فهذا معنى قولنا: إن العرش هو الله، وإن الوجه هو الله، وإن الكرسي هو الله.
فإن قال قائل: ألستم تقولون: هو الله؟ قلنا له: نعم.
فإن قال: فما معنى قوله: {رب العرش العظيم}[التوبة: 129]، وقوله: {رب العرش الكريم}[المؤمنون: 116]. قلنا له: معنى ذلك عندنا كمعنى قوله سبحانه: {رب العزة عما يصفون}[الصآفات: 180]، وهو العزيز بنفسه. وكذلك قلنا: إن العرش هو الملك، وهو الملك بنفسه. ومعنى: رب الملك ورب العزة، أي مالك الملك، ومالك العزة، يريد صاحب الملك، وصاحب العزة.
ومالك الشيء ورب الشيء سواء في المعنى، فلذلك جعلنا العرش متصلا بالله؛ لأنه ملك الله، وملك الله متصل به، ولذلك لم يكن بين الملك(1) وبين الله فرق؛ لأنه لو جاز لنا أن نفرق بين الله وبين ملكه؛ لقلنا: إن الله خلق(2) الملك في زمن الملك في ذاته، وملك الله عز وجل فلا يقاس بملك العباد؛ لأن العباد إنما صاروا ملوكا بما ملكوا، والله فهو الملك بنفسه، ولا يزيد شيء(3) مما خلق في ملكه.
فإن قال قائل: فما معنى قوله: {وكان عرشه على الماء}[هود: 7]؟
قلنا له: إن إحاطته بجميع الأشياء؛ هي العرش العالي فوق جميع الأشياء، وذلك العرش العالي فوق جميع الأشياء؛ هو الله العالي على جميع الأشياء.
فالله(4) عز وجل هو المحيط بجميع الأشياء بعرشه، يريد أنه المحيط بجميع الأشياء بملكه، أي أنه علا فوق جميع الأشياء بنفسه، ليس ثم عرش ولا ملك غيره.
Page 269