْكُرُهُ الْبُخَارِيُّ، وَالْغَرَضُ أَنَّ أَبَا مُوسَى قَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَسْتَمِعُ لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ تَعَاطِي ذَلِكَ وَتَكَلُّفِهِ، وَقَدْ كَانَ أَبُو مُوسَى كَمَا قَالَ، ﵇، قَدْ أُعْطِيَ صَوْتًا حَسَنًا كَمَا سَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، مَعَ خَشْيَةٍ تَامَّةٍ وَرِقَّةِ أَهْلِ الْيَمَنِ الْمَوْصُوفَةِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذَا مِنَ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ.
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: كَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى أَبَا مُوسَى قَالَ: ذَكِّرْنَا رَبَّنَا يَا أَبَا مُوسَى، فَيَقْرَأُ عِنْدَهُ (٣) .
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، أُنْبِئْتُ عَنْهُ، حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ قَالَ: كَانَ أَبُو مُوسَى يُصَلِّي بِنَا، فَلَوْ قُلْتُ: إِنِّي لَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ صنجٍ قَطُّ، وَلَا بربطٍ قَطُّ، وَلَا شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْ صَوْتِهِ (٤) .
وَقَالَ ابْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (٥) الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنِي حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَابِطٍ الْجُمَحِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: " أَبْطَأْتُ على رسول الله ﷺ لَيْلَةً بَعْدَ الْعِشَاءِ، ثُمَّ جِئْتُ فَقَالَ: "أَيْنَ كُنْتِ؟ ". قُلْتُ: كُنْتُ أَسْتَمِعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِكَ لَمْ أَسْمَعْ مِثْلَ قِرَاءَتِهِ وَصَوْتِهِ مِنْ أَحَدٍ، قَالَتْ: فَقَامَ فَقُمْتُ مَعَهُ حَتَّى اسْتَمَعَ لَهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ: "هَذَا سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي أُمَّتِي مِثْلَ هَذَا" " (٦) . إِسْنَادٌ جَيِّدٌ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ في المغرب بالطور، فما
(١) فضائل القرآن (ص ٨١) .
(٢) صحيح مسلم برقم (٧٩٣) .
(٣) فضائل القرآن (ص ٧٩) .
(٤) فضائل القرآن (ص ٧٩) . وقال الحافظ ابن حجر: "سنده صحيح".
(٥) في جـ: "عثمان".
(٦) سنن ابن ماجة برقم (١٣٣٨) .
1 / 63